كفاكم تلاعباً أياً كنتم؟ لا تكونوا كما قال الحكيم لأصحابه: «وإذا لم يرد الله بعبدٍ خيراً أوكله إلى نفسه وكان صدره ضيّقاً حرجاً» .
أخرج صحيفة لأصحابه الخُلص وقرأ فيها عليهم ما يلي: «اعلموا إن الله إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه وعمِل به، فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقاً، وإذا لم يرد الله بعبدٍ خيراً أوكله إلى نفسه وكان صدره ضيّقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحالة كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجةً عليه يوم القيامة، فاتقوا الله واسألوه أن يشرح صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين».
من موقف وكلمات هذا الرجل الحكيم النورانية، تنبثق الدعوة هنا إلى الأحبة الذين ظللتهم مؤخراً غمامة الشبه صحوة، فانسحبوا من فوق طاولة الحوار، سعياً لإعادة الملة لصوابها والعمل معاً، بصدق، لإقامة الأمت والعوج في هذا المجتمع سياسياً، وثقافياً، واقتصادياً، وتربوياً، واجتماعياً. ومع هذه الدعوة بطاقة تعريف بالأَمْتُ، ألا وهو الضعف والوَهن. وبما أن كل المعاني تصب في روما؛ فهو أيضاً بمعني العيب، والعِوَج، والجمع منها إِمَاتٌ، وأُمُوت.
ولكن من شروط إقامة الأمت والعَوَج على يد العباد الخيرين، أن يتم الإجابة على بعض الأسئلة وتفسير بعض الجمل، وملء الفراغ في بعضها الآخر إن أمكن، وليس هذا من باب فرض نظام جديد للامتحانات، لا سمح الله، بل هو برهان صدق للتجاوب مع الدعوة الحكيمة من أجل الانفتاح على الجميع والعمل مع الجميع من أجل صالح البلاد ومستقبل أبنائها. أليست هذه تعبيرات خطاباتكم؟
ومن تلك التفسيرات التي يسعى مقدمو الدعوة للحصول عليها، لما ورد في بعض الجُمل الصادرة في بيانات بعض الناس هذه الأيام، ومنها: «استكمال حوار التوافق الوطني للبناء على ما تحقق من مكتسبات في المجال السياسي»! «من مسئولية وحرص من أجل حوار بناء، وتأكيد واجب نبذ العنف من الجميع والانفتاح على الآخر»، و»استمرار التشاور والعمل الوطني وتعزيز المكتسبات السياسية لصالح الجميع». مع أن بعض الفضوليين يسأل: ما هي هذه المكتسبات التي يجب أن تعزز؟ وإذا كانت هي مكتسبات ومتوافرة حالياً والأشياء معدن، فلماذا الحوار أساساً؟ ثم «نبذ العنف من الجميع»، من هم هؤلاء الذين يمكن إدراجهم تحت صيغة «الجميع» هذه؟ والسؤال المحيّر منذ بداية الأزمة: ما معنى حوار التوافق الوطني؟ وتوافق على ماذا؟ وهل التوافق يشمل الكبار والصغار؟ أم من على الطاولة؟ أم من هم تحت الطاولة، أم الكل من رقم واحد إلى الرقم ألف مثلاً!
وفي باب «لانفتاح على الآخر»، مطلوبٌ تفسيرٌ بسيطٌ لمن ينفتح على من؟ وما هو المنغلق حالياً ليعاد فتحه على الآخر، ولماذا الفتح والضم؟ هل هو لتنشيط حركة الجسد البحريني بسبب برودة الشتاء فقط، أم لبث الوعي المغيب في بعض العقول بسبب الحكاية القديمة (علمتني أمي حزاية، عن سنور باق حلاية، وداها للخرابة،...)، مع رجاء إكمال العبارة السابقة، ولكن بعيداً عن اختبارات وزارة التربية والتعليم حالياً!
كما تسعى الدعوة للحصول على توضيح لبعض العبارات التالية بعيداً عن الدجل والشعوذة، وهي: «حوار توافق وطني كامل يعبر عن إرادة جميع مكونات شعب البحرين ويبني على المنجزات»، «حرص من أجل حوار بناء بين الجميع تحت مظلة دولة المؤسسات»، «ينفتح على الجميع ويعمل مع الجميع من أجل صالح البلاد ومستقبل أبنائها»، «تحقيق التوافق الوطني حول المطالب السياسية»، أية مطالب؟ التي قدمتها المعارضة أم أناس آخرون من خارج الكوكب؟ وأين هي تلك المطالب إذا لم تكن التي قدمتها المعارضة؟ ثم إن الأسس الديمقراطية الصحيحة للحوار ترتكز على مشاركة كافة أبناء هذا الوطن، فكيف تحملون المسئولية للجمعيات الخمس فقط، في الفشل المتكرّر للطاولة؟
كفاكم تلاعباً أياً كنتم؟ لا تكونوا كما قال الحكيم لأصحابه: «وإذا لم يرد الله بعبدٍ خيراً أوكله إلى نفسه وكان صدره ضيّقاً حرجاً».
كما يرجي توضيح عبارة «المسئولية التي تفترض فيمن يشارك في الحوار أن يلتزم بالمبادئ والثوابت والقيم الوطنية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني... ويعمل مع الجميع من أجل صالح البلاد ومستقبل أبنائها وتغليب المصلحة العامة على المصلحة السياسية الخاصة». فإذا لم تكن تحقيق المطالب الوطنية هي المصلحة العامة؛ فما هي المصلحة العامة يا فرسان الكلمات؟
ثم من قال بأن الحوار أساساً هو حول الميثاق؟ أليس حول الأزمة الحالية يا جماعة الـ..خير، فراجعوا من يصيغ بياناتكم جيداً ناشدناكم الباري عز وجل.
وعبارة أخرى: «يكون بوجود الأطراف الجادة التي تنبذ الإرهاب والعنف بكل أشكاله وصوره صراحة، وتقف صفاً واحداً ضد أي تدخل خارجي في شئوننا الداخلية.. بغية تحقيق توافق وطني شامل في ضوء ثوابت وقيم جميع أهل البحرين الكرام الذين تعارفوا عليها منذ القدم خدمة لحاضرهم ومستقبل أبنائهم»، وهو كلام جميل، وليس أجمل منه أن يعرف المدعون لمثل هذه التوجه تحت أية خيمة ومكون سيقف ويتعامل «جميع أهل البحرين الكرام» من الآن وصاعداً؟، حيث أن الوضع الحالي لن يجمعهم كما يبدو، فما هو اقتراح أصحاب الصحوة في المكوّن السياسي الآخر الذي من المفترض أنهم يوجهون إليه، ليجمع أهل البحرين «خدمة لحاضرهم ومستقبل أبنائهم»؟
عذراً، هذا ما ترمي إليه دعوتنا هنا، التي يبدو أنها أطنبت في التفسير والشرح لمكنونها، وداخلتها بعض التعابير المشوشة، والمكثفة، والمتحيرة، والمترددة، كما هو واقعنا تماماً، فهي ابنة الواقع البحريني الحالي. كما أن الواقع الحالي يقول: بين ارتفاع أسعار الطماطم، والفلفل البارد، والكوسة، يبقي الحوار هو «خيار» في حد ذاته كما ورد في الخطاب؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4147 - الإثنين 13 يناير 2014م الموافق 12 ربيع الاول 1435هـ
حقيبة الحكيم!!
استاذنا الكريم
لا تتعجب غداً إذا استلم هذا الحكيم أو من ينوبه في جمعيته أو تجمعه حقيبة وزارية