واصلت الدولة العبرية عدوانها وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة حرب جديدة في أول أيام شهر رمضان في فلسطين إذ نسفت ثلاثة أبراج سكنية في غزة مخصصة لـ 180 أسرة تركتها بلا مأوى، قبل أن يسقط برصاص الاحتلال ثلاثة شهداء في غزة أيضا. وجاءت الجريمة الإسرائيلية في القطاع في وقت تعالت أصوات في الجيش الإسرائيلي تدعو إلى إخلاء مستوطنة نتزاريم المعزولة في الأراضي الفلسطينية والتي تقيم فيها 65 عائلة إسرائيلية يقوم على حمايتها مئات الجنود. كما تجدد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية في «إسرائيل» بشأن هذه المستوطنة، إذ شهدت جلسة الحكومة نقاشا حادا بين وزراء حزب «شينوي» واليمين بعد دعوة وزير الداخلية ابراهام بوراز إلى إخلاء المستوطنة، وهي دعوة لاقت صدى لدى الإعلام الإسرائيلي الذي دعا إلى إخلاء المستوطنات في قطاع غزة. ورأت «هآرتس» في افتتاحية تحت عنوان «أخرجوا من غزة»، ان الهجوم «الإرهابي» في نتزاريم، الذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح اثنين آخرين، يسلط الضوء على الخطأ الوطني الفادح الذي ترتكبه «إسرائيل»، لدى تكرارها اقتحام قطاع غزة. وتابعت ان هذا الخطأ اشتركت فيه كل الحكومات الإسرائيلية منذ العام 1967 كما اشترك فيه الشعب الإسرائيلي الذي دعم تلك الحكومات. وذكّرت الصحيفة العبرية بان قطاع غزة، لا يحظى بقيمة معنوية في أخلاقيات الشعب الإسرائيلي الوطنية كتلك التي تحظى بها الضفة الغربية، غير ان الحكومات التي قادها حزب العمل الإسرائيلي ومن بعده تكتل «ليكود»، كانت مجنونة كفاية كي تطمع في السيطرة على القطاع وإقامة مستوطنات على أراضيه، وبالتالي خلق التزام تجاهه. من هذا المنطلق، ذكّرت «هآرتس»، بأن المستوطنات في قطاع غزة، تكلف الخزينة الإسرائيلية مبالغ طائلة وانها لم تكن يوما مفيدة لنمو الدولة العبرية حتى انها تسببت في تفاقم عذابات الفلسطينيين ووضعت على عاتق الجيش الإسرائيلي حملا أمنيا ثقيلا وجعلت من «إسرائيل» دولة ظالمة. من هذا المنطلق، طالبت الصحيفة العبرية الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب من قطاع غزة، وإخلاء المستوطنات فيها مؤكدة انه من الممكن إيجاد مساكن بديلة لسكان تلك المستوطنات في مناطق أخرى من «إسرائيل» إذ يمكنهم العيش والتقدم. وإذا استمرت «الاعتداءات» لا سمح الله، تقول «هآرتس»، انطلاقا من قطاع غزة، فإن «إسرائيل» سيكون لديها الحق في الدفاع عن حدودها وعن مواطنيها. وإذ أشارت الصحيفة العبرية إلى انه من الأفضل أن يتم الانسحاب من قطاع غزة، وإخلاء المستوطنات فيها، بموجب اتفاق تسوية مع السلطة الفلسطينية، استدركت انه في الظروف الحالية ليس أمام «إسرائيل»، سوى الانسحاب من القطاع من دون اتفاق مسبق. وأكدت في هذا السياق أيضا، ان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، يملك سلطة ودعما سياسيا كافيين للقيام بخطوة الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات فيها. وختمت بالقول، انه في حال استمر شارون، في الالتزام بقراره الإبقاء على الوضع كما هو في غزة، فإنه يحكم على المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين الموجودين في القطاع، بالاستمرار بالغرق في بحور الدماء والحقد والإحباط.
