قد يكون مقال الزميل عباس بوصفوان أراد أن يدفع باتجاه سياسي في إشارته إلى أن النواب أو تحديدا النائب الثاني عادل المعاودة لم يكونوا وراء ما جرى من حوادث احتجاج وعنف عند «مركز المعارض»، وذلك من خلال إيصال أربع رسائل مهمة جدا.
الأولى: إيصال رسائل بضرورة حصول تضامن من قبل تيار المعاودة مع توجهات التيار الوطني في مجلس النواب، ولو من خلال الإيحاء بالمعارضة في الخارج وخصوصا مع وجود الكثير من المقترحات بقوانين، يراد لها أن تخرج من نفق الغرفة الأولى على الأقل.
الثانية: تحييد موقفه السلبي سياسيا تجاه المعارضة، وتخفيف الإدانات المستمرة تجاهها أيضا حاضرا ومستقبلا، وخصوصا بعد الحملات الضارية من النواب تجاه المعارضة في أكثر من موقف.
الثالثة: تكتيل النواب ضد بعض الممارسات التي تمارسها وزارة الإعلام، سواء على مستوى ما يقال عن وجود سياحة هابطة، وهو هدف ثانوي، أما الهدف الأولي والأساسي فهو محاسبة وزارة الإعلام على ما تمارسه من تضييق تجاه الصحافة.
الرابعة: فك الارتباط بين تيار المعاودة والحكومة ولو شكليا، لإيجاد نوع من المناورة السياسية المحدودة داخل البرلمان للتيارات الأخرى، وهي مسألة محل شك عند الكثيرين.
هكذا تفهم رسائل الزميل بوصفوان من خلال تبرئته لساحة النائب الثاني عادل المعاودة، ونتمنى أن تكون الرسائل وصلت فعلا.
إلا أن المعالجة الموضوعية لحوادث «مركز المعارض» في دائرة النواب وارتباطها بالحوادث نفسها، لا يمكن لها أن تأخذ هذا البعد فحسب، فهو بعد تمويهي بالنظر إلى الحقائق التي سارت عليها جلسات النواب في مناقشة موضوع المغنية نانسي عجرم. فبحسب بعض النواب المشتركين مع المعاودة في منع عجرم من الغناء في الحفل، فإن طرح الموضوع كان للإثارة فقط، وأن المتحمسين له انسحبوا بعد ذلك ولم يدافعوا عن موقفهم، بمجرد أن لفلف رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني الموضوع بشكل سريع وغير متوقع، ما جعل النواب المشتركين مع المعاودة في رغبته ينسحبون لأنهم وجدوا أنفسهم مخذولين. وهذا يطرح مجموعة أسئلة:
الأول: هل توجد رغبة جدية لدى التيار الديني السلفي بطرح ملفات الفساد الأخلاقي في البلد ضمن أجندة تنسجم مع خلفياتهم الدينية في نظرتهم إلى قضايا المجتمع؟ أم أنها رغبة توبها الكثير من الحيل البراغماتية والمشروعات التوافقية التي لا توحي بالجدية في طرح ملفات الفساد؟ ومنها ما يطرحه بعض النواب مثلا من منع المشروبات الروحية في الأماكن العامة، في حين أن التجاوز ممكن عن شربها في الأماكن الخاصة! فضمن أي محدد شرعي يندرج هذا المشروع؟ وكيف تفهم هذه التوافقية في هذا المجال الديني الدعوي الصرف، في حين أن التزمت حاكم في مجالات أخرى؟ ومنها التزمت في علاقة هذه التيارات الدينية بقوى المجتمع الأخرى، فقط نتيجة خلاف سياسي!
الثاني: كيف تنظر القوى الدينية السلفية إلى العمل السياسي؟ هل هو محور جدي تحكمه عناصر الصراع السياسي مع كل الأطراف بما فيها الطرف الرسمي؟ أم هو عامل استقواء من خلال الأدوات التي تتيحها السلطة؟ ولا يهم إن كانت هذه الأدوات كاملة أم ناقصة؟ وبالتالي لا يهم هذه القوى تشكيل علاقات سياسية ولا فعاليات توضح ثيماتها وتوجهاتها الخاصة، لأنها محكومة بأنظمة مصالح مؤمنة سلفا، وهي عكس القوى الأخرى التي تصارع في طرح أجندتها باجتهاد واضح في هذا المجال.
