خلق الله الحياة جميلة ورائعة، وكل ذرة من ذراتها تشعرك بالسعادة، ولا يرى الإنسان هذا الجمال إلا عندما يكون عقله حراً، ومن لا يشعر بذلك فهو إنسان ضائع في الحياة.
الإنسان بعد أن يولد في سنواته الأولى، يرى الجمال شائعاً في كل ذراته، بمجرد أن يرى شيئاً بسيطاً، يبتسم ويضحك، لشعوره بالسعادة، لأن الإنسان يولد حراً، صفحةً بيضاء، وما هو موجود في الرأس هو (مخ، دماغ) وليس عقلاً. المخ في الرأس وظيفته تخزين المعلومات والبرامج.
وبعد أن يكبر قليلاً يقوم المجتمع بوضع برامج في دماغ الإنسان، وهذه البرامج تكون الحلقة الأولى لنشوء العقل... وبرمجة العقل تعني صناعة سجون لروح الإنسان، يديرها صناع المفاهيم والأفكار. هذه السجون تعزل الإنسان عن «الوعي الوجودي»، الذي يشعره بأن حياته لها معنى جميل.
أولاً، ما هو العقل؟ العقل هو نظام تحكم، يتكون من ثلاثة عناصر أو مكونات جوهرية، وهي: مكون المعرفة، ومكون العاطفة، ومكون السلوك.
كيف يعمل هذا النظام؟ لتوضيح عمل نظام العقل، نضرب هذا المثال: التاجر عندما تتوافر لديه معلومات عن أن التجارة في بضاعة معينة ستحقق له أرباحاً طائلة، فإنه سيشعر بالاطمئنان، وبالتالي سيقوم بضخ أمواله للمتاجرة في هذه البضاعة.
فمكون المعرفة: المعلومات القوية عن البضاعة وأرباحها. وهذا أدى إلى تشكل مكوّن العاطفة المتمثل في الشعور بالاطمئنان، وهذا الشعور أدى إلى تشكل مكون السلوك المتمثل في ضخ رؤوس الأموال واستثمارها في التجارة.
وعندما يكون العكس، وتوافرت للتاجر معلومات قوية بأن المتاجرة في هذه البضاعة ستؤدي إلى خسارة فادحة، فسيشعر بالخوف، وبالتالي عدم المجازفة والمتاجرة بهذه البضاعة للحفاظ على رأس المال. من هنا فإن الجهة التي تزودك بالمعلومات هي التي تتحكم بعقلك، بأن توجهك لأن تكون تاجراً أو فقيراً، ووجود طبقات غنية وفقيرة أكثر أسبابها يعود إلى التحكم بعقول الناس.
وأهم شروط التحكم بالعقل، أن يكون للمعرفة والمعلومات تأثير في الإنسان بما يخلق العاطفة، ومن ثم التأثير في السلوك. ولهذا حرية الرأي والتعبير تكون محاربة في المجتمعات التي تعيش في عبودية صناع المفاهيم والأفكار.
النقطة الثانية، للتحكم بالعقل، هي «الخلفية» التي تكون بمثابة الأحكام المسبقة. للتوضيح، عندما تنشر صورة إلى عباس المغني وفي خلفية الصورة محراب يدل على أن المكان مسجد، وشخص يقرأ القرآن، وآخر يصلي، وآخر رافع يده يدعو الله، هنا أنت ستأخذ فكرة بأن عباس المغني إنسان متدين.
لكن لو نشرت صورة له، وفي خلفية الصورة كؤوس من الخمر، تدل على أن المكان حانة أو ملهى ليلي، وفتاة شبه عارية ترقص، ومجموعة من الشباب سكارى، هنا ستأخذ فكرة عنه بأنه إنسان فاسد. مع العلم أن الشخص في الصورة الأولى هو نفسه في الصورة الثانية، والفرق الذي جعلك تصفه بأنه فاسد أو متدين هو خليفة الصورة، وقد تكون هذه الخلفية متلاعَباً بها ببرنامج الفوتوشب.
والمجتمع يضع برنامج خلفيات في عقل الإنسان منذ صغره، وبالتالي نظرة هذا الإنسان للكون والحياة محكومة بهذه الخلفيات، يحكم على الأشياء بأنها «صح» أو «خطأ»، وفقاً لهذه الخلفيات.
أما النقطة الثالثة للتحكم بالعقل، فهي «قوة الاعتقاد». للتوضيح، أجريت تجربة، بأن قام طبيب بإعطاء مرضى أدوية ليس لها علاقة بمرضهم، وأوهمهم بأن هذا الدواء فعال جداً، وبمجرد أن تشربه ستتماثل للشفاء، وفعلاً بعد أن شرب المرضى الدواء تماثلوا للشفاء.
