قال الأكاديمي النائب السابق في البرلمان عبدعلي محمد حسن، إنه «إذا استثنينا الحكم كطرف رئيس من أطراف النزاع في الأزمة في البحرين، فإننا نرى أن قدرة هذه الأطراف على الوصول إلى نتيجة مرضية من الحوار غير متوافرة في المدى الحالي، ويسود اليأس حاليّاً كل الأطراف المتحاورة من قدرة الحوار الحالي على الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف».
وأوضح في دراسة نشرت على الموقع الإلكتروني لمركز الجزيرة للدراسات، أن «الحكم استطاع استثمار أخطاء في أداء المعارضة السياسية، ليبرز النزاع على أنه صراع مذهبي»، مؤكداً «إن النزاع في البحرين نزاع سياسي وليس نزاعاً مذهبياً».
وتابع «في الحراك الذي ابتدأ في (14 فبراير 2011)، تركزت المطالب على إصلاح سياسي يرتكز على المبادئ التي تضمنها ميثاق العمل الوطني، ووثقت هذه المطالب في ما أطلق عليه (وثيقة المنامة)، وأهمها: حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية، ونظام انتخابي عادل، وسلطة تشريعية ذات صلاحيات واسعة، وسلطة قضائية موثوقة وغيرها من المطالب السياسية».
وخلص إلى أن «النزاع في البحرين نزاع سياسي بين الحكم ومواليه، وبين المعارضة السياسية ومواليها، وليس نزاعاً مذهبياً، ولا عرقياً، وهو ما أيّده استطلاع للرأي أجرته مجلة (الوسط) البحرينية».
وأوضح أن «أصل النزاع السياسي في البحرين طرفان: الحكم ومن يواليه، والمعارضة الممثلة في بعض الجمعيات السياسية وجماعات أخرى لم تقم بتسجيل نفسها كجمعيات سياسية».
وواصل «ونتيجة لأخطاء في أداء المعارضة السياسية، استطاع الحكم استثمارها ليبرز النزاع على أنه صراع مذهبي، وقد تفرعت أطراف النزاع إلى: الحكم بهيئاته ومؤسساته، والجمعيات السياسية الموالية للسلطة التي دخلت في النزاع لعوامل متعددة، وأبرزها: المنبر الإسلامي، والأصالة، وميثاق العمل الوطني، والوسط الإسلامي، وغيرها، والجمعيات والجماعات التي تشكلت إبان الأزمة الحالية وأبرزها تجمع الوحدة الوطنية، وائتلاف شباب الفاتح، وبعض المجموعات الشبابية الأخرى التي يجمعها الولاء للحكم، والجمعيات السياسية المعارضة، وأبرزها الوفاق التي كان لها تمثيل قوي في البرلمان، ووعد، والتجمع القومي، والمنبر الديمقراطي، والتجمع الوحدوي، والإخاء، والجماعات المعارضة التي لم تنتظم في جمعيات سياسية، التي كان لها السبق في حراك (14 فبراير 2011)، وأبرزها حركة أحرار البحرين، وتيار الوفاء، وحركة حق، وشباب 14 فبراير».
وأكمل «يمثل العام 1971م انعطافة في تاريخ البحرين الحديث، فهو العام الذي نالت فيه البحرين استقلالها، ومنذ ذلك التاريخ تأجج النزاع بين الحكم وبين المعارضة حول عدد من القضايا، أبرزها: الدستور، وأمن الدولة، والبرلمان، والمشاركة الشعبية، والتمييز، والتجنيس، والفساد. وبلغ النزاع أوجه في منتصف التسعينات حين تحركت فئات متعددة من الشعب، مطالبين بإعادة العمل بدستور 1973م، وإعادة الحياة البرلمانية، ووصل النزاع إلى حالة من العنف، وإزاء هذا الوضع السيء لجأ الحكم إلى نوع من الحوار يمكن اعتباره الحوار الجاد الأول، الذي استطاع أن يخرج البلاد من أزمة مستعصية».
