وأنا أكتب عنوان هذه المقالة ذكرت ما قرأته قبل مدة عن مشروع غريب في الصين، ربما يحتاجه البعض اليوم عندنا بعد افتتاحه مع ضمانة لمرتاديه الذين كثروا مؤخراً. والمشروع الصيني عبارة عن مقهى للحزن لمساعدة الناس على البكاء. وجاءت هذه الفكرة، في شرق الصين، بافتتاح هذا المقهى بهدف التنفيس عن المصابين بالاكتئاب.
هذا المقهى النادر يتيح لرواده التعبير عن حزنهم بالبكاء الجماعي، كما أنه يوفّر لزبائنه المناديل وزيت النعناع لتخفيف آلامهم، كما يقدم البصل والفلفل الأحمر، لمن يريد أن يتصنع البكاء لسبب ما، لمساعدتهم في ذرف الدموع، مع إضافة طبق عزف الموسيقى الحزينة لأصحاب العلاقات العاطفية المحطمة. كما يوفر المقهى دمى على شكل نساء، ولست أدري لماذا النساء تحديداً، لضربهن من باب التنفيس عن الغضب! وللعلم فإن اختصاصيي الأمراض النفسية والعصبية يقولون بأن هذه الطريقة تساعد في علاج المشكلات النفسية، وأن لها أساساً علمياً في طب النفس يعرف باسم العلاج الجماعي.
إلا أن ما نحتاجه في البحرين ليس مقهى للبشر فقط، بل لدمي على شكل بشر. ومنها دمى متحركة باليد، ودمى متحركة بالخيوط «الماريونت»، ودمى متحركة بالعصي. وتتقمص هذه الدمى أدواراً في مسرحيات طُبقت وما زالت تُطبق عندنا تحت مسميات عدة وهي أشبه بعروض العرائس، ولا أظن يخفي عليكم من هم الذين يحركون هذه الدُّمَى هنا، وإن كان في الفن يُطلق عليه «محرك الدُّمَى». أما أخطر أنواع الدُّمَى فتلك التي تدّعي الاشتغال بالسياسة في مشهد هزلي انطبق عليه منذ شهور المثل المشهور «شر البلية ما يضحك»، مع أن جمهور المسرح يعلم من هو محرك الدمى من وراء الستارة، وإن كان لا يُرى ولا تظهر أمامنا سوى الدمى المتحركة على هيئة بشر.
وللعلم فقط، فالدمى قديمة الاستعمال في المجتمعات منذ أيام الحضارة المصرية القديمة، واليونانية والرومانية. والبحرين ليست استثناءً في هذا، إلا أن الاستثناء هو في كيفية قدرة هذه الدمى البحرينية، وهي تتشبه بالبشر، على العويل والبكاء حقاً، في معجزة كونية تفردنا بها بين ليلة وضحاها، لتدعي بأن محركها قد ظلمها وأوقع عليها من الحيف بالنوع والكيف ما لم يقع على أحد من قبل طوال تاريخ دمى»الماريونت» في العالم، وأنه استغلها في أبشع صور الاستغلال، لدرجة أنه أقنعها ببشريتها، وأنها أفضل من بقية البشر، ولم تعي ما حدث إلا بعد أن رُكنت على رف الألعاب!
مع أنكم بالتأكيد لم تسمعوا قط عن دمي تبكي، إلا تلك التي تُصنع لغرض ما في مصانع الألعاب، أو عند مبدعي الأفلام في عاصمة صناعة الأفلام الغربية. أما هنا، ودائماً حصرياً، فالدمى تدبر الفتن، وتخطّئ وتخوّن الناس من حولها، وتؤذيهم وتسلب حقوقهم في غفلة الزمن وتكالب المحن. وعندما تم ركنها على رف الألعاب، حيث مكانها الطبيعي، سرعان ما تبكي، وتتباكى وتولول، ونسمع لها عويلاً بصوت عالٍ. وتطرح جميع نقاط القلق والتوجس من ركونها على الرف، وترفض سماع أي كلام به أسرار لأنها تؤمن بالشفافية فقط، ولا تريد سماع أي كلام عن كسر لحالة الجمود أو عن فتق، أو فتح أو حلحلة.
