«وفقاً للقيم والمثل الإنسانية المستقرة في الدول الديمقراطية المتقدمة، وعلى غرار الديمقراطيات العريقة»، تحت هاتين العبارتين اللتين أطلقتهما القوى الوطنية؛ وفي مثل الوضع الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من 35 شهراً؛ وبسبب كثرة ما أُريق خلال هذه الشهور من حبر على الصفحات، ومن تصريحات على الهواء، أو من وراء الجدران، أو من تحت أو فوق الطاولات؛ لابد من التوقف ملياً عند كل حرف، أو كلمة، أو عبارة تقال أو تخرج تخص الشأن المحلي ضمن ديمومة الأزمة، وذلك لفرط حساسية كل الفعل الكلامي أو ردة الفعل عليها من أي طرف كانت.
والتاريخ والدراسات التاريخية والتحقيق علمتنا، بعلمية، كيفية التعرف على آراء الآخرين بقراءة العبارات كاملة بداية، ثم بتفكيك العبارات ودراسة كل كلمة أو عبارة على حدة، ثم إعادة ربطها بالإطار العام من جديد للوصول إلى قراءة صحية واعية لرأي الطرف الآخر، سواءً أكان صديقاً أو عكس ذلك.
فالقوى الوطنية الموافقة على إنهاء الأزمة، ونذكر بما قلناه سابقاً أنه من الخطأ القول بأنها معارضة لحل الأزمة، فالمعارضون والمؤزّمون هم تكتل آخر غير هذه القوى الوطنية؛ يبدو أنها، كما ذكرت في سطور مقتضبة في بيانها بتاريخ 15 يناير الحالي، مازالت ترى هناك «سبل لإيجاد حوار جاد ينتج صيغة سياسية جديدة تشكل حلاً شاملاً ودائماً يحقّق تطلعات جميع البحرينيين نحو الحرية والمساواة والعدالة والتحول الديمقراطي، ويحقّق تحولاً صادقاً نحو الملكية الدستورية».
ونذكر فقط بدايةً بأن الحوارات القادمة سيكون رقمها الرابعة بعد، مارس/ آذار 2011، ويوليو/ تموز 2011- وفبراير/ شباط 2013. وفي الأمثال الشعبية العريقة يقال الثالثة ثابتة، ويقصد به أن المحاولات الأولى قد تخفق، ويكون التوفيق في الثالثة!
وكما هي المادة في الطبيعة بأحوالها الثلاث، فقد كانت حالة مادة الحوار الأول بوجود الأطراف الحقيقية «صلبة»، وفي الثانية بوجود 300 شخص كانت «سائلة»، وفي الثالثة بدخول جماعات روبوتية صارت «غازية»، وللأسف لم ينتج التراث الشعبي بعد مثلاً جديداً يشير من قريب أو بعيد للرابعة!
أضف إلى ذلك، أن بيانات أخرى طازجة، بجانب بيان القوى الوطنية، تقول بأن هناك لقاءات ثنائية مع أطراف الحوار ستبدأ خلال أيام، وفيها سيتم تقديم الرؤية السليمة لكل طرف، والهدف طبعاً هو لمّ شمل المجتمع البحريني وصون وحدة صفه، وكذلك للبحث عن سُبل جديدة من الحوار تتجاوز التحديات التي واجهت جلسات استكمال حوار التوافق الوطني، وتعتمد التفاعل وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف. ودائماً، مع الالتزام بمبادئ المسئولية والجدية والشفافية والمصداقية ووضع المصلحة العليا للوطن فوق كل الاعتبارات، والتوافق، على رفع مستوى التمثيل الحكومي والأطراف الأخرى المشاركة في الحوار كافة، وأيضاً التوافق، على وضع البنود الرئيسية المطروحة للنقاش خلال المرحلة المقبلة وهي السلطة التشريعية، السلطة القضائية، السلطة التنفيذية، الدوائر الانتخابية وتحقيق الأمن للجميع.
