عندما كانت نقاشات «جنيف 2» بين الوفدين السوري الحكومي والمعارض تستعر لتنهار، كانت أسلحة ضاحية «ببيلا» في ريف دمشق بين الجيش السوري الحكومي وقوات المعارضة السورية تخمد وتُوضَع في أغمادها، لتضع الحرب أوزارها هناك.
في جنيف، بدا الوفدان الحكومي والمعارض وهما يتبادلان التهم، والنعوت الكريهة بحق بعضهما، في حين بدا المتقاتلون من الجيش الحكومي وقوات المعارضة في ببيلا وهم يتعانقون ويتبادلون القُبُلات، ويُقيمان حواجز عسكرية مشتركة: «وحدات الأمن الشعبي».
النتيجة أن ببيلا نَجَحَت، وفشِلت جنيف! عاصمة الدبلوماسية العالمية، التي تحجُّ لها وفود مئتي دولة للتسويات، لم تستطع أن تفعل ما فعلته البلدة البيضاوية الريفية، التي لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات، والمصطبغة بالفن الشقدوحي وبأسواق اللحم والجوامع.
ما جرى في ببيلا وفي عدة مناطق بريف دمشق، من مصالحات بين الجيش السوري الحكومي وقوات المعارضة السورية، قام بها وجهاء ورجال دين وشيوخ عشائر، يُظهِر لنا حجم الفهم المختلف، ما بين الظروف التي تفرزها وقائع الداخل، وبين الظروف التي يُشكِّلها الخارج.
فميدان السلوك، وميزان القوى حوله، والإحساس بهما، عبر الصورة وقياس الأمور، عادةً ما تفضي إلى قراءات وتقديرات مختلفة. أما النظر إلى المكان عن بعد، دون العيش فيه، ودون تلمُّس ظروفه المباشرة وخباياه، يفضي عادةً إلى نتائج غير دقيقة ومغايرة للواقع.
صحيح أن في سورية نظام سياسي مغلق لا يمكن إلاَّ أن ينتهي ويتحجَّر، لكن هناك أيضاً مجتمع سوري منفتح يريد أن يعيش! كل الذين جرُّوا الصراع في سورية إلى صراع بالسلاح، نسوا ذلك المجتمع ورغبته في الحياة، ونسوا معه إمكاناته وقدراته، واعتقدوا أنه يمكن أن يتحوَّل إلى مادة لا تذوب بين شلال الدَّم، وإلى صوت مكتوم في نَوْحَة الألم.
وكالة «رويترز» للأنباء نقلت عن متحدث محلي باسم مقاتلي المعارضة يُدعَى بارع عبد الرحمن قوله: «بصراحة الناس هنا أُنهِكوا وجاعوا ومن ثم بدأوا يضغطون على المقاتلين ويسألونهم ولم لا؟». هذه واقعية الداخل في «ببيلا»، وتلك مثالية الخارج في «جنيف».
لكم أن تتخيَّلوا أن ثمانية عشر شهراً من المعارك اليومية في ببيلا والحصار عليها، ماذا عسى الناس أن يقولوا وأن يفعلوا؟ إنها أيام عجاف ومؤلمة!
لقد رصَدَت مراسلة وكالة «فرانس برس» تلك المصالحة وصورها، وصُعِقَت عندما رأت «مقاتلي المعارضة وعناصر من القوات النظامية وهم يتبادلون أطراف الحديث» في المدينة المدمَّرة، بعدما كانوا بالأمس ألدّ الأعداء لبعضهما، بل ويتمنى كل واحد منهما قَتْل الآخر دون الشعور بأدنى ندم أو ألم.
وعندما نريد أن نعرف الفارق بين إحساس الداخل وإحساس الخارج، فعلينا أن نقارب المعادلة التالية: قال أحد السكان الخارجين من جحيم الحصار في ببيلا: «إني سعيد بالهدنة؛ فذلك سيسمح لي بالحصول على الغذاء»! في حين قال مَنْ استهواه حرق الأرض دون اكتراث بطاقة السوريين «أحسست عندما نظرت إلى هذه الصور (صور عناق مقاتلي الجيش السوري وقوات المعارضة السورية) بأنني سأصاب بأزمة قلبية، إذ كيف لهم أن ينسوا أن هذه القوات جوَّعت شعبنا لما يزيد على العام، وقصفتنا بلا هوادة طوال أشهر».
في صورة أخرى للمعادلة، قال ناشط سياسي في الداخل السوري بأن هذه «الاتفاقات المبرمة يؤيدها السكان بشكل كبير، فهم فقدوا منازلهم ودفعوا ثمناً باهظاً لتلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية»، في حين قال مؤيدو العسكرة وتجارها بأن «الصور مزيفة»، في نكرانٍ منهم للواقع، الذي لم يعودوا قادرين على هضمه، بسبب العدميَّة السياسية.
بالتأكيد، فليس الأمر متعلقاً بالطرف المعارض فقط، بل إن أطرافاً مؤيدة للسلطة لم ترق لها تلك المصالحات أيضاً، فهي تعتمد في تحركها على وجوب قيام «معادلة صفرية» للمعركة، وهو ما يعني ضياع مزيد من الأرواح، لأنها تعتمد على صيغة إلغاء شمولي للطرف الآخر كما هي في السياسة. وهو الصنو الآخر من عملة العدميَّة السياسية، والرهان على الموت أكثر من الحياة.
في كل الأحوال، فإن هذه التطورات تعتبر مهمَّة للشعب السوري ولأرض سورية الحبيبة، بعد أن نجحت المصالحة في ببيلا وقبلها في عدة مناطق كالمعضمية وقدسيا وبرزة وبيت سحم ويلدا ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، ويجري التفاوض على إجراء اتفاقيات مماثلة في حرستا وداريا والزبداني وبرزة، آخر معاقل المعارضة في ريف دمشق، وقبلها في تلكلخ في ريف حمص. وجميع هذه المناطق شهِدَت المأساة ذاتها والظروف نفسها.
