يرتبط شهر رمضان المبارك ببعض العادات الاجتماعية التي تشكل موروثا اجتماعيا يجسد صورا تظل مرتبطة بهذا الشهر الكريم.
فلا تخلو ذاكرتنا من ملامح السنوات الماضية التي كان بها الناس يأنسون بزيارة بعضهم بعضا، وإقامة السهرات العائلية وفقا لرؤية اجتماعية أخذت عمقا واضحا في تقاليد مجتمعاتهم المحافظة. هذه السهرات العائلية كانت تعد متنفسا ووسيلة لتوطيد الروابط الاجتماعية خلال الشهر الكريم، من دون أن يشغلهم هذا عن إحياء الشعائر الدينية المرتبطة بشهر الصيام.
في السنوات الأخيرة تبدت الخيام الرمضانية في الانتشار بشكل كبير في شهر رمضان المبارك، وأصبحت الفنادق من مختلف الدرجات والنجوم تضع في أجندتها الخاصة برنامجا منوعا تخص به خيمتها الرمضانية، لتنافس من خلالها خياما رمضانية أقيمت في فنادق أخرى.
وفي الوقت الذي يجد فيه الكثير من الناس متنفسا مسليا لقضاء أمسيات في داخل هذه الخيام، إذ يتناولون بعض الأطعمة التي يشتهر تقديمها خلال شهر رمضان، ويستمتعون بالأحاديث بين بعضهم بعضا من دون أن تفارق الشيشة شفاههم، يقف البعض ضد هذه الظاهرة ويعتبرونها محاولة للكسب التجاري من دون الالتفات إلى خصوصية هذا الشهر، بل يتعدى الأمر هذا باعتبارها تجمعا غير لائق من الناحية الدينية والاجتماعية في شهر العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، إلى جانب كونها تمثل تجمعا غير صحي للناس حين ينفث مرتادو هذه الخيام أدخندة «شيشاتهم» مطلقين رائحة تبغها - الذي بات مرشدا قويا لموقع الخيمة بأي فندق - في الهواء متلفين أنفسهم ومفسدين الهواء والبيئة.
استنكار
الحديث عن الخيام الرمضانية وجد طريقه إلى أروقة مجلس النواب البحريني، إذ بدأ بعض النواب التحدث عن هذه الظاهرة بشيء من الاستنكار ووجوب سن القوانين التي تحدد اقامتها وما يقدم فيها من برامج.
عضو مجلس النواب عادل المعاودة أبدى استنكارا واستياء كبيرين من هذه الظاهرة، إذ يقول: «وجود هذه الخيام لا يليق بتاتا بهذا الشهر الكريم، سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية، فلا يوجد منها أي فائدة دينية بل هي تجمع واختلاط غير مقبول على الإطلاق. وكل إنسان يمتلك ذوقا لا يمكن أن يقبل هذا المظهر وخصوصا للنساء».
ويسأل المعاودة عن عدم وجود قانون يحدد وجود هذه الخيام وذلك من أجل المصلحة العامة، إذ يقول: «يجب وجود قانون ينظم إقامة هذه الخيام، لا يمكن إغفال الناحية الدينية والأخلاقية التي يتحلى بها مجتمعنا الإسلامي المحافظ».
ويضيف المعاودة: «يجب التدخل لتصحيح ما يجري داخل هذه الخيام، لقد تدخلت السلطة التنفيذية في السابق وتعاملت مع هذه الظاهرة ولكن يجب أن يكون هناك قانون واضح يحدد ما يمكن تقديمه وما يسمح به وفقا لما يتناسب مع الشهر الكريم».
الخيام بديلا للمجالس
أما النائب حسن عيد بوخماس، فيرى أن تجمع الناس فيما يسمى الخيام الرمضانية بدأ في الحواري أو (الفرجان) بديلا عن المجالس والديوانيات، وسرعان ما تبنت الفنادق هذه الفكرة وجعلتها مشروعات تدر الأموال في فترة كساد نسبي تعاني منها الفنادق بصورة خاصة في شهر رمضان المبارك.
ويقول بوخماس: «لسنا ضد رغبة الناس في أن ينالوا قسطا من الترفيه والتسلية مادامت هذه التسلية لا تتعارض وحرمة الشهر الكريم واستغلاله في التقرب من الخالق عز وجل، إنما كل ما نطالب به أن تحترم الفنادق حرمة الشهر وتراعي الأيام الكريمة بحيث لا تكون هذه الخيام مكانا للهو الحرام أو الغناء والرقص وتدخين الشيشة والاختلاط بين الجنسين كما شهدنا في السنوات الماضية».
ويضيف بوخماس: «لا بد من وجود قوانين وتشريعات تلزم أصحاب تلك الفنادق والمقاهي بالتقيد بما يتناسب مع عادات المجتمع وتقاليده».
جوانب صحية وسلوكية
في حين يصف النائب محمد خالد انتشار الخيام في شهر رمضان المبارك بالظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا، وان ضررها أكثر من نفعها.
ويقول: «التعريف المشهور في شأن هذه المقاهي الشعبية، هي المقاهي التي يأتيها الرجال ويجلسون ليتداولوا الحديث ويتناولوا المرطبات كالشاي والقهوة، لكن المقاهي التي بدأت بالانتشار في السنوات الأخيرة هي مختلفة عن مفهومنا للمقاهي الشعبية، وذلك لما يحدث بها من اختلاط بين الرجال والنساء إذ يجلس بها الناس ويدخنون الشيشة، التي ثبتت صحيا مضارها الكبيرة على صحة الإنسان إلى جانب البرامج المنوعة التي تقدم في هذه المقاهي، وهي تصرفات خارجة عن أخلاقيات المجتمع».
ويتساءل النائب خالد عن أهمية هذه الخيام إذ يقول: «لماذا لا يقوم أصحاب هذه الخيام بإحضار رجل دين للتحدث عن موضوع يخص الجوانب الحياتية وتعريفهم بأمور دينهم؟ أليس هذا أفضل من البرامج التي تقدم داخل هذه الخيام؟!».
وينتقد النائب سعدي محمد الخيام الرمضانية لأنها خرجت عن مجرد مفهوم الترفيه المتعارف عليه والمقبول اجتماعيا - بحسب قوله - وأصبحت مكانا للتجمع والاختلاط غير المناسب. ويرى أن مضارها ليست فقط من الناحية الدينية والاجتماعية فحسب، بل أيضا لها مضارها الصحية بحكم تجمع الناس في مكان مغلق نسبيا وتدخين الشيشة التي ثبت طبيا أضرارها الكبيرة على صحة الإنسان.
ويقول النائب: «نحن لسنا ضد وجود أماكن للترفيه العائلي وتجمع الناس مع أطفالهم، بل بالعكس هناك أماكن جيدة ومقبولة اجتماعيا وخصوصا إذا كانت تأخذ في الاعتبار عادات مجتمعنا وتقاليده، ولكن نحن ضد وجود أماكن لا تراعي هذه الجوانب».
وجهة نظر أخرى
على الجانب الآخر، حدثنا بعض القائمين على الخيام التي تقام خلال شهر رمضان وطبعا نقلنا إليهم ما يؤخذ عليها من قبل محدثينا.
مدير الأطعمة والأشربة بأحد الفنادق التي تعقد خيمة رمضانية كل عام، عامر محمد، تحدث قائلا: «عندما نقيم خيمة خلال شهر رمضان المبارك نراعي حرمة الشهر الكريم، لذلك لا يتم جلب راقصات أو فنانات كما جاء على لسان منتقدينا، كل ما نقدمه الأطعمة والأشربة التي تقدم عادة في الشهر الكريم كموروث شعبي نعتز به، ما الفرق بين أن تتناول الشاي في مقهى على الرصيف أو خيمة موجودة في فندق من فئة الخمس نجوم من الناحية الدينية أو الاجتماعية؟».
