العدد 4231 - الإثنين 07 أبريل 2014م الموافق 07 جمادى الآخرة 1435هـ

مرةً أخرى... عذراً أيها العبدي

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المشهد الأخير: اعتدى مجهولون على مسجد الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي في قرية عسكر، وذلك عبر سكب الأصباغ داخل المسجد، والكتابة على الجدران، إلى جانب تكسير السياج الحامي للمسجد، وإحداث أضرار في الصخرة التاريخية الموجودة داخله/ تبريراً للمشهد (هو اعتداء إضافي لم يكن موجوداً في السابق).

المشهد الأول: قال له: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردنّ بك في البلاد. فردّ عليه ابن عبدالقيس العبدي بثقة المؤمن بربه: والله إن في الأرض لسعة، وإن في فراقك لدعة. فقال له: والله لأحبسن عطاءك. فردّ عليه العبدي: إن كان ذلك بيدك فافعل، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاؤه، ولا يحيف في قضيته، فقال له: لقد استقتلت. فردّ عليه ابن عبدالقيس بحكمة: مهلاً، لم أقل جهلاً ولم استحل قتلاً، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، ومن قُتِل مظلوماً كان الله لقاتله مقيماً، يرهقه إليماً، ويجرعه حميماً، ويصليه جحيماً.

ذلك هو موقف الصحابي الجليل حقاً، صعصعة بن صوحان بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبدالقيس العبدي، الذي تعرّض مسجده وموقع قبرٍ يُنسب إليه في عسكر بالبحرين للاعتداء عامي 2003-2007.

وهو من قال عنه النبهاني في تحفته ملخصاً أهمية هذا الرجل تاريخياً: «له رواية عن عثمان، وعلي، وشهد صفين مع علي وكان خطيباً فصيحاً، وله مع معاوية مواقف»، فتعرّض المسجد والقبر للاعتداء مرةً أخرى عامي 2011 – 2012.

وعندما قال عنه معاوية بن أبي سفيان هذا أحدّ سهام عليّ وخطباء العرب، والحافظ شمس الدين الذهبي أنه أحد شيعة علي (ع) أمّره على بعض الكراديس يوم صفين، وكان شريفاً مطاعاً خطيباً بليغاً مفوّهاً، وعندما قال عنه عبد الله بن العباس: والله يا بن صوحان إنك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء، ما ورثت هذا عن كلالة؛ تعرّض مسجده وقبره للاعتداء مرةً أخرى في 2014.

لك الهر يا صعصعة بن صوحان لأنك تنتمي إلى قبيلة عبد القيس من ربيعة، ولأنها سكنت جزر البحرين وتجذّرت فيها منذ فترة طويلة قبل الإسلام. وفي الإسلام أضحت من كبريات القبائل التي أحبّها ومدحها الرسول الأكرم محمد (ص) لدفاعها الإيماني العميق عن الإسلام.

تُري هل يبغضونك لأنك وُلِدت في جزيرة تاروت بالقطيف؟ ويعاقبونك لأنك لم تكتفِ بموقع ولادتك الذي سبب المشكلة عندهم، بل وهاجرت منها بحراً عبر شاطئ دارين إلى سواحل البصرة، ثم إلى الكوفة حيث التحقت بمقر الخلافة للإمام علي بن أبي طالب (ع).

أيحسدك الموتورون لأنك عربيٌّ من بني أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. أم تُرى، هل يسعون لهدم مسجدك وقبرك، لأن والدك صوحان العبدي كان سيداً مطاعاً في قومه، ورئيساً نافذ القول فيهم، مع أنهم يعترفون بأن والدك كان رأساً في الجاهلية، وسيداً في الإسلام.

هل يسعون لطمس تاريخك لأنك نُفِيت مرتين بسبب مجاهرتك بالحق ونصحك للحكام، وسجّلت، بلا مسيرات ولا اعتصامات، موقف المعارضة من الاستبداد والظلم والفساد؟ أم يحسدونك لأنهم جهلةٌ في الحوار مع الآخر، بينما أنت كنت صدوقاً وثقةً في الحديث؟

عذراً منك لأن لك مسجداً يقع في قرية عسكر من المحافظة الجنوبية، لم نعرف كيف نحافظ عليه بعيداً عن قطران الربيع الطائفي بامتياز.

