العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ

مرض الغرور

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

بعثت مع أحدهم رسالة شفهية إلى أحد المسئولين في الساحة الثقافية الذي هالتني التغيرات التي حصلت له في سلوكياته وتعامله مع الآخرين، فقد كان قبل إسناد تلك الوظيفة إنسانا ذا علاقات اجتماعية واسعة مع مختلف طبقات المثقفين. وكان محل اعتزاز وتقدير الجميع أولا لطاقاته وعطاءاته الفكرية الثريّة ثم لتواضعه وتواصله مع الصغير والكبير.

وكان أحد الشعراء من أقاربه قد هنأه على الوظيفة الجديدة في قصيدة نشرت في بعض الصحف المحلية لمكانة الشاعر وحلاوة قصيدته، لكن الشاعر حذره من أن العمل الرسمي والابتعاد عن الوسط الذي برز من خلاله له مخاطره ولعن ضمن أحد أبياته الوظيفة الرسمية التي خبرها فترة طويلة من حياته واعتبرها سجنا.

وأذكر أنه في إحدى الجلسات في نادي الخريجين التي ضمت واحدا من أقاربه سألني: ألا ترى أن الوظيفة الجديدة (تخُبّ) عليه؟ ومن شدة حماسي له وثقتي به قلت بل هي أقل من مستواه بكثير وتمنيت لو أسند إليه أعلى منصب في هذه المؤسسة فهو (لها). وعندما تولى وظيفته في تلك المؤسسة قلت الفكر والفن والثقافة سيدخل مرحلة تاريخية جديدة لأنهم سلموا السهم إلى باريه فهو يستحيل أن يخطئ الهدف لكن نبوءة الشاعر تحققت بعد فترة قصيرة من توليه وظيفته فبدأ بالشكليات بتغيير كل ديكور وسجاد ومكاتب من سبقه ويحلف بعض العاملين هناك أن كل شيء كان جديدا فبلغت كلفة التغيير والتعديل (ذيك الحسبة) وبَرّرتُ ذاك من منطلق (وعين الرضا عن كل عيب كيلية) بأن الشخص يريد أن يتخلص من كل ما يذكّره بالنظام البائد ليبدأ ثورة حقيقية (في الساحة التي يجيد لعبتها).

لكن الأيام توالت وصار المسئول ينظر إلى الناس حتى محبيه وعشاق عطائه الفكري والثقافي مثل نظرة امرؤ القيس إلى الصخرة التي قال عنها: (كجلمود صخر حطه السيل من علِ) فلم نعد نحصل حتى على دعوات الحضور إلى الفعاليات الثقافية التي تقام في مؤسسته.

قلت لقريبه الذي بعثت برسالتي معه لو أن الوظيفة التي أسندت إليه تستحق كل هذا التعالي والتغيير في السلوك، لما أسندت رئاسة المؤسسة كلها لشخص بهذا المستوى وتلك الضحالة في الفكر فلا داعي إلى الغرور لأنه كما قال الله تعالى «إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا» (الاسراء: 37)

العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً