«النواب» المعني بهم هنا هم أعضاء البرلمان المنتخبون من قبل الشعب، والذين يُفترض أنهم يحملون أمانةً وعهداً، باعتبار أن «الأمانة والعهد» هما لحمة واحدة لا انفصال بينهما، استناداً لقوله سبحانه وتعالى «والذي هم لأماناتهم وعهدهم راعون» (المؤمنون، الآية 8). اللهم إن الفارق بينهما هو أن «العهد» في الغالب يجمع الأمانة والوعد والقسم معاً. ولهذا فإن «العهد» أعظم وأرفع مكانة من «الأمانة» ويشملها، ويُطلق عليه «الميثاق». ودليل عظمة «العهد» ورفعته أنه عندما يخون المؤتمن الأمانة يوصف بـ «خائن أمانة»، أما عندما يَنقِض المتعاهد عهده فإنه يوصف بوصفين «خائن أمانة وناقض عهد»، وهذان الوصفان هما غاية الخيانة ومنتهاها.
وعليه عندما نقول أن النائب البرلماني يحمل عهداً، ذلك لأنه (أولاً) يحمل أمانة وهي واجب الخدمة لصالح الشعب كل الشعب، ولأنه (ثانياً) قد وثَّـق عهداً في ضميره وأقسم بأن يخلص في هذا الواجب وأن يدافع عن حقوق أبناء الشعب ويذود عنهم بعيداً عن مصلحته الشخصية أو مصلحة غيره. فضلاً عن أن «العهد» يرتبط بالقسم، أي باليمين، وجمعه «الأيمان». لذا فإن درجته تزيد أضعافاً على درجة «الأمانة» لكونه يعتبر عهداً ربانياً، لأنه بمثابة عهد مع الله استناداً لقوله سبحانه وتعالى «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون» (النحل/ الآية 91).
ولهذا يصح أن نقول «أن النائب البرلماني يحمل عهداً»، ولا يصح أن نكتفي بالقول «أنه يحمل أمانة» وحسب.
من هنا بات لزاماً علينا أن نقف لحظة لنرى هل أن السادة النواب عندنا قد وفوا بعهدهم وحفظوا الأمانة كما يجب. على أن نؤكد بداية أن هذه الوقفة قائمةٌ على النقد البناء الصالح وعلى كلمة الحق، لإيماننا أن ليس للفكر من شروط سوى أن يكون فكراً صالحاً، وليس للقلم مدى إلاَّ أن يكون مِدادُه قول الحق والحقيقة. ولإيماننا أن الفكر الصالح مباح وأن قول الحق واجب، وكل ذلك وفقاً لمبدأ الحق في التعبير المسموح به كما نراه ونلمسه.
وفي هذا المضمار (ولكي تكون كلمتنا كلمة حق) يحسن بنا قبل أن ندخل في الموضوع أن نشير بداية إلى أن هناك من أخذ على بعض النواب ممن تسابقوا للنيل من فئة من الشعب بقسوة وغلو في السلوك الفج المحمول على الكراهية والحقد، على قاعدة أن دخولهم قبة البرلمان ليس باسم الشعب كله وإنما باسم جماعتهم أو الفئة التي انتخبتهم، فيلتزمون بخدمتهم والدفاع عنهم دون غيرهم، وهم بذلك لا يرون من تثريب عليهم إنْ هم فعلوا ما فعلوا بتلك الفئة التي لم تنتخبهم أو التي ليست من رهطهم. وهذا السلوك قد نحمله على محمل من الظن الحسن بأنه إما جهل بالقانون أو لسوء فهم بالواجبات وإما بسبب نفخة «إبليس».
غير أن الذي لا يمكن أن نحمله على محمل حسن هو عندما نرى الكتلة الغالبة من النواب في مجلس الشعب قد أغمضت عينها وصمت أذنها عن الفساد الذي استفحل واستشرى في البلاد في كافة الميادين، سواء ما ظهر منه من الفساد الإداري، أو من سرقات المال العام ونهب الأراضي، أو غير ذلك مما لا يسمح لنا الوقوف عليه والبوح به، وكأن هذا الأمر وذاك ليس بذات الأهمية لدى هؤلاء النواب وأنه لا يعنيهم بشيء.
ولا أخال أن السادة النواب ينكرون وجود هذا الفساد، بل أنهم بحق تداولوه وراء الكواليس، إلاّ أنهم أبوا أن يقفوا ضده بالمرصاد، إما لأنهم وجدوا أن الفاسدين أقوى منهم، وإما لأنهم أدركوا أن الفاسدين مرفوع عنهم القلم.
إنما العجب كل العجب هو أن نجد هؤلاء السادة النواب قد كشروا عن أنيابهم مؤخراً وأظهروا فجأةً «أسديتهم» حينما انسحبوا من البرلمان احتجاجاً على زيادة عشرين فلساً على سعر «الديزل»، وكأن هذه الزيادة هي أخطر وأكبر بكثير من ذلك الفساد المستفحل في البلاد الذي تركوه وانصرفوا عنه. ولا ندري ما سر هذه «الأسودية» التي ظهرت فيهم فجأةً.
إنما كل ما ندركه هو أن هؤلاء في ذلك مثلهم كمثل الذي فقد فرسه، وعندما علم أن سارقه أقوى منه راح يبحث عن سَرج الفرس لعل السارق يزهد فيه، ولكي لا يُقال أنه جَبُن عن المطالبة بحقه.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 4138 - السبت 04 يناير 2014م الموافق 02 ربيع الاول 1435هـ
الشعب
الشعب لن ينتخب هاؤلاء النواب الحكومة رزتهم فهم لايملكون شهادات ولاهم يحزنون انهم لعبة تحركهم الحكومة لاجل مصلحتها المشتكى لله
محمد
موضوع جميل ؟ صدكت فيه مع اني فهمت العنوان خطا فعلا النواب فقدوا الفرس وسراجة وجزء من ثيابهم ؟؟ كانت طويلة
اللهم استر علينا بسترك
سبب البحث عن السرج
اعتقد ان النواب يبحثون عن السرج ليعطوه السارق ايضا ليتقربوا منه لأنه أقوى منهم