ورأى عكيفا إلدار في «هآرتس»، ان الولايات المتحدة تدعم في الحقيقة حكومة إسرائيلية تقود الأفكار الصهيونية بالاتجاه الخاطئ... وقال ان دعم حكومة تقود الدولة اليهودية نحو الهاوية على مختلف الصعد الأمنية والديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية ليس دليلا على ان اليهود يسيطرون على العالم. فلاحظ إلدار، انه حتى فترة قريبة، كان من الممكن تبرير تصريحات رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، الأخيرة واعتبارها أشبه بمعاداة بناءة للسامية. إلاّ انه ولسوء الحظ، وخلال السنوات القليلة الماضية وخصوصا بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول، كان الطابع البناء الذي يميز معاداة الإسلام والعرب للسامية، في تدهور مستمر. ولفت إلدار، إلى ان الشكاوى التي رفعها مهاتير، تشدد على ان تسامح الولايات المتحدة مع الاحتلال الإسرائيلي ودعمها السياسات الإسرائيلية العنيفة في الأراضي الفلسطينية، لا تمت بصلة إلى إقامة صداقة مع «إسرائيل». واعتبر إلدار، ان الولايات المتحدة، تدعم في الحقيقة حكومة إسرائيلية تقود الأفكار الصهيونية بالاتجاه الخاطئ. وشدد الكاتب الإسرائيلي، على انه على رغم انه يمكن اعتبار سياسة بوش، تجاه «إسرائيل»، تعبيرا عن صداقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، فإن العلاقة بين بوش وشارون، تماما كما بين أميركا و«إسرائيل»، ليست مسألة عواطف ومشاعر. فتصرفات الحكومة الأميركية مع الحكومة الإسرائيلية ناجمة عن مصالح استراتيجية أميركية في الشرق الأوسط، كما انها تنبع من مصالح سياسية انتخابية رئاسية. موضحا ان هذه العلاقة مؤلفة من عدة عناصر. وعندما تريد الإدارة الأميركية أن تبيع أسلحة للعرب فهي تتجاهل الضغط اليهودي في حين انه بقدر ما تقترب الانتخابات الرئاسية الأميركية بقدر ما يتزايد ضغط اللوبيات اليهودية وبقدر ما تصبح السياسة الداخلية الأميركية أولوية. وختم إلدار، بالقول ان دعم حكومة تقود الدولة اليهودية نحو الهاوية على مختلف الصعد الأمنية والديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية ليس دليلا على ان اليهود يسيطرون على العالم.
وعلّق جدعون ليفي في «هآرتس» على ما يردده عدد من المسئولين العسكريين الإسرائيليين، مستغربا أن يتجرأوا على التلفظ بشكل لم يسبق له مثيل من ناحية المعايير التي كانت متبعة في دولة «إسرائيل» بتعابير سياسية متطرفة ضد الجانب الفلسطيني. على ان من أبرز العبارات التي توقف ليفي، عندها تعود لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون زئيفي فركش، الذي قال انه «من الأفضل أن تبكي أمهات فلسطينيات وليس أمهات يهوديات»، كذلك تصريحات قائد الذراع البرية يفتاح رون طل الذي قرر بوجوب تصفية ياسر عرفات؟ ولفت ليفي، إلى انه على رغم انه محظور على هؤلاء الأشخاص، كرجال عسكريين، أن يدلوا بأقوال متطرفة فهم في الواقع قالوا ما يتوقعون منهم في الحكومة أن يتلفظوا به. وسخر قائلا انه عندما يشبه رئيس هيئة الأركان العامة موشيه يعالون، التهديد الفلسطيني بالسرطان، وفيما يقود وزير الدفاع شاؤول موفاز اللوبي من أجل قتل عرفات، يسمح كل الضباط الذين هم تحت قيادتهم لأنفسهم بالإدلاء بآرائهم السياسية المتطرفة من دون وجل. وشدد على انه إذا كانت هذه التعبيرات تكشف العالم السياسي لهؤلاء الضباط الكبار، فإن أسلوب الحديث يكشف عالمهم الثقافي. فالجيش ليس مدرسة للتهذيب، وفي الخيمة كان مسموحا دائما أن تكون أكثر فظاظة. وأسف ليفي، أكثر ما يكون على عدم الاكتراث بما تثيره هذه التعبيرات في المرتبة السياسية وفي الجمهور. وختم بالقول ان الضباط المتحمسين لا يُدعون إلى الانضباط، ولا يخطر ببال أحد من الجهاز العسكري أو الشعبي أن يؤنبهم. فيما اختار أرنون ريغيولار في «هآرتس»، أن يعلّق على الخبر الذي يفيد بأن القيادي في حركة «حماس» إسماعيل هنية، أعلن ان الحركة تلقت طلبا رسميا من رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع، لعقد لقاء بين الطرفين بشأن هدنة جديدة. فأشار إلى ان «أبو العلاء»، قد مارس قبل طلبه هذا، ضغطا على «حماس» من خلال تجميد حساباتها المصرفية ومن خلال بعث إشارات على تجديد التعاون الأمني مع «إسرائيل». واعتبر ريغيولار، ان قريع، يحتاج إلى إقناع «حماس» بهدنة جديدة، كي يحصل على فرصة لتشكيل حكومة جديدة بدلا من حكومة الطوارئ الحالية. ولفت في المقابل، إلى ان حركة «حماس» تحتاج إلى الهدنة كي تعيد رص صفوفها وتعود إلى شوارع غزة، على حد تعبيره.
وعلى نحو لافت، كتب داني روبنشتاين في «هآرتس» مقالة سجل فيها ملاحظاته بشأن فروقات واضحة بين المسلمين السنّة في فلسطين و«السنّة» في مختلف الدول العربية خصوصا «سنّة» منطقة الخليج العربي ليشرح بالتالي أسباب الحماسة التي يظهرها الفلسطينيون تجاه المقاومة العراقية. وأوضح في مستهل مقالته ان تقارير وسائل الإعلام الفلسطينية بشأن الاحتلال الأميركي للعراق وتلك المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. تتشابه بشكل غريب. وأكد روبنشتاين، ان الناظر إلى الصور المرسلة من العراق وتلك المرسلة من الضفة الغربية والقطاع، لا يجد أي فارق واضح. ففي الحالتين، هناك جنود يقفون على الحواجز يحملون بنادقهم أمام أعين المدنيين الخائفين. وتساءل هل ان السبب وراء التأييد الفلسطيني الواضح للهجمات ضد الاحتلال الأميركي في العراق، هو ان تلك الهجمات ينفذها مسلمون سنّة؟
وتابع روبنشتاين، القول انه على رغم ان معظم الفلسطينيين هم من السنّة، فانهم لا يفكرون بالطريقة التي يفكر فيها معظم الناس في العالم العربي. وأكد ان غالبية الفلسطينيين وحتى المنظمات الفلسطينية الدينية مثل حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي لا تهتم بمسائل التفرقة بين السنّة والشيعة. وأجاب عن السؤال الذي كان طرحه، بالقول ان سبب التأييد الفلسطيني للمقاومة العراقية نابع من العداء للأميركيين ليس إلاّ، مشددا على ان كل من يسيء إلى الأميركيين والإسرائيليين، محبوب في نظر الفلسطينيين. من هذا المنطلق، يشير روبنشتاين، إلى ان السبب نفسه يكمن وراء الدعم الفلسطيني الكبير لـ «حزب الله» الشيعي اللبناني والتعاون بينه وبين حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». ورجّح في ختام مقالته أن يزداد هذا التأييد في حال ابرمت صفقة تبادل الأسرى، التي سيطلق بموجبها سراح أعداد كبيرة من الفلسطينيين
العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