تذكروا تاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. أي قبل اثنين وأربعين يوماً من اليوم (السبت)، الرابع من يناير من العام الجديد 2014. في ذلك التاريخ من الشهر «النوفمبري» وُقِّعَ في جنيف، على اتفاق إطار بين إيران والدول الست الكبرى (روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين وألمانيا) حول برنامج إيران النووي.
لكن، ما يجب علينا أن نتذكره أيضاً وبعنايةٍ أكثر، هو تاريخ الثالث عشر من مارس/ آذار من العام 2013. أي قبل مئتين وثمانية وتسعين يوماً من يومنا هذا. أي قبل توقيع اتفاق جنيف «النووي» بمئتين وسبعة وخمسين يوماً. هنا، قد نتساءل: ما أهمية الثالث عشر من مارس من كل تلك الأزمنة؟
في ذلك التاريخ صَدَرَ عن مسئولَيْن إيرانييْن رفيعيْن، تصريحان لافتان. الأول هو لوزير الخارجية السابق (ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية حالياً) علي أكبر صالحي قال فيه: «إن العام الإيراني المقبل (يبدأ في 21 مارس) سيشهد إلغاء إجراءات الحظر الغربية المفروضة على إيران، وأن الاتحاد الأوروبي يدرس إلغاء تلك الإجراءات» ضد بلاده.
والتصريح الثاني هو لممثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس مركز الدراسات والبحوث في مجمع تشخيص مصلحة النظام السابق (ورئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حالياً) حسن روحاني قال فيه بأن «إيران وأميركا يمكن أن تُقيما مباحثات مباشرة في ظروف مناسبة وعادلة». وأضاف روحاني حينها: «إن موقف المرشد ليس معناه أن تبقى العلاقة بين إيران وأميركا مقطوعة إلى النهاية، لأن الخلاف الأميركي - الإيراني يعود إلى الولايات المتحدة بسبب خلافاتها مع إيران، وأن العلاقة الثنائية بين البلدين يمكن أن تتحسن في ظل دبلوماسية هادئة ومعتدلة بين الطرفين».
ثم خَتَمَ روحاني حديثه بالقول: «إن إيران سَبَقَ لها أن دخلت في مباحثات مع الولايات المتحدة حول الموضوعيْن العراقي والأفغاني، لذا فإن المرشد (الأعلى) قد يُبدِي موافقةً في ظل ظروف مناسبة لإقامة مباحثات ثنائية لمناقشة العلاقات بين البلدين». انتهى.
هنا، يجب أن نتحدث بشيء من التحليل بشأن التصريحيْن، مُركِّزاً على الثاني (تصريح روحاني) كونه يحمل جانباً من التفصيل والربط بين أجزاء المشهد الذي انتَظَم تاريخياً حول نَسَق محدد من السياسات الخارجية الإيرانية، مع الإشارة هنا، إلى أن روحاني كان يتحدث بذلك قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية بمئة وأربعة وخمسين يوماً!
أمام كل ذلك، يجب أن نؤكد على ملاحظتين:
الأولى: أن المفاوضات الإيرانية الغربية (والأميركية خصوصاً) هي سابقة لانتخاب حسن روحاني بخمسة شهور، لكنها حتماً قبل إعلانه عن «إمكانية حصولها» بأكثر من ذلك، خصوصاً أن ما سرَّبته «لوس أنجلوس تايمز» قد أكَّد حدوثها ربما يكون قد مضى عليه عام كامل. أي بحساب الشهور، قبل تصريح روحاني بخمسة شهور أخرى تقريباً.
وربما يجيب هذا الواقع ونتيجته على التساؤل الذي طرحناه في مقالة سابقة الأسبوع الماضي، ومفاده: هل من الممكن أن تقوم حكومة حسن روحاني وفي بحر ثلاثة أشهر فقط من انتخابها، بإعادة ترتيب علاقات إيران الخارجية مع الغرب وبالتحديد مع الولايات المتحدة الأميركية؟ فالذي يظهر، أن حكومة روحاني جاءت إلى القِدْر، وقد نَضَجَ إدامُه بفعل مفاوضات سابقة مكثّفة، جرت طيلة الشهور السابقة على انتخابه رئيساً.
ثانياً: بالإشارة إلى تصريح حسن روحاني المذكور، الذي صرَّح به وهو لم يَزْل بعد ممثلاً للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيساً لمركز الدراسات الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، يُظهر حقيقة ما ذكرناه في المقالة السابقة، من أن المفاوضات السرية التي أجرتها إيران مع الولايات المتحدة قبل اتفاق جنيف، كانت تُدار من قِبَل رفسنجاني وفريقه والمجْمَع الذي يرأسه، وتحت إشراف من المرشد نفسه، الذي منحهم موافقة لإجراء مثل تلك المفاوضات.
رفسنجاني نفسه وفي محاضرة له بجامعة كرمان الحرة نهاية الشهر الماضي قال: «إن قرارات قائد الثورة الإسلامية أحدثت انفراجة في المفاوضات النووية»، مضيفاً بأنه و«خلال الشهور الستة المقبلة ستبرهن إيران الإسلامية على أنها أهل للتعامل والحوار». وهنا الرجل يتحدث وكأنه يُثبت حقيقة قيام المرشد بكسر تابو المفاوضات مع واشنطن، وفي الوقت نفسه، يُثبت كونه عرَّاب هذه المحادثات برمتها.
وقبل أيام، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد إسماعيل كوثري، بأن إيران أعلنت عن «تشكيل لجنة من كبار المسئولين في البلاد مع إضافة شخصين آخرين، مهمته مراقبة أداء الفريق النووي الإيراني المفاوض، وينسق معه كامل الخطوات والقرارات ذات الصلة، وتحديد القضايا بصورة تفصيلية للفريق المفاوض».
وقد تدور تفسيرات بشأن دفع التيار المحافظ لشخصيات محسوبة عليه للمشاركة في تلك العملية التفاوضية المعقدة كي لا يغيب عن المشهد. لكن، وفي كل الأحوال، هذا لا ينفي أصل المهمة التفاوضية، في بواكيرها، وعلى أيدي شخصيات قريبة من التياريْن اليميني واليساري الديني، وأعني بها القوى المحسوبة على رفسنجاني واليمين الصناعي.
هنا، يظهر لنا مشهد الداخل الإيراني كما يجب. تيارات تغيب وأخرى تحضر، وجهات عليا عاملة تقوم بما يوازي عمل الحكومة، والأهم من كل ذلك، أن الذي يصيغ علاقات إيران ليس بالضرورة مَنْ يستحوذون على الصورة في الإعلام، وفي الوقت نفسه، لا يُمكن الولوج في تفسير السياسة الإيرانية إلاَّ من أبواب متعددة، وربط واستحضار ما كان يُقال ويجري قبل عام أو أكثر حتى. فالإيرانيون على ما يبدو يرسمون لا أن يقوموا بخرمشات على الجدار.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4137 - الجمعة 03 يناير 2014م الموافق 01 ربيع الاول 1435هـ
رائع
فالإيرانيون على ما يبدو يرسمون لا أن يقوموا بخرمشات على الجدار. عجبتني
مقال رائع يوضح كيف تدار الدول لمصلحة الشعب لا على الشعب / سياسة رصينة و هدف واضح و شكرا أبو عبدالله.
رجل معتدل
كل الذين راهنوا وشككوا في أداء روحاني ظهر لهم اليوم انه رجل حكمة واعتدال
شكرا
مقال مفيد ورائع