وفي النهاية، اتضح أن الدواء ليس دواءً، وإنما حبات سكر صنعت على شكل دواء، وسبب شفائهم ليس بسبب حبات السكر، وإنّما بسبب اعتقادهم القوي بأنهم سوف يتماثلون للشفاء عند شربهم هذه الحبات. فالاعتقاد هو سبب الشفاء.
وتعتبر (المعرفة، الخلفية، قوة الاعتقاد) ثالوث التحكم بعقل الإنسان، فإذا تم استخدامها في إيجاد حلول سياسية تفرح عامة الناس، ستكون كالتالي، بث معرفة ومعلومات إيجابية، لإحداث حالة عاطفية متفائلة إيجابية في المجتمع، وفي الوقت نفسه تغيير الخلفية من سلبية إلى إيجابية، وتعزيز قوة الاعتقاد بأن الوضع تغير إلى الأفضل وأن المستقبل مشرق.
والعكس كذلك، إذا ما تم استخدامها في إحداث مشاكل سياسية، ستكون بث معرفة ومعلومات سلبية، لإحداث حالة عاطفية متشائمة سلبية في المجتمع، وفي الوقت نفسه تغيير الخلفية من سلبية إلى إيجابية، وتعزيز قوة الاعتقاد بأن الوضع من سيئ إلى أسوأ.
فالحلول السياسية التي تحدث فرحة عامة، والمشاكل السياسية التي تحدث إحباطاً عاماً، أشبه بالوهم في العقل البشري، والفرح والتغيرات الإيجابية، وكذلك الإحباط والتغيرات السلبية كلها مظاهر، كما هو الموج مظهر من مظاهر البحر.
وخلاصة الخلاصة، أن الحياة الإنسانية لعبة عقلية كبرى، يتم التحكم بها من خلال العقل، وبناء المفاهيم والأفكار وبرمجتها فيه. وأبسط مثال على هذه اللعبة، عندما تشتري أرضاً سكنية سعرها 100 ألف دينار، بمجرد تغيير تصنيفها إلى «استثماري» يصبح سعرها مليون دينار، وبذلك تربح 900 ألف دينار. والتصنيف مجرد حبر على ورقة رسمية من وزارة البلدية لا تساوي 20 فلساً. تخيل 20 فلساً تجعلك تربح 900 ألف دينار! إنها اللعبة العقلية الكبرى في حياة الإنسان.
والإنسان لكي يكون حراً أولاً عليه تحرير عقله من سجون المفاهيم والأفكار التي بناها صناع المفاهيم والأفكار، بحيث يمتلك القدرة على نقدها، ويأخذ زمام المبادرة بأن يبني عقله بنفسه، وإن ترك بناء عقله إلى الآخرين فسيكون عبداً لمن يملأ عقله بالمفاهيم والأفكار.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4152 - السبت 18 يناير 2014م الموافق 17 ربيع الاول 1435هـ
تسلم يدك على المقااااال
صراحة .
انا من المتابعين لمقالاتك اتمنى اشوفك كل يوم والله يوفقك افكارك قويه وجريئه للي يفهمها......
التحليل الحديث
مقال رائع. لكن العلم الحديث يصنف العقل كأي عضو من أعضاء الجسم البشري. حيث تدخل أشياء في العضو الذي يعمل تلقائيا و يعكس اثار ومنتجات ما ادخل فيه. نسبة تحكم الانسان بعقله قليل جدا و لا يتجاوز ما يمكنه عمله ازاء معدته او قلبه او رأته. لكنه بجهله يتصور بانه قادر علي التحكم بعقله لانه لا يعي بمحتواه الذي يتفاعل و ينعكس في تصرفاته و قراراته. لذلك نري التطور الفكري العام بطئ جدا مقارنة بتطورالتكنولوجيا. يكرر الانسان نفس أغلاط أجداده دون وعي و لا يتعظ لان عقله يتصرف دون وعيه اي بلا وعي.
الحمدلله على نعمه العقل
كما هو الحال عندنا في كل كبيرة وصغيره
قالو ايران وايران حتى اوهمو البعض وصدقو
هذا بالإضافة للمتفجرات الصامتة
اوهموها للناس ودول الغرب
لكي يصدقوها ويستنكروا هذا الفعل الارهابي
واخير برنامج الحوار والريموت كنترول
ولازالو يحاولون يبتكرون سيناريو ضعيف لكي يؤثرو على اكبر عدد ممكن