الثالث: أين تتقاطع علاقة هذه التيارات مع السلطة؟ وأين تفترق؟ وهل يمكن للأجندة في بعدها الديني والدعوي أن تشكل نقطة خلاف مع السلطة، وتوافق والتقاء مع تيارات أخرى تؤمن بالأجندة نفسها؟ أم أن منطقة الخلاف بينها وبين الحكومة حال ضبابية تحكمها أنظمة المصالح والخطابات التوافقية والمشروعات المبتورة، حفاظا على ما تبقَّى من خلفيات دينية، يخاطب بها الجمهور الخاص الذي لا يراد له أن يتفرَّق عنها؟
الرابع: إذا كانت أجندة مكافحة الفساد الأخلاقي والسياحة الهابطة ضمن أولويات التيار الديني السلفي، فلماذا لا تكون هذه الأجندة واضحة منذ البداية؟ أوليست صور السياحة الهابطة واضحة وفاضحة لمن يريد تقصي الحقائق؟ ثم لماذا «نانسي» في هذا الوقت؟ أليست هذه رسالة لا مسئولية عليها، لم يتم استكمالها ولا مواصلتها، ولكنها وصلت خطأ إلى من هم وقود كل شيء؟
هذه أسئلة تضاف إلى ما أراد الزميل الوصول إليه، وتجعل من صدقية البرامج والأجندة على المحك، وتضع حدا فاصلا بين الخلفيات الدينية بما هي خام لا يعمل، وبين المصالح السياسية التي تتحرك في كل اتجاه.
أما عما قاله الزميل بأن المعاودة مارس حقه في الرفض بأدوات دستورية وسياسية، فهذا الأمر يمكن القبول به، في حال بقي رفضه للحفل الغنائي داخل قبة البرلمان، ولم ينكفئ عنه بعد حين، ليصمت عن إكمال ما بدأه مع بقية النواب، إضافة إلى جدية طرح الموضوع في قبال أرتال من ملفات لم تناقش إلى الآن.
أما عن الجمهور، فيمكن القول إنه الوقود الفعلي لأية حركة احتجاج صحيحة كانت أو خاطئة. فهذا الجمهور لم تتحسن أوضاعه، ولا يملك شيئا يخسره ليحافظ عليه ويتعقل من أجله، وإنما يعيش أقسى درجات الحرمان والتهميش، كما يقع ضمن دائرة دينية تفرض عليه سلوكا ومنهجا دينيا مستنكرا لمثل هذه الحوادث، وبالتالي فما قام به من فعل لا يستغرب في ضوء الحوادث الموضوعية التي تحكم علاقاته بالوقائع السياسية والأشخاص.
يأتي هذا الفعل في ظل عدم وجود مركزية قيادية توجهه وتنظم خياراته، فالرموز أشبه بالعاجزين في ظل عدم وحدة الخطاب السياسي، وليس نتيجة خيار المقاطعة أو المشاركة كما يحلو للبعض، وهذه دعوة مجددة للرموز إلى وقفة حساب مع النفس، والتحرك من أجل تأمين قناعات الشارع بالعمل السياسي السلمي، الذي يمكن من خلاله إقناعهم بإمكان الدفاع عنهم وفق هذا النهج، وإيجاد مجموعات من القيادات الميدانية لضبط إيقاع الشارع، وتحريك الملف الاحتجاجي سلميا.
كما أن الدعوة موصولة إلى السلطة التنفيذية تحديدا بعدم استخدام العنف المضاد تجاه المحتجين، والتفكير الجدي في حل مشكلات البطالة والتجنيس السياسي، وإزالة مظاهر الاحتقان الاجتماعي، إذ ليس من المعقول أن يُشجبَ الناس لأنهم يصرخون من الألم، ولكن الأنسب أن يطبب هذا الألم. والدعوة الأخيرة إلى النواب بأن يبرهنوا على استقلالية قرارهم، وألا يخوضوا في جدل يسهم في توسيع الجدل الدائر حولهم، وألا يدينوا هذا الحادث تحديدا، لأنهم كانوا شرارته
إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