سيكون على القيادة الجديدة مواصلة التصدي بقوة لأنشطة «الإخوان المسلمون»، ولحالة الفوضى والانفلات الأمني، ومنع تعطيل الماكينة المصرية، وتخريب اقتصاد مصر ونشاطها السياحي، وعدم التسليم للإرهاب والقبول بشروطه.
حدثان رئيسان لهما أهميتهما في مجرى التحول السياسي في مصر المحروسة، نحو استكمال خارطة الطريق، التي أخذت مكانها مباشرة، بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، استجابة للمطالب الشعبية.
وقد عبرت هذه الخارطة في روحها ونصوصها، والقوى التي شاركت في صياغتها وإقرارها، عن رؤية مختلف مكونات النسيج المصري. فإلى جانب القوى السياسية الرئيسة، شارك الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، في إقرار هذه الوثيقة، التي حددت معالم مستقبل مصر.
الحدث الأول، هو تصويت شعب مصر على مسودة دستور جديد للبلاد، أشرفت على إعداده لجنة مكونة من خمسين فرداً، برئاسة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى. وقد اختارت اللجنة المكلفة بإعداد الدستور مجموعة من القانونيين-الخبراء في صياغة الدساتير- لإنجاز ذلك.
وجاءت نتيجة الاقتراع لصالح الدستور الجديد، وتجاوزت نسبة المشاركين في الاستفتاء عشرين مليون فرد، من داخل مصر وخارجها، صوت ثمانية وتسعون في المئة منهم بنعم. واستكملت هذه الخطوة، بعد يومين من إعلان النتيجة، بخطاب تاريخي ألقاه الرئيس المصري «الموقت» المستشار عدلي منصور، أعلن فيه أنه قرر إحداث تغيير طفيف على خارطة الطريق، يقضي بأن تبدأ الانتخابات الرئاسية، لتعقبها لاحقا الانتخابات البرلمانية.
المؤكد أن تصاعد عمليات العنف في المدن المصرية، وبشكل خاص ما يجري في سيناء، جراء رفض جماعة «الإخوان المسلمون» الاعتراف بخارطة الطريق، وبالتطورات التي أعقبتها، هي التي أدت إلى هذا التغيير الطفيف في خريطة الطريق. فمواجهة الإرهاب والعنف، وإعادة الأمن والاستقرار لربوع مصر، تقتضي وجود رئاسة قوية، تمارس سلطتها بقوة الدستور. وذلك يقتضي الانتقال من الحالة السياسية الانتقالية، التي فرضت وجودها أحداث الثلاثين من يونيو الماضي، إلى الحالة الدستورية، وتسلم رئيس منتخب للسلطة، ليمارس صلاحياته بحزم معززا بقوة الدستور.
وتعطي الخطوات اللاحقة لقرار الرئيس المصري ثقلا لهذه القراءة. فخلال الأيام السابقة أعلن الرئيس ترقية وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي إلى رتبة مشير، ليتبعه في اليوم التالي، اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ينتهي بدعم ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية، واستقالته من وزارة الدفاع وتعيين بديل عنه.
وهكذا تتحرك مصر بسرعةٍ على كل الاتجاهات، من أجل استكمال تطبيق بنود خريطة الطريق، والمؤمل أن تشهد أرض الكنانة بداية انطلاقة جادة نحو مرحلة جديدة، يستكمل فيها تدمير أوكار الإرهاب واجتثاث عناصر التخريب، لتواصل مصر مسيرتها نحو التطور والازدهار.
سيكون المشهد مختلفاً هذه المرة عن سابقته، فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. فعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، يتوقع أن يكون عدد المرشحين للانتخابات أقل بكثير من انتخابات 2012، وأن تكون النتائج حاسمة وكاسحة لصالح اختيار المشير السيسي. وبديهي أن دخول المرشحين إلى جانب السيسي في التنافس على مقعد رئيس الجمهورية سيكون احتفالياً، لأن الأمر يكاد يصل لمستوى الحسم لصالح المشير السيسي، ما لم تحدث مفاجآت، تقلب الطاولة رأساً على عقب، وهو ما لا يمكن حتى هذه اللحظة أخذه بالحسبان.