وأشار إلى أنه «إبان اشتداد الأزمة في التسعينات جرى نوع من التحاور بين قيادات المعارضة المسجونين ووزير الداخلية ومدير الأمن العام الإنجليزي (هندرسون) في إبريل/ نيسان 1995م، وأسفر عن اتفاق يقدم فيه قادة المعارضة أصحاب المبادرة، اعتذاراً عن دورهم في النزاع، مقابل إطلاق سراح المسجونين والمعتقلين، وتضمن ذلك الاعتذار العبارة التالية: (وإزاء الأحداث المؤلمة التي شهدتها البحرين في الأشهر القليلة الماضية، نعرب عن أسفنا الشديد لسموكم إذا كانت قد تسبّبت تصرفاتنا والأعمال التي قمنا بها وأدت إلى الاضطرابات في البلاد)».
وأضاف «ثم جاء نوع آخر من الحوار في نهاية التسعينات عندما تسلم الملك الحالي مقاليد الحكم في مارس/ آذار 1999م، وبإرادة سياسية فوقية استطاع أن يخرج البلاد من أزمتها، ويمكن القول إن فشل الحوار الأول الذي أجري في منتصف التسعينات، ونجاح الثاني في بداية القرن الجديد يرجع إلى وجود الإرادة السياسية لإيجاد حل للأزمة، وليس إخمادها وإنهاءها».
وتابع محمد حسن «وما لبثت أزمة جديدة أن نشبت في العام 2002 عندما أصدر الملك دستور 2002م بإرادة منفردة، بديلاً عن دستور 1973م، ونشأ عن ذلك تكتل معارضة له قاطعت الانتخابات النيابية العام 2002م، ثم اشتدت الأزمة في العام 2006م، عندما سرّب أحد المستشارين الأجانب تقريراً، وتطرق التقرير إلى استراتيجية مكتملة الجوانب تستهدف تهميش مكون رئيس من مكونات المجتمع، وإبعاده عن الوظائف الرئيسة، ومشروع للتجنيس السياسي يحقق أغلبية للمكوّن الآخر من المجتمع».
وذكر أنه «منذ اندلاع الأزمة الحالية في البحرين جرت حوارات متعددة بين أطراف هذه الأزمة، وأبرزها حوار المعارضة مع ولي العهد، حيث تصدر ولي العهد الحوار مع المعارضة بموجب مرسوم ملكي صدر في (18 فبراير 2011م)، يمنحه صلاحيات واسعة في إجراء حوار مع جميع أطراف الأزمة، وفي مقابلة تلفزيونية ظهر ولي العهد ليتحدث إلى الشعب ويحث قادة الجمعيات السياسية للتهدئة والحوار، وحدّد مجموعة من المبادئ والموضوعات التي يقوم عليها الحوار، أبرزها: مجلس نواب كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل إرادة الشعب، ودوائر انتخابية عادلة، والتجنيس، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وأملاك الدولة، ومعالجة الاحتقان الطائفي، وغيرها».
وتابع «واشترطت المعارضة لإجراء الحوار استقالة الحكومة الحالية، وسحب الجيش من الشارع. وتم بالفعل انسحاب الجيش وأتيحت للمتظاهرين فرصة الاعتصام في الدوار، وبدا وكأن الأمور تتجه إلى الحوار الجدي، مع صعوبات واضحة في صفوف المعارضة التي لم تتفق كلمتها على شيء فيه. لكن الوضع ما لبث أن تأزم بدخول قوات درع الجزيرة البحرين وفضّ الاعتصام بالقوة وسقوط عدد من القتلى والجرحى، وبذلك أجهضت بدايات الحوار».
وقطع محمد حسن أن «البحرين بكل أطياف النزاع فيها قد فوّتت على نفسها الفرصة لإجراء حوار منتج، ولو استمر ذلك الحوار لأمكنه اختصار كثير من المحطات المؤسفة، وتفادي كثير من التضحيات والآلام. وكل الحوارات التالية لم ترتقِ إلى مستوى تمثيله، ولا إلى قواعده وموضوعاته».
