قال سيد البلغاء والمتكلمين من الأولين والآخرين: «ليس في البرق اللامع مُستمتعٌ لمن يخوض الظُّلمة»... وكذا هي الثعالب البشرية التي اتجهت مؤخراً، لولوج بوابة التاريخ اللامع لبلدنا الطيبة، دون أن تعلم، بأن منهجية التاريخ تعنى بمسائل أهمها عن دور الماضي في فهم الحاضر، ودور الحاضر في فهم الماضي. ودون أن تنظر لتجديد منهاج البحث التاريخي باستعمال الحواسيب، أو بالتحليل النفساني، أو باللسانيات، أو التحليل الاقتصادي، أو غيرها. بل تتخذ، هذه الثعالب تعمداً، من أساليب التدليس والخداع والكذب الصريح منهاجاً فوق كل ما سبق، وتقنع نفسها أولاً به، ثم من يدفع لها ثانياً، لأنها من دون أعطياتٍ لا تكتب، ثم تقنع من يستمع إليها تحت سياط كي الوعي الإعلامية.
وإلا لماذا تُطرح قضايا هشة في التاريخ لإشغال الناس بها بعيداً عن الأهم من أمورهم الحياتية التي هي سبب الأزمة وليس سواها. فليس التاريخ في حد ذاته هو السبب في أزمتنا، بل كيفية التعامل مع الأرض، وتاريخها، وسكانها. ثم ما الغريب لو قالت فئة من الناس أنهم كانوا في هذه المنطقة قبلك وأنت جئت وسكنت معهم؟ أكثر الأقوام حدث لها هذا الأمر، فما الضير في ذلك؟ حتى تُسل الأقلام وتُسال الأحبار لتدافع بها عن وجودك وتعكس الآية؟
ثم أنه لو اتخذ كل كاتب في التاريخ كتاباً واحداً كمرجع لمناقشة قضيةٍ مُختلَفٍ عليها لسنوات واطمئن لرأي الآحاد في ذلك فقط؛ ما غُلب أحد في الردّ على الآخر. وكذا يفعل البعض حين يكتب، مثلاً، عن الصحابي الجليل صعصعة بن صُوحان العبدي من عبد القيس، فيتم تغيير معتقده بعد وفاته بمئات السنين، وكذا يُفعل بعيون الماء، كعين بوزيدان، وبالمساجد، كمسجد المنارتين، ولله في خلقه شئون!
والبعض يعتلي منبراً جديداً حين يسطو على تاريخ الدولة العيونية ويدّعي نسبتها لهذه الفئة وليس تلك. فقراءة متأنية لشرح ديوان ابن المقرب العيوني في أجزائه السبعة الذي أصدره الباحث عبدالخالق الجنبي من القطيف؛ لتوضح بشكل جلي لا يقبل الشك في وجه أيّ قلمٍ مثخنٍ بالطائفية، ماهية معتقد الأسرة العيونية وما وفرته من مساحات كبيرة للزعامات الدينية، كما يذكر الباحث حسين محمد حسين، ببناء الجوامع الكبيرة التي أصبح لها دور يختلف عن الأدوار السابقة في زمن القرامطة وما قبله.
أما ما يُشاع عن مؤسس الدولة العيونية من باب نقض ما ذكره الجنبي في كتابه وادعاء إخفاء معلومات مهمة، فيرد عليه صاحب شرح الديوان بأجزائه السبعة، قائلاً: «الكلام جله باطل، ولا توجد في نُسخ ديوان ابن المقرب نص رسالة مؤسس الدولة العيونية عبد الله بن علي العيوني المزعومة إلي الخليفة العباسي عبدالله بن محمد المقتدي بأمر الله، لأن الرسالة المعنية هي لأبي البهلول العبدي محرّر أوال، وقد أثبتُّها في طبعتي الديوان، فخَلطُ الذي كتب بين الرجلين دليل على ضعف ثقافته ومعلوماته التاريخية».
«أضف إلى ذلك، أن المخطوطة الآصفية التي يتذرع ويتشبث بها البعض لدعم رأيه في هذه القضية، مفقودة ولا وجود لها الآن. والتحدي ماثل أمام من يدّعي بوجود نص رسالة مؤسس الدولة العيونية عبد الله بن علي العيوني المزعومة إلى الخليفة العباسي، أن يأتي بصورة نصّ الرسالة من النسخة الآصفية والأخرى المسماة «البرلينية»، فهو لن يستطيع إلى ذلك سبيلا. فالمخطوطة «البرلينية» ليس فيها هذه الرسالة المزعومة؛ بل على العكس يوجد في خزانة الرسائل المستنصرية - نسبة للخليفة المستنصر الفاطمي - رسالة مؤرخة في عام 469 هـ، وهي السنة التي تمكن فيها العيوني من تحرير الاحساء، يمدح فيها، المستنصرُ عبدَ الله بن علي العيوني ويصفه بمقيم الدعوة العلوية في الاحساء. وقد ناقشتُ كل ذلك بتوسع كبير في تحقيق الطبعة الثانية من ديوان ابن المقرب في الجزء السابع الخاص بالشاعر حياته وشعره». ولا تعليق.
