مرّ أكثر من عقدين ونيف على غزو العراق للكويت العام 1990 والذي أدى إلى بناء تحالف دولي كبير بقيادة أميركية لإخراج صدام حسين من الكويت. انتهت الحرب وخرج صدام من الكويت في 26 فبراير/ شباط 1991 وسط خسائر كبيرة لكل من الكويت والعراق.
لقد نتج عن زلزال1990 سلسلة كوارث سياسية: فإضافةً إلى استباحة دولة عربية من قبل أخرى، فقد تم تدمير الحد الأدنى من الاستقلالية العربية، بينما تراجع العراق الذي عانى من عقوباتٍ لم ترفع إلا بعد حرب أخرى غيّرت نظامه في العام 2003. كما نتج عن تلك الكارثة اهتزاز وضع القضية الفلسطينية في ظل ارتياح أميركي وإسرائيلي لحصول مشادة عربية - عربية حول الحل العربي والحل الدولي، مما أنتج قطيعةً عربية - عربية استمرت سنوات. ونتج عن تلك الحرب مزيدٌ من الضعف في الحالة الفلسطينية في الخليج والعالم العربي، والتي وجدت في اتفاقات أوسلو بعد الحرب مخرجاً مرحلياً لها.
لقد فقدت المنطقة العربية بسبب العام 1990-1991 وما نتج عنه من حشود وحرب وعقوبات، الكثير من مدخراتها وقدراتها المالية ومكانتها بسبب قرار متهور ومتسرع قام به الرئيس العراقي في غفلة من التاريخ.
وعندما نعود إلى ذلك الزمن تتعزّز التساؤلات عن الطبيعة الفردانية والشخصانية للقيادات العربية، فمنذ البداية سنجد أن النظام العربي بطبيعته صانعٌ للأزمات والتوترات. فلا جغرافيا المنطقة العربية تشجّع على حلّ الخلافات حيث قمة الغنى إلى جانب الفقر المدقع، والكثافة السكانية الكبيرة إلى جانب الواحات القليلة السكان. كما لم تتطور في منطقتنا طرق حل الخلافات العقلانية المبنية على خطط وتوجهات، لتعكس تنوع الجغرافيا وظروف السكان. إن هيكل النظام العربي قام منذ البداية على تناقضات مركبة عبّرت عن نفسها من خلال اجترار الأزمات وإعادة إنتاجها.
وبما أن منطقتنا حديثة العهد بالدولة، نسبةً إلى عوالم الغرب والشرق، فمن الطبيعي أن تنشأ فيها حالة من المركزية والديكتاتورية. وبينما كانت مبررات الديكتاتورية التي سوّقت للمواطن العربي في العقود الماضية على أنها موقتة ريثما تنهض الشعوب ويتعزز الإنسان من خلال التعليم والإقتصاد والأمن الذي يتطلب المركزية، إلا أن العالم العربي أدمن على الديكتاتورية ولم يدخل في تحولات تتشابه وتلك التي وقعت في آسيا بعد حكم مركزي.
والملاحظ أن النظام السياسي العربي القائم على القوة في الداخل، كما كان حال نظام صدام وأنظمة أخرى شبيهة له، سيسعى بانتظامٍ لتصدير هذه القوة للخارج. بالنسبة إلى الرئيس العراقي لم يكن غريباً أن يحل مشكلته مع الشيعة أو الأكراد أو المعارضة أو بعض قبائل وعائلات السنّة العراقيين بالقوة والعنف، وهو نفسه لم يتردد في استخدام العنف المفرط مع دولة صغيرة جارة لحل أزمة يعاني منها ناتجة بالأساس عن قراره الخاطئ بغزو إيران. إن الشخصانية صفة ملازمة لأساليب القيادة في الوطن العربي. ليس غريباً أن العالم العربي الذي ينتج رؤساء يحكمون بلادهم لعقود، هو نفسه الذي ينتج حروباً ونزاعات كان بالإمكان تفاديها.
وعندما نتمعن في حرب العراق مع إيران (1980-1988)، أو في غزو العراق للكويت (1990-1991) نجد حقائق قاسية. ففي الحالتين انتهت الحرب حيث بدأت، وانتهت بنتائج مدمرة على الطرفين، بل وفي الحالتين تبيّن أن القرار لم يكن مدروساً، وأن الشخصانية والذاتية وحب السلطة والتوسع والسيطرة كانت الدافع الأهم. كما تبيّن أن تقدير الموقف كان ناقصاً، ولم يتجاوز بداية الحرب والأسابيع الأولى منها. في الحالتين: حرب العراق مع إيران عام 1980 وغزو العراق للكويت عام 1990 لم يستشر الرئيس أحداً سوى نفسه وحلقة أضيق من الضيقة من المحيطين الذين يخشون قول الحقيقة أمامه. لهذا في الحالتين لم تعبّر الحرب عن الشعب العراقي.
لقد وجد الرئيس السابق صدام أن مشروعه الشخصي ومجده يصطدم بإيران، ثم وجد أن مجده يصطدم بالكويت. وفي كل الحالات فالمجد المراد شخصي ومفصول عن الأمة والوطن والعراق والعروبة الأوسع.
