«التضامن بالحلاقة»... بهذا عنونت «بي بي سي» العربية الأسبوع الماضي خبر المعلم الإيراني علي محمديان الذي وُصف بأنه «بطل قومي» بعدما تضامن بحلاقة شعر رأسه مع تلميذ أُصيب بالصلع بسبب السرطان!
الحادثة وقعت في مدرسة الشيخ شلتوت بمدينة ماريفان الكردية غربي إيران، وصفوف هذه المدرسة ليست إلكترونية ـ حسب الصور المنشورة على شبكة الإنترنت ـ فهي ليست مزودة بأحدث التقنيات والإمكانيات والتجهيزات وغيرها، إلا أن إرادة المعلم محمديان كانت فوق كل شيء، فقد استطاع توظيف «التقمّص العاطفي» بشكل ذكي عندما أحسَّ بوجود مشكلة تؤثر على التحصيل الدراسي لأحد تلامذته، ليتخذ قراراً بحلق شعر رأسه لحل مشكلة تلميذه الذي يتعرض لبعض المضايقات من أقرانه في المدرسة.
نجح محمديان في الانتقال من «التفكير الإيجابي» الذي يُدرس في البرمجة اللغوية العصبية إلى «الموقف الإيجابي» في تعامله الإنساني والتربوي مع تلاميذه في الفصل، والذين تضامنوا بدورهم وبعد وقت قصير مع زميلهم بحلق شعر رؤوسهم لتتوقف المضايقات بالكامل، بل ـ وكما ذكر محمديان ـ فإن كل فرد في المدرسة يريد حالياً أن يحلق شعر رأسه أسوة وتضامناً مع ذلك التلميذ.
منح «التقمّص العاطفي» لمحمديان إحساساً بالتعاطف مع تلميذه المصاب بالصلع، إذ أحسَّ بألمه وما يعانيه ليجد نفسه في دائرة التوحّد الفعلي مع تلميذه بعيداً عن الأنانية والذاتية.
حقاً، إنه إحساس عظيم عندما اعتبر محمديان نفسه كما لو كان هو بالفعل من يعاني من هذه المشكلة، ويسعى جاهداً للتكيّف معها وإيجاد حل لها، وهو ما لاحظه محمديان في التفاعل الإيجابي من قبل التلاميذ مع زميلهم.
يشير علماء النفس إلى أن معظم الناس يتمتعون بقدر من التقمّص العاطفي الفطري الذين يتأثرون بمجرد مشاهدتهم لصور مروعة ومؤلمة كما في الحوادث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات، أو تلك التي تحدث نتيجة الأوضاع السياسية كالحروب والصراعات المسلحة التي يذهب ضحيتها الأطفال الأبرياء والنساء وكبار السن وما إلى ذلك.
في «التقمُّص العاطفي»، يطرح علماء النفس ثلاث طرائق لمعرفة إحساسنا تجاه الآخرين، وذلك من خلال: الإصغاء والملاحظة واستعمال الخيال.
في حالة المعلّم محمديان، فإن أعراض المرض (تساقط الشعر) التي كانت بارزة على التلميذ كانت كفيلة عن الإصغاء للتلميذ الذي ربما قد يشعر بالحرج فلا يصارح المعلم بحقيقة مرضه، أو أحد أفراد أسرته لمعرفة أساس المشكلة، وإن كان ذلك مطلوباً في البداية، إلا أن الملاحظة اليومية من قِبل المعلم لتعابير وجه التلميذ المريض المصاب بالصلع وإدراكه لخطورة ما يمرّ به من كآبة وعزلة وحرج ومضايقات وما شابه ذلك وسط أقرانه، وتأثير ذلك كله على أدائه وتحصيله الدراسي، جعلته يدرك حقيقة المشكلة التي عبر عنها قائلاً: «أصبح التلميذ معزولاً بعدما أصيب بالصلع، واختفت الابتسامة من وجهه، وكنت قلقاً بشأن أدائه في الفصل، لهذا فكرت في حلاقة شعري كي يعود إلى المسار الصحيح».
يمتاز «التقمُّص العاطفي» بأنه يجعلك تستعمل الخيال لتسأل نفسك: لو كنتُ مكان هذا التلميذ، فكيف سيكون شعوري؟ وهل سيتقبلني الآخرون؟ إذن فالمسألة ليست مجرد إظهار اللطف والرأفة فقط تجاه الآخرين لتقف موقف المتفرج منهم، وإنما ليقودك هذا الإحساس إلى البحث عن أفضل السبل والممارسات لجعل الآخر متكيّفاً ومتصالحاً مع الأزمة التي يعاني منها والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهو ما عبّر عنه محمديان بدعابة من خلال نشره لصورة تجمعه مع تلميذه وكلاهما أصلع في موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» وتعليقه على ذلك قائلاً «رأسانا حسّاسان تجاه الشعر»، ليتفاجأ المعلم في اليوم التالي بكمية هائلة من التعليقات والمشاركات على ما قام بنشره.
يمكن القول، إن أكبر إنجاز حققه المعلم محمديان أنه أعاد البسمة إلى وجه التلميذ، إذ يقول: إن زملاء التلميذ أصبحوا داعمين له منذ ذلك الحين، وأن الابتسامة عادت إلى وجهه. هذا فضلاً عن أن انتشار هذه الحادثة كانت السبب وراء عرض الحكومة دعماً مالياً لأسرة التلميذ وتحمّل تكاليف علاجه.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 4166 - السبت 01 فبراير 2014م الموافق 01 ربيع الثاني 1435هـ
المعلم الإنسان
إن قصة المعلم محمديان تجعلنا نؤكد على نقطة هامة جداً وهو أن التدريس علم وفن بآن واحد، ويمكن لمعاهد وكليات إعداد المعلمين أن تعمل على إكساب المعلمين الكفايات التدريسية التي تلزمهم لممارسة المهنة، إلا أن هناك خصائص في شخصية المعلم لايمكن له أن يكتسبها من خلال معاهد وكليات ومناهج مقررة عليه، فهي تتسم بالفطرية، وتتبلور من خلال الخبرة، ومنها القدرة على إقامة علاقات إنسانية مع المتعلمين.
الحس الجمعي ام محمد
رائع ان يفكر الانسان بعقل جمعي وليس بعقل أناني من هنا تبرز عظمة الشخص اوتفاهته
سلمت أناملك استاذ فاضل
مقال جدا رائع بوركت استاذي
ابتسامة
جميل جداً
ابتسامة
جميل جداً
ابتسامة
جميل جداً