وهناك ثعالب أخرى ما فتئت في كل مرة تعتلي منبراً قريباً من سابقه وهي تلوك لقيمات ماسخة في خطاباتها الفتنوية باتهام شعب الجزيرة بأنهم من بقايا القرامطة، متجاهلةً أن التاريخ الإسلامي يشهد لقبيلة عبد القيس (أبو البهلول، والعيونيين) بأنها هي التي حرّرت جزر أوال وهَجَر من القرامطة، حتى قال شاعرهم علي بن المقرب العيوني:
سل القرامط من شظّى جماجمهم
طراً وغادرهم بعد العلا خدما
من بعد أن جل بالبحرين شأنهم
وأرجفوا الشام بالغارات والحرما
وبعيداً عن هذه النوعية من الثعالب، نشير إلى أن دغدغة مشاعر الناس بأن بعض أهالي البحرين، قاموا في عصر محرّر ساحل عُمان من الاحتلال البرتغالي، ناصر بن مرشد اليعربي (وحّد أجزاء من عُمان عام 1624)، قاموا بمساعدته في دحر البرتغاليين؛ لهو ضربٌ من العبث بالتاريخ اعتماداً على كلام مرسل وبأسلوب إنشائي لا أساس له من الحقيقة. فالبحرين، يا سادة، منذ العام 1602، كانت تتبع الإدارة الفارسية تحت حكم الدولة الصفوية في فترة وصول ناصر بن مرشد إلى الحكم، ولن نزيد أكثر!
وهناك خلط وتخبط بسبب العاطفة التي يكتب بها بعض هؤلاء تاريخ المنطقة حين يدعون بأن الحكم الصفوي الذي برز في أجزاء من بلاد فارس العام 1501 فقط هو من نشر التشيع في كل المنطقة من أذربيجان حتى إيران والعراق والخليج، حيث كانت المنطقة على خلاف ذلك المذهب لأكثر من ألف عام. وبحساب بسيط، نجد أن العام 1501 الميلادي، لا يقابله سوى عام 905 هجرية، فأين هي الألف عام كاملة؟ أم أن من تتلبسهم قضية الترويج للطائفية وتؤرقهم ليل ونهار، يعتقدون بأن المذاهب الإسلامية خرجت قبل الإسلام؟ ناهيك عن أن المبالغة بأنها برزت للعلن بمجرد ظهور النبي محمد (ص) لتكتمل كذبة الألف؟ ما لكم كيف تكتبون التاريخ؟ وإلا ما الضير، من باب الموضوعية، أن تكتب بأنه كما نشرت الدولة العثمانية التركية القادمة من وراء صحاري آسيا، مذهبها الديني الذي اعتنقته بين كافة شعوب البلاد العربية التي غزتها، وغيرها؛ كذلك نشرت الدولة الصفوية مذهبها الذي اعتنقته بين كافة الشعوب التي توسعت في أراضيها. هكذا يكون الكاتب موضوعياً لا منحازاً... فإذا كان الطبل لا يصنع تاريخاً، فلا تقرع به على المقابر والشواهد إزعاجاً.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4175 - الإثنين 10 فبراير 2014م الموافق 10 ربيع الثاني 1435هـ
ثعلب جمبازي
الثعالب تعتلي المنابر وتجمع اموال للتكفيريين في سوريا والعراق وتلتقط صورة جماعيه مع القتله وكله امام الرأي العام بما فيهم امريكا التي تدعي محاربة الارهاب
كفيت ووفيت يا دكتور
خائبين جهلة وينكرون أصولهم فالرد عليهم واقناعهم متعب لكن هم يعرفون الحقائق شكرًا على مقالك الجميل السلس
رحم الله امرء عرف قدر نفسه
الأستاذ يتكلم بلغة التوثيق وإبراز المعلومات التي في مراجع الكتب واختلاف المراجع ورد الحجة بالحجة وليس بالتهجم والقذف وهو أسلوب الغوغاء وليس ها هنا المجال للمتطاولين على الأصول والأنساب فهم أضعف من أن يرد عليهم !