وبعيداً عن دمى مدّعي السياسة التي ذكرناها، والتي يمقتها معنا أخوة الوطن، فهم يؤيدون معنا ما يُطرح على طاولة الحوار بأن لا لأي اتفاقات خارج إطار طاولة الحوار إلا بالتوافق بين جميع الأطراف.
ولكن، ليعذرونا على هذا التساؤل، هل أنتم من يحدد تطبيق القانون على من أجرم في حق الوطن، كما تطالبون؟ ومن الذي خوّلكم بذلك إذا كان هناك أحدهم؟ وهل توافقون على تطبيق القانون، ليس فقط على من أجرم في حق الوطن، بل على من أجرم، بحماقة واضحة، في حق أخوته في الوطن، وكما تعلمون فإن البشر أهم من الوطن، فلا تراب بلا مواطنين يعشقونه ويذودون عنه؟ وبذلك، هل أنتم أيضاً من يقرّر معاقبة نفسه بنفسه وبقانون دولته؟
وهنا، سؤال برئ ببراءة أنفسكم الطيبة أيها الأحبة، من الذي نصّبكم أمناء على الثوابت الوطنية بحيث تنصحون غيركم بها وتضعونها ضمن شروطكم بـ «لائية» الخروج عن الثوابت الوطنية المتمثلة في الميثاق الوطني والدستور وآلياته!؟ فإذا كان الدستور من صنع البشر، ويحتمل الصواب والخطأ في من وضعه ولمن وضعه؟ فكيف تحكمون بعدم تغييره أيها الأمناء الأفاضل، وأنتم لا تستطيعون التحكم بالأبناء في بيت واحد؟
أما عن أيقونة دميتكم المفضلة والتي تتلاعبون بها كيفما شئتم، وهي نبذ العنف والإرهاب، فمازال السؤال في ملعبكم بلا إجابة: من هو سبب العنف والإرهاب؟ مع الاحترام الكبير لما طرحتموه حول تهدئة الوضع الإعلامي والخطاب الديني كخطوة لتهيئة أجواء الحوار والابتعاد عن أجواء التحريض؛ فبذلك، تم الإقرار بأن هناك خطاباً دينياً وتحريضاً تم توجيههما نحو الكراهية للآخر، والتسجيلات موجودة.
كما نتمنى، ببذرة الخير التي أودعها رب العزة في أنفسكم، أن تكون قيم وثوابت ما ترددونه في الدفاع عن البحرين وشعبها وبما يحقق الأمن والاستقرار لجميع مكونات هذا الشعب، هي حقاً كذلك، وأن تسمعوا لصوت العقل بداخلكم الذي أعتقد أنه يذكركم بأخوتكم في الدين والوطن والمصير المشترك.
وأخيراً، ألا يهزنا مرةً أخرى، قول الشاعر وهو يخاطب دميته بعد أن أشبعها لوماً وتقريعاً:
من أنتِ ومن تكونين؟
ومن أي طينة أنت؟
وفي أي موطن ترعرعت؟
ومن أي ثدي رضعت؟
فمن أين لك هذا الحقد الأسود؟
آه عرفت ...
ربما أنت شخصية
من شخصيات أفلام الخيال العلمي
فإن كنت كذلك
فلا تلامي وهنيئاً لك... ما أكلت من لحوم البشر!
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4161 - الإثنين 27 يناير 2014م الموافق 26 ربيع الاول 1435هـ
عجيب
بارك الله فيك استاذ محمد ، مضمون المقال رائع واسلوبك جميل جدا ، ورد قوي جدا لكتاب العملة وذوات المصلحة الذاتية