ولو أن المشكلة الرئيسة ليست بين الثلاث فئات التي حضرت اللقاءات المنفصلة، لأنها مختلقة، إلا أنه لا بأس من الاستشارة والاستئناس برأي الجميع لمواجهة «تسونامي» الأزمة بضحاياه المختلفة والذي مازال يضرب البلاد منذ ثلاث سنوات.
وتتخوف القوى الوطنية من أن استخدام عبارة «استمرارية وتيرة الإصلاح والتطوير» ليست جديدة في النمط الذي تم الحديث عنه؛ إلا أن المتفائلين، من هذه القوى، يتجهون لمزيد من إعطاء الفرص للحلول حتى ولو جاءت تحت نفس المضامين والعناوين السابقة.
ثم أن هناك حديثاً عاماً عن تعزيز دولة المؤسسات والقانون، من خلال التشاور بين جميع الأطراف المعنية للدخول بنمط جديد في عملية الحوار الوطني، ودائماً، مع الحرص على استنهاض الجهود والنوايا الحسنة نحو كل ما يلمّ شمل المجتمع البحريني.
لكن نعود إلى المربع الأول من جديد حين تتردد مرة أخرى ذات النغمة المطاطة عمّن «يعرقل مسيرة الحوار»، ولا نعلم من هم تحديداً، ويُطرح بأن المطلوب من الجميع السعي بفاعلية لتهيئة الأجواء، مع ضرورة البحث عن القواسم المشتركة مع بقية الأطراف للتوصل إلى «توافقات» وطنية جامعة، مرة أخرى، تصب في صالح مكونات المجتمع البحريني كافة لتظل البحرين دوماً أولاً وأملاً للجميع.
وسرعان ما بدأ القلق يساور المتفائلين، عندما خرجت بعض الأصوات التي ما فتئت تسبح في تيارها التخويني لأخوة الوطن، فتدخل النقاش في سراديب مظلمة من جديد، وبأن ما سيتم قريباً من حوار الطبعة الرابعة، قد فوجئت بعرض جدول أعماله وآليات الحوار دون أن يؤخذ رأيهم فيه، وبرفض أي اتفاقات تتم على أي جانب من جوانب الطاولة، وبرفض أي شروط مسبقة، ودائماً، مع ضرورة أن تكون فيه إدانة واضحة للعنف والإرهاب ورفضه للمحاصصة الطائفية بجميع مسمياتها. وهنا يتضح من هم المؤزّمون حقاً عبر بيانات لن تحرك شيئاً لا من تحت، ولا من فوق أي طاولة مستديرة كانت أم مربعة أم حتى مثلثة الإضلاع!
ثم يعود «التسونامي» للهدوء قليلاً فتسمع تصريحاً آخر يقول، أن حوار الطبعة الرابعة سيكون فقط على أسس ثلاث: الاجتماعات ستكون لها محاضر مكتوبة للتوثيق، والنقاشات ستكون شفافة، ولن يكون هناك حل على حساب أي مكون من مكونات المجتمع.
وضمن نفس نمط القراءة الجديدة للساحة، تؤكد القوى الوطنية أن الإيجابية «تتوقف على تهيئة الأجواء أولاً، ووقف كل ما يعيق تواصل الحوار، وأن يكون الحوار على أساس (أجندة لا تفرض قسراً)، فالخطوات القادمة لابد لنجاحها أن تكون قائمة على الشراكة الحقيقية». وبين هؤلاء وأولئك، أسمع أصواتاً قريبة جداً ترفض كل ما يطرحه «المتشائلون»، وتعزز كل ما سيقدم عليه «المتفائلون».
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4154 - الإثنين 20 يناير 2014م الموافق 19 ربيع الاول 1435هـ
عودتنا التجارب
ان يكون التشاءم هو سيد الموقف ولو الحكومة تريد حل كانت حلت الامور بجرة قلم
والا ما معنى ان يكون موالاة الحكومة هم جزء من الحوار مو هم والحكومة نفس الشي بس هم وجدوا كيف يقوموا بتخريب اي شي وضد اي شي تطرحه المعارضه واحنا للاسف راح نرجع لنفس الاسطوانه وراح يفشل الحوار وهلما جرا