وواصل «أما الحوار الآخر، فكان حوار المعارضة مع القيادات السنية، إذ أنه إثر تشكل ائتلاف من القيادات السنية الذي سجل بعد ذلك كجمعية سياسية هي تجمع الوحدة الوطنية، جرت لقاءات بين قيادات هذا الائتلاف وقيادات الجمعيات السياسية المعارضة. وبداية، كانت الأمور تتجه إلى استمرار هذا الحوار، وفي المقابل، أعربت الجمعيات السياسية المعارضة عن استعدادها للقاء والتحاور مع جميع القوى السياسية الشعبية».
وأكمل «وبالفعل تمت لقاءات كثيرة بين تلك القيادات السنية والشيعية في مقر جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وكان التركيز فيها يتم على إنهاء الاعتصام والعودة إلى الهدوء، وإدانة مظاهر العنف، من قبل القيادات السنية، في حين تتركز مطالب قيادات الجمعيات المعارضة على البدء بإصلاحات فورية تمكن من إقناع الجماهير المحتشدة قبل فض اعتصامها والعودة إلى الهدوء».
وأفاد محمد حسن «الحوار الثالث كان حوار التوافق الوطني، فبأمر ملكي انطلق حوار التوافق الوطني، في يوليو/ تموز 2011م، وترأسه رئيس مجلس النواب، وضم نحو 300 شخصية من مختلف التوجهات والقطاعات والجمعيات السياسية وجمعيات المجتمع المدني، وكان نصيب الجمعيات السياسية المعارضة والموالية هو 37 في المئة، وحددت أربعة محاور رئيسة للحوار، هي: المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الاجتماعي، والمحور الحقوقي، بالإضافة إلى محور فرعي يختص بالمقيمين الأجانب. وشاركت جمعية الوفاق فيه بخمسة أعضاء، لكنها ما لبثت أن انسحبت منه».
وواصل «واستمر هذا الحوار بعد انسحاب الوفاق منه، وقدم مجموعة من التوصيات، لكنه لم يستطع أن يقدم حلاً سياسياً للأزمة».
وأوضح «واستكمالاً للحوار السابق، وجّهت الحكومة دعوة إلى الجمعيات السياسية للبدء في حوار حول المحور السياسي، انطلقت فعالياته في (10 فبراير 2013م)، وشاركت جمعيات المعارضة فيه بثمانية أعضاء مقابل ثمانية لجمعيات ائتلاف الفاتح، وثمانية لتمثيل المستقلين في البرلمان، وثلاثة يمثلون الحكومة».
وذكر أنه «على مدى 11 شهراً، عقدت فيه 26 جلسة، لم ينجز شيء فيه سوى تصريحات إعلامية، وتبادل للتهم. ومنذ الجلسة الأولى التي افتتحت بتاريخ (10 فبراير 2013)، وحتى جلسة الحوار الـ 26 في (3 ديسمبر/ كانون الأول 2013)، التي انعقدت في غياب الجمعيات السياسية المعارضة التي علّقت حضورها في الحوار، لم تتمكن الأطراف المتحاورة من إنجاز شيء يسهّل الوصول إلى توافق حول القضايا محور النزاع».
وعن الجهات الخارجية المستفيدة والمتضررة من الحوار، قال محمد حسن: «يصعب القول إن كل الجهات التي تقاطع الحوار هي جهات مستفيدة أو متضررة، فلربما كان موقفها ذلك نابع من تقديرها أن الحوار الجاري لا يتسم بالجدية ولن يؤدي إلى نتيجة، واعتراضها على منهجية الحوار وآلياته ومحاوره والأطراف المشاركة فيه، وليس على مبدئيته ودوره».
وأضاف «ووفقاً لهذا المعنى، فإننا نستطيع القول إن المتضرر الوحيد من وجود حوار جدي يفضي إلى نتيجة إيجابية تخرج البلاد من أزمتها هم فقط المؤزمون الذين يسرهم بقاء البلاد في أزمتها، وبعض هؤلاء من أعوان الحكم الماسكين بمقاليد الأمور ممن يرون أن الحل الأمني هو الكفيل بحل الأزمة، وبعضهم من المعارضة غير المنتظمة التي يصعب عليها تقدير الأمور وحسابها بدقة».