وإذا ما تمَّ إنجاحها في مناطق أخرى من سورية، فإنها قد تفرض واقعاً جديداً، خصوصاً أنها لا تشكل انتصاراً حاسماً للسلطة، بل هي انتصارٌ لحياة السوريين. فكل تلك المصالحات كانت تقضي بـ «وقف إطلاق النار، وتسليم مقاتلي المعارضة لأسلحتهم الثقيلة»، ورفع الحصار الحكومي على المناطق، والسماح بدخول المواد الغذائية إليها، ورفع العلم الرسمي للنظام على مؤسسات الدولة في هذه المناطق»، وبالتالي هي فرصة معقولة للتسويات السياسية اللاحقة.
هنا، يجب أن تُسجَّل تحية إكبار لجميع القيادات العشائرية والروحية (الإسلامية والمسيحية) في سورية، على الجهود التي بذلوها ويبذلونها لوقف نزف الخصام الطائفي والأهلي، واللذين يُعتبران أهم شيء في سورية! كل شيء... السياسة والاقتصاد والسلطة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ
متابع . . . رد على زائر 7
و لا شأن لنا إن كان لون العلم المرفوع أحمر أو أخضر أو له تاريخ، المهم أن اشتراط رفع علم النظام فوق مناطق المعارضة يعني ( مذلة ) لها و اعترافا بالاستسلام، و هذا لا يشجع على المصالحة بل يقتلها ( خاصة في الأماكن التي تكون فيها المعارضة قوية ) ، و إلا حسب منطقك لم لايرفع النظام السوري أعلام القاعدة فوق دمشق ؟! أليس فيها ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ؟!!! . . معلومة : سوريا لم تتمسك بعلم الوحدة بل استعملت بعده علمين آخرين حتى في عهد الاسد الأب قبل أن ترجع إلى علم الوحدة
متابع . . . ما الفائدة ؟ ( 3 )
و أيضا شرط التخلي عن ترسانات الأسلحة الثقيلة فهذا يخيف المعارضين (خاصة في المناطق التي يسيطرون عليها بقوة كحلب و الرقة وإدلب و دير الزور ) فما الضامن أن لا يغدر النظام بهم بعد ذلك ؟ و بماذا سيدافعون عن أنفسهم و يواجهونه حينذاك ؟ . . . لا بد من طرح شروط معقولة للمصالحة بما يضمن سلامة الطرفين لا بما يضمن سلامة و قوة طرف واحد ، و الأهم سلامة الأهالي العزل من الملاحقة و الاعتقال و الانتقام، إيقاف القتال من كلا الجانبين و السماح بدخول الغذاء و الدواء للجميع و رفع الحصار . . هذه شروط معقولة للمصالحة
متابع . . . ما الفائدة ؟ ( 2 )
و كذلك ما معنى اشتراط رفع العلم النظامي السوري ؟ وكذلك التخلي عن ترسانات الأسلحة الثقيلة ؟ هذا واضح عند المعارضة أنه اعتراف بالهزيمة . . أن ترفع أعلام النظام يعني أن المنطقة لم تعد تحت سيطرتهم ( منطقة محررة حسب اصطلاح المعارضة ) فهل ستقبل المعارضة أن ترفع أعلام النظام في حلب ( الأحياء الشرقية ومدن الريف ) ، أم في الرقة مثلا ؟!
عندما لا تعرف
معلومة لا تعرفها ان العلم السوري ليس علم النظام بل علم الجمهورية العربية الموحدة التي كانت عبارة عن اتحاد بين مصر و سوريا و بعد فك الاتحاد تمسكت سوريا بذات العلم و هذا قبل ان يحكم الاسد الاب. اما علم المعارضة فهو العلم الذي استخدمة الانتداب الفرنسي على سوريا...هذا للتوضيح فقط
متابع . . . رد على زائر 7
إذن علينا أن نرفع العلم الإيراني فوق أسطح المنازل لأنه مكتوب عليه كلمة ( الله ) ، أو نرفع العلم السعودي لأنه مكتوب عليه ( لا إله إلا الله ) ، بل يتوجب علينا أن نرفع علم تنظيم القاعدة لأنه مكتوب عليه ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) فهو أفضل من العلمين السابقين معا !!!! . . . رجاء يا أخي لنبتعد عن المغالطات ، ما شأننا بتاريخ علم النظام إذا كان من يحمله أحد أبشع الأنظمةالعربية ديكتاتورية ؟! الكلام هو عن مصالحة بين الطرفين تزرع الثقة من أجل حماية أرواح المدنيين . . . للكلام تتمة
متابع . . . ما الفائدة ؟ ( 1 )
ما الفائدة إذا كان النظام يُفشل هذه المصالحات بعد قيامها ؟ قبل أيام عندما حصلت المصالحة في أحياء حمص القديمة و خرج السكان حسب الاتفاق تم اعتقال المئات منهم ، و لا يزال معضمهم تحت الاعتقال و التوقيف ، كيف سيثق الناس بعد هذا بمصالحات هكذا حالها ( غدر بحسب الظاهر ) ؟ . . . ما لم يغير النظام من عقليته الأمنية الانتقامية ستكون كل هذه المصالحات مصيرها الفشل .
الشعوب عندما تعي مخططات الاعداء فإنها تتغلب عليها
أي شعب واع ويعرف مخططات الاعداء فإنه يتغلب عليها اذا شاء
الاعداء لا يمكنهم التدخل في بلد الا اذا فتحنا نحن بوابة البلد لهم