في الانتخابات النيابية، ليس هناك من حزبٍ أو قوةٍ سياسية مصرية، بعد إسقاط سلطة الإخوان، وتجريم الانتماء لهم، سيتمكن من حصد غالبية الأصوات البرلمانية. إن ذلك سيفرض على الفائزين بغالبية الأصوات إذا ما أنيط بهم تشكيل الحكومة، اللجوء لخيارات أخرى لإنجاح هذه المهمة، من بينها تأسيس حكومة وحدة وطنية، تكون نتيجة للتآلف السياسي.
التحول السياسي المرتقب، باتجاه استكمال تطبيق خارطة الطريق، الذي تكللت مرحلته الأولى بالنجاح، بعد استفتاء شهد له الجميع بالنزاهة، لن يكون سهلاً، فدون ذلك مصاعب ومشاق كثيرة. فالإرهاب يمارس ضرباته القوية في سيناء. وهناك محاولات يائسة من قوى مشبوهة، لإغراق مصر في الفوضى، ولاستنزاف قوتها العسكرية والاقتصادية.
جماعة «الإخوان المسلمون»، التي راكمت خبرة سياسية قرابة ثمانية عقود، تتغلغل بقوة في عمق الدولة المصرية. فعناصرها توجد في كافة أجهزة الدولة، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، حيث طبقت قيادة الجماعة خطة ممنهجة لأخونة المجتمع والدولة. وهم أيضاً في المساجد، ويتصدّرون قيادة الجمعيات الخيرية. وقد أتاحت لهم المواجهات المستمرة مع السلطات المختلفة المشارب والاتجاهات في أرض الكنانة، خبرة طويلة في العمل السري وآلياته.
يضاف إلى ذلك، أنهم عملوا بشكل حثيث على اختراق الدائرة الاقتصادية، وصاروا يملكون الكثير من الشركات والمؤسسات التجارية، ويتلقون الدعم من جهات عديدة، رسمية وشعبية، لدعم أنشطتهم ضد أوطانهم. وأكدت تجربة الشهور الماضية قدرتهم دون جدال على إحداث الفوضى، وأنهم لا يتورعون عن فعل أي شيء، بما في ذلك التنسيق مع الإرهابيين متى ما صبّ ذلك في خدمة أهدافهم، في استمرار الفوضى وعدم الاستقرار في أرض الكنانة.
سيكون على القيادة الجديدة مواصلة التصدي بقوة لأنشطة «الإخوان المسلمون»، ولحالة الفوضى والانفلات الأمني، ومنع تعطيل الماكينة المصرية، وتخريب اقتصاد مصر ونشاطها السياحي، وعدم التسليم للإرهاب والقبول بشروطه. وشرط نجاح ذلك هو التسريع بمقابلة الاستحقاقات الأساسية للناس، من قضاء على البطالة بإيجاد فرص العمل، وتوفير العلاج والسكن والكهرباء وما إلى ذلك من حقوق، بالتزامن مع إخضاع جميع المؤسسات التي تهيمن عليها جماعة الإخوان لإشراف الدولة، وحرمانهم من مزاولة أي نشاط، وتجفيف منابع الدعم المالي بكل أشكالها.
ستتجاوز مصر أزمتها، وستعبر حالة الخوف بفتح بوابات الأمل، وقدرها كما عودتنا دائماً أن تتغلب على المستحيل، لتكون القلب في مسيرة الأمة نحو التقدم والنهضة وبناء المستقبل الأجمل.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4174 - الأحد 09 فبراير 2014م الموافق 09 ربيع الثاني 1435هـ