وعن الأوقات التي تعمل فيها هذه الخيام يقول محمد: «لا توجد أية خيمة تفتح أبوابها قبل موعد الانتهاء من أداء صلاة العشاء. لذلك لايمكن اعتبارها مكانا لإلهاء الناس عن أداء الشعائر الدينية خلال الشهر الفضيل. ومن الملاحظ أن الإقبال على الخيام لا يأتي فقط من قبل فئات عمرية شابة بل تأتيها أيضا العائلات والفئات العمرية المتوسطة».
وللناس آراء
منصور توراني (33عاما) يعمل موظفا في إحدى الشركات الكبرى، يرى أن «الخيام الرمضانية» تشكل فرصة للالتقاء مع الأصدقاء الشباب لقضاء أوقات مسلية، ولكنه اعتبرها ليست بالمكان المناسب لاصطحاب العائلة.
نادر محمد (34 عاما) الموظف في أحد المصارف الكبرى - وهو من الجاليات العربية المقيمة - يقول: «الخيام الرمضانية التي تقام في البحرين بالتأكيد أكثر مراعاة لحرمة الشهر الفضيل مقارنة بمثيلاتها في بعض الدول العربية. ولا أجد فيها أي جوانب قد تخدش الحياء أو تنتهك حرمة الشهر الكريم (...) اعتقد أن المسألة تخضع للكيفية التي ينظر بها الشخص إلى هذه الخيام، فالذي يأتيها بقصد لقاء أصدقائه والتسلية والترفيه قبل أن يحين موعد السحور سيتعامل مع فكرة المجيء إليها على هذا الأساس، اما الذي سيأتيها وفي قلبه أن ينظر إلى من حوله بنية أخرى فهذا أمر آخر وقد يحدث ليس فقط في الخيام بل في أي مكان سواء في المطعم أو الشارع أو مكان العمل».
ويتفق مدير أحد المصانع جاسم العباسي (32 عاما) مع محدثنا السابق من حيث ان الخيام لا تعدو مكانا للترفيه والتسلية، إذ يقول: «ربما لا توجد في هذه الخيام فائدة ولكن ما الفائدة التي ينتظرها الشخص إذا ذهب إلى المكان وهو يقصد التسلية؟».
ويضيف العباسي «تحدث بعض السلوكات غير المقبولة من الناحية الدينية والاجتماعية من بعض قاصديها في الشهر الكريم، الحقيقة لا أستطيع أن أتكلم بشيء من التعميم على كل من يقصدون هذه الخيام».
وتجد ليلى عبدالله (28عاما) (معلمة) في الخيام فكرة جيدة - بحسب قولها - إذا كان الحضور عائليا وبشكل مناسب من الناحية الاجتماعية.
وتقول: «إن العائلات تحتاج بين فترة وأخرى إلى الذهاب إلى مكان بقصد الترفيه. قد تكون الفترة المسائية بعد الانتهاء من صلاة العشاء وقتا مناسبا، وخصوصا أن غالبية الناس لا يذهبون إلى النوم إلا بعد تناول السحور خلال الشهر الكريم (...) لا أجد في الخيام ما يخدش الحياء العام، وكل إنسان يتحمل نتيجة تصرفاته بشكل فردي».
أما عبداللطيف محمد، (23 عاما) فينتقد الربح التجاري الذي بات وراء إقامة هذه الخيام، ويقول: «ربما كانت الخيام أو الديوانيات تهدف إلى استرجاع الإنسان لذكريات الأمسيات الرمضانية القديمة التي كان يستمتع بها بصحبة رفاقه، لكن الوضع الآن أصبح مختلفا، فأصحاب الفنادق يهتمون فقط بالربحية من دون الأخذ في الاعتبار النمط الاجتماعي الذي كان يحيط بالخيام سابقا».
ويتفق الموظف صلاح الهاجري (28عاما) مع عبداللطيف إذ يقول: «الخيام الموجودة حاليا غير لائقة من الناحية الاجتماعية لكن أصحابها فقط يريدون الربح تعويضا عن خسارة فنادقهم في شهر رمضان نتيجة إغلاق مرافقهم الأخرى»
العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