عذراً منك لأنك لست رجلاً عادياً مرّ في هذا الزمان أو ذاك ولم يترك أثراً وسمعةً طيبة، فقد عدك كل من ابن عبد البر في «الاستيعاب»، وابن مندة في «تاريخ اصبهان»، وأبو نعيم في «حلية الأولياء»، من الصحابة، وعدّك ابن النديم في «الفهرست» من الخطباء. إلا أن ابن شهر آشوب في «معالم العلماء» عدّك من شعراء أهل البيت (ع)، والطوسي في «رجاله»، والكشي، والبرقي، والنجاشي اعتبروك من أصحاب الإمام علي (ع)، فعذراً منك لأنك ظُلمت مرتين، مرة وأنت حي بنفيك إلى جزيرة أوال، والثانية بظلمك اليوم وأنت في منفاك الأوالي القسري.

حقاً وصدقاً إنك القيسي العبدي توفيت، ودُفنت هنا أو هناك، ولكن ما لم يدفن بعد هي تلك الأحقاد في النفوس المريضة منذ أيام الجاهلية، وكأن الإسلام لم يلامس شغاف قلوبهم، ولا مسّ تموّجات عقولهم، ولا سمعت قط بما قاله ابن صوحان لها وهو في قبره:

هلا سألت بني الجارود أيّ فتى

عند الشفاعة و»البان» ابن صوحانا

كنا وكانوا كأمٍّ أرضعت ولداً

عق ولم نجز بالإحسان إحساناً

فعذراً يا بن عبدالقيس، أفبعد أن ثُبت بأنك معارض ألمعي وعنيد، لا تريدهم أن يعتدوا على مسجدك، ومقامك، وأنت تزعجهم حياً وميتاً؟ فعذراً منك على ما يبدر من بعض القوم، فهم لا يعلمون من أنت، وإن كانوا يعلمون فتلك مصيبة عقلية كبرى... بل أم المصائب.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4231 - الإثنين 07 أبريل 2014م الموافق 07 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 11:58 ص

      الحقد الدفين

      سلت يداك ع ماكتبت وفكرك العجيب ف التحليل ولكنه الحقد الدفين والجهل المركب

    • زائر 9 | 10:20 ص

      افيقوا ايها الموتى

      والله الذي لااله غيره لوان شخصا قام بهدم مجسم الخيول الذي بقرب نادي الفروسيه على طريق جامعة البحرين للقى من صنوف العذابات مايعلمها الا الله العظيم فكيف بقبر صحابي جليل لخير الاصحاب بعدرسول الله سيد الخلق

    • زائر 10 زائر 9 | 11:52 ص

      قلم حر

      سلمت يداك ع ماكتبت وفكرك ع هذا التحليل العجيب

    • زائر 7 | 7:10 ص

      لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

      من يسكت عن هذه الاعمال وهو يستطيع وقفها سيبتلى بما هو اعظم... وتلك الايام نداولها بين الناس

    • زائر 5 | 3:07 ص

      الغريب

      انه لم يخرج اي مسئول رفيع المستوى او صغير او اي جهة ببيان او تصريح ولو مقتضب تعطي الموضوع اهمية بمقدار وثقل هذا الصحابي الجليل ، بينما نرى التصريحات تتقاذف في توافه الأمور .

    • زائر 4 | 2:16 ص

      لأنه تاريخ يؤلمهم

      تاريخ هذا العبدي وامثاله يؤلمهم كثيرا لذلك يسعون لمحوه وأنى لهم ذلك . كما قامت داعش والنصرة بهدم مقام الصحابي اويس القرني.
      يعتقدون واهمين انهم بالتعدي على هذه المقامات سوف يؤثرون على مذهب عمره 14 قرنا يزداد تألقا وثباتا

    • زائر 3 | 1:56 ص

      مقال رائع

      شكرا لكم

    • زائر 2 | 1:18 ص

      لا حول ولا قوة الا بالله

      احسنت في المقال والله يعينك على توثيق الحقائق في تاريخ البحرين

    • زائر 1 | 10:16 م

      السياحة الدينيه

      لو كان هذا المسجد في بلد يحترم نفسه ويحترم عقائد الاخرين لاصبح مزارا تتدفق له الزوار من اشتات الارض من كل وصوب وزاد رصيد البحرين في السياحة الدينيه ....لكن الامر لله

اقرأ ايضاً