عند التمعن في هذا التاريخ يتبين أن حرب العراق وإيران لم تكن أمراً محتوماً، كما أن إيران لم تكن تنوي شنّ الحرب، ولم تملك القدرات لشنّ حرب كبيرة على العراق أو على منطقة الخليج، ويتبيّن أن صدام استعجل الحرب لأسباب مالية واقتصادية ونفطية. كما أن غزو صدام للكويت لم يكن أمراً حتمياً هو الآخر، بل كان قراراً اتخذه بناءً على معطيات غير مدروسة، وعلى خلافٍ مفتعلٍ مع الكويت كان بالإمكان علاجه على مستويات عدة. لقد سبق للعراق ولكل الدول المصدرة للنفط أن عالجت خلافاتها الثانوية ببضعة لقاءات وتعديلات.
قبل غزو صدام للكويت عام 1990 بشهور، قرّر فجأةً وبلا مقدمات، أنه يحتاج لإطلالة على البحر، وقرّر أن جزيرتي «وربة» و«بوبيان» اللتين تغطيان أكثر من ثلث مساحة الكويت هما حاجة له؛ وقرّر أن الكويت يجب أن تدفع له بلايين عدة وتعفيه من بلايين أخرى؛ وقرّر أن الكويت تنتج نفطاً ليس لها؛ وقرّر أنها تتلاعب بالأسعار. كانت اللائحة كبيرة، وقد تناقضت هذه اللائحة على كل صعيد مع قيام صدام شخصياً قبل شهور من غزوه للكويت بشكر أميرها الشيخ جابر الصباح وتقليده أعلى وسام شرف للخدمة التي قدّمها للعراق. إن انتقال صدام حسين من أعلى مراحل الشكر والتقدير تجاه الكويت، إلى أعلى مراحل الكره والاستعداد للتدمير دليل على شخصانية العلاقات والسياسات والحروب في البلدان العربية.
لهذا نتساءل بعد كلٍّ من حرب العراق مع إيران، ثم بعد غزو العراق للكويت أو غزو سورية للبنان أو غزو القذافي لدول أفريقية جارة، عن أهمية الرقابة الشعبية على القرارات الكبرى، وعن ضرورة تقييد صنع قرار الحرب والسلم في بلادنا العربية، أكان هذا القرار في العلاقات العربية - العربية أو في العلاقة مع دول الجوار. فالقادة الفرديون أدخلوا العالم العربي في قضايا شتى، وأمثلة التفرد لا نهاية لها.
ولو افترضنا سلفاً، وفق نظرية المؤامرة، أن ما وقع من حروب كان انعكاساً لسعي الأجهزة العالمية وإسرائيل لتدمير الحد الأدنى من القوة العربية، ولو افترضنا أيضاً أن الأجهزة العالمية والأميركية أرادت موطئ قدم حاسم في منطقة الخليج بعد الحرب الباردة، سيصبح السؤال: ألم يتعلم هذا النمط من القادة من الكمائن التي نُصبت لهم عبر التاريخ؟ ألم يُنصب كمينٌ لجمال عبدالناصر (رغم الفارق الكبير بين صدام وعبدالناصر) في حرب 1967؟ مع ذلك لم يعتدِ عبدالناصر على أرضٍ ليست أرضه، بل سعى لتحرير أرضٍ وقع عليها اعتداء هزّ وجدان كل الأمة العربية والإسلامية ومازال.
الكمائن تُنصب، ولكن إلى متى نسير معها وكأننا شركاء فيها؟ هذه ضريبة النظام غير الديمقراطي المستمر في بلادنا، والذي يتمتع حتماً بقصر النظر والتسرّع في شئون الداخل كما وشئون الخارج.
في كل منعطف ستبرز الحالة الفردية. في الحالة المصرية كان «كامب ديفيد» مفاجأةً. في الحالة اللبنانية كان اغتيال رفيق الحريري مفاجئاً، وكان اغتيال عشرات الصحافيين والسياسيين الناقدين للنفوذ السوري في لبنان هو الآخر مفاجئاً. وقد فوجئ العالم العربي بسورية في لبنان، والعراق في الكويت، والآن إيران في سورية وفي العراق، و»حزب الله» في سورية، وسابقاً القذافي في أفريقيا. كل هذا يعكس طريقةً إقليميةً في التفكير لا تحترم حقوق الإنسان في الطرف الآخر. ففي كل غزو تعذيبٌ وإعداماتٌ وانتهاكٌ لحق الحياة.
نتساءل: متى يبرز الإطار الديمقراطي الذي يجعل قرار الحرب والسلم وقرار التنازل أو الصمود نتاج حوار وطني جوهره المواطن وقضاياه لا أحلام القادة وطموحاتهم المنفصلة عن الواقع.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ
نحن مساكين
سيدي العزيز نحن مساكين لا حول و لا قوة لنا. لا ندير الامور و ليس لنا علاقة بشن حرب او إخمادها. نكون شاكرين لو أوصلت العبر و الخبرة الي من في يده أمرنا، حتي لا يدفعنا لليمين لانه رغب في ذلك الاتجاه او يسحبنا لليسار لميوله الآنية. اوصل النتائج للذين صفقوا و رقصوا في شوارع الكويت عند توقف حرب العراق علي ايران ووزعوا الحلويات ليجدوا جنود بطل الجبهة الشرقية في عقر دارهم بعد أشهر. صدقنا نحن مساكين عاجزين لا نريد سوي الستر.
على
على انه صدام قتل الابرياء وسفك الدماء الكويتيه فى ناس تترحم عليه وسميه شهيد شفتون العقول الجاهليه الى الاسلام ابتلش ابهه المشتكى لله
الإنصاف !
صحيح ما ذكرت دكتور ولكن لماذا تجاهلت دول الخليج! لماذا لم تكمل لتقول "ودول الخليج بالعراق وسوريا ولبنان"؟