وأكمل «وهناك حثّ متسارع من الدول ذات النفوذ ودول المنطقة على الحوار الجاد، فالولايات المتحدة الأميركية تحث كل الأطراف المتنازعة في البحرين على الدخول في حوار جاد بدون شروط مسبقة، وتشاطرها في ذلك بريطانيا وبقية الدول الكبرى، والمملكة العربية السعودية وإيران وغيرها».
وعن قدرة أطراف النزاع على إنجاح الحوار، فشدّد «إذا استثنينا الحكم كطرف رئيس من أطراف النزاع، فإننا نرى أن قدرة هذه الأطراف على الوصول إلى نتيجة مرضية من الحوار غير متوافرة في المدى الحالي، ويسود اليأس حالياً كل الأطراف المتحاورة من قدرة الحوار الحالي على الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف».
وأكمل محمد حسن «ورغم أن مسافة التباعد لا تبدو كبيرة بين أطراف النزاع، إلا أنه من الصعب جداً توحيد الرؤى حول موضوع الحكومة التي ترى المعارضة انبثاقها من انتخابات نيابية نزيهة ذات دوائر عادلة تساوي بين المواطنين في الأصوات ولا تميز بينهم، في حين ترى الأطراف القريبة من الحكم أن ذلك حق خاص للملك يضمن السيادة للدولة».
وقرّر «ولا نرى أن المعارضة السياسية الممثلة في الجمعيات السياسية قادرة في الوقت الراهن على تغيير رؤيتها حول الحكومة المنتخبة، والنظام الانتخابي، والدوائر الانتخابية، ومجلس النواب، لأنها لا تستطيع إقناع شارعها بالنزول عن هذا الحد. وفي المقابل أيضاً يصعب على الأطراف الأخرى تجاوز ما اعتبرته خطوطاً حمراء، ومنها تنحية رئيس الوزراء الحالي، واستبداله برئيس وزراء تفرزه الانتخابات».
وأردف «ووفقاً لبعض الرؤى الخارجية المهتمة بالشأن البحريني، فإن على الحكومة إجراء مزيد من الإصلاحات مترافقة مع تنازلات مهمة، ولاسيما في مجالات التمثيل الشعبي وحرية التعبير، ويتعين عليها احترام مبدأ حرية الرأي والتعبير والتسامح مع الانتقادات الموجهة لها واحترام الحق في تكوين الجمعيات والحق في التجمع السلمي وفقاً للقانون. واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم وجود الخطابات المشككة في ولاء أي مواطن أو جماعة من الناس وحظر الخطابات الطائفية من أي طرف كان. وعليها أن تبادر لإصلاح النظام الانتخابي، وتتقاسم السلطة مع شعبها، وتقوم بعملية مساءلة لمنتهكي القوانين والمفسدين، بالإضافة إلى الإفراج عن معتقلي الرأي من السياسيين وقادة الاحتجاجات».
وواصل «وبشأن الرؤية المستقبلية لتلك الحوارات، ومدى جدواها، قال: «رغم فشل كل الحوارات السابقة في تحقيق إنجاز جيد يتوافق مع المطالب الشعبية، يظل الحوار هو المبدأ المهم الذي تتفق عليه جميع أطراف النزاع، حتى تلك التي لم تدخل فيه، أو قاطعته بسبب التمثيل، أو المنهجية، أو المضمون».
وأضاف «ولكي يكون الحوار فعّالاً لابد من توفير البيئة الحاضنة له التي تتمتع بالأمان والتقدير والاستعداد لسماع الآخرين».
وختم محمد حسن «في اعتقادي، فإن الخيار الوحيد الذي يمكِّن البحرين الخروج من أزمتها هو الحوار الجاد الذي يستهدف الوصول إلى توافقات وطنية، وليس ذلك الذي يستثير المشاعر ويلهب الحماس ويستعدي الآخرين».
العدد 4215 - السبت 22 مارس 2014م الموافق 21 جمادى الأولى 1435هـ
حتي المعجزة ستعجز عن حل الازمة
انا يئست صراحة
سؤال موضوعي
ممكن يحدد لنا الاستاذ محمد حسن ، ما أخطاء المعارضة التي وقعت فيها المعارضة وإستغلتها السلطة لصالحها ومن ثم تأجيج الوضع الطائفي؟ هل المعارضة بالكامل أم أطراف محددة ؟