حينما فتحنا أعيننا على عالم الرياضة العالمية وتابعنا أهم مبارياتها وابرز نتائجها، وتعلقنا بنجومها التي لا يشق لهم غبار، كانت كرة القدم البرازيلية هي كرة السحرة التي تمتعك بفنونها ومهاراتها العالية وتشدك لمشاهدة مبارياتها الراقية. وما زالت الذاكرة على رغم كل السنين تحمل الكثير من الذكريات الجميلة لمنتخبات البرازيل التي شاركت في بطولات كأس العالم لكرة القدم، فكان الساحر «بيليه» هو الحاوي الذي يتلاعب بالكرة وبالخصم كيف ما يشاء، ولم يكن يوقفه في المباريات إلا «التكسير» والضرب المبرح القاسي في المباريات كما شاهدنا في مونديال انجلترا العام 1966 ثم جاء المنتخب الهولندي ليقدم الكرة الشاملة التي بهرت العالم بأسلوبها الرائع ولكنها وقفت عاجزة عن الفوز بكأس العالم. وفي الألفية الثالثة هل علينا منتخب اسبانيا بإيقاعه الجماعي السريع الذي أعجب العالم، وتوج ببطولة كأس العالم لأول مرة في تاريخه العام 2010.
كماعرفنا في الجانب الرياضي الذي لا يتعلق باللعبة الشعبية الأولى منتخب البرازيل كبطل لا يشق له غبار في لعبة الكرة الطائرة العالمية حينما فاز بألقاب بطولاتها العالمية، وفرض نجومه بطاقاتهم الاحترافية على أهم الدوريات العالمية، إلا إننا لم نعرف قط بأن البرازيل ستكون قادرة على تسطير اسمها على منتخبات أقوياء اليد وإبهار العالم في هذه اللعبة العنيفة التي تحتاج إلى قوة جسمانية هائلة وأداء قوي وسرعة بديهة قد لا تكون حاضرة في كثير من الألعاب الرياضية الأخرى، إلا أن منتخب البرازيل النسائي الذي لم يتأهل قط إلى دور الثمانية في أية بطولة عالمية، كسر هذه القاعدة وبهر العالم بمنتخب يدوي رائع في عطائه وفي فنياته، لم توقفه اعتى منتخبات دول العالم في أوروبا الشرقية معقل اللعبة ولا الغربية، بعد أن استطاع ضرب منتخب صربيا احد معاقل كرة اليد الأوربية في عقر داره وبين جمهوره الحاشد ليفجر اكبر المفاجآت الرياضية بفوزه قبل نهاية هذا العام ببطولة كأس العالم لكرة اليد عن جدارة واستحقاق في بطولة اختلطت فيها الفنيات والأداء الرفيع بالدموع، لتثبت أن البرازيل ليست سحرة العالم في كرة القدم والطائرة فحسب، بل حتى في لعبة كرة اليد، تلك اللعبة التي ولدت في أحضان أوروبا الشرقية وترعرت فيها وكانت منتخباتها تنتزع كل ألقاب بطولاتها منذ انطلاقتها العام 1957، ولم تغادرها إلا مرة واحدة حينما فاز بها منتخب كوريا الجنوبية قبل 18 عاما.
أنا من محبي لعبة كرة اليد وأفضل مشاهدتها في الكثير من الأحيان على اللعبة الشعبية الأولى كرة القدم لأنني أجد في قوتها وسرعتها ما لا أجده في بقية الألعاب الرياضية، وخلال الرحلة الطويلة التي عشتها مع اللعبة لاعبا وحكما وإداريا شدتني الكثير من البطولات، ولكن البطولة الأخيرة كانت لها نكهة برازيلية خالصة تستطيع ان تشم فيها حجم التخطيط العلمي المدروس الذي تضطلع به البرازيل استعدادا لاستضافة اولمبياد ريو دي جانيرو العام 2016.
إقرأ أيضا لـ "عباس العالي"العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