العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ

فلنوقف الأعذار

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لكل واحد منَّا طاقة هائلة في اختراع الأعذار حين لا تليق عزيمته بفعل أمر ما قد يكون أحياناً حلماً لا يُراد له أن يتوقف.

الأعذار التي نسوقها لأنفسنا قبل غيرنا، والتي غالباً ما تكون معوقاً حقيقيّاً تجاه الإبداع والإنجاز، هي أسوء هذه الأعذار وأشدها فتكاً بحاضرنا ومستقبلنا، فهي ذاتها التي تهدئ الشعور بالذنب أو لوم النفس على عدم إتمام شيء ما يمثل علامة فارقة لأنفسنا وغيرنا في فترة طويلة نسبيّاً من الزمن.

هذا التسويف قد يسوق شعوراً آنيّاً بالراحة بالفعل، لأنه يعتمد على تهدئة النفس بأعذار لو شرّحناها لوجدنا أنها ليست سوى أوهام اعتاد عليها أحدنا بعد أن أعطى عقله الباطن إجازة قسرية كي لا يكشف له حقيقتها وحقيقة إمكانية تجاوزها، فإذا ما اشتغل هذا العقل الباطن، وإذا ما أعطاه الفرصة للعمل، سيجد أن كل هذه الأعذار لن تمثل سوى قشور تكوّنت كي تحجب عنه قوة عزيمته وإرادته التي لا يحدّها شيء، والتي بإمكانها إخضاع كل الكون ليسير معه في نفس التيار كي يصل إلى أهدافه.

في الواقع نجد الكثير من الأمثلة التي تمثّل لنا حافزاً لوقف كل هذه الأعذار والانطلاق باتجاه تحقيق أمنياتنا، فالخطوة الأولى التي خطوناها في طفولتنا المبكرة وسط تصفيق من حولنا ودهشتهم كانت إنجازاً بسبب قوة عزيمتنا الفطرية المزروعة بداخلنا، والكلمة الأولى التي نطقنا بها كانت كذلك أيضاً، وما النجاحات المتكررة التي نحققها في شتى المجالات والتي يحققها غيرنا إلا دليل على هذه العزيمة، التي متى ما تحركت لن يوقفها أي عذر.

ولتحقيق هذه الغاية لابد لكل منَّا أن يحدد هدفه المنشود ثم يراقب حواره الداخلي مع ذاته، وأن يغيّر كل ما هو غير توافيقي مع هدفه إلى ما هو توافقي، ثم يبدأ بالثقة التامة بقدراته ويتحدى بها من استطاعوا تحقيق أحلامهم برغم ما لديهم من إمكانات بسيطة قد لا تصل إلى ما لديه، فما رجل الجبال الهندي إلا واحداً من هؤلاء الذين حققوا أهدافهم بواسطة إرادتهم فقط، فقد توفيت زوجة «Dashrath Manjhi»، الذي يسكن في قرية نائية ومعزولة في الهند، بين يديه بعد أن أصيبت إصابة خطيرة جداً، وبسبب بعد المسافة بين المستشفى والقرية، والطريق الطويل الوعر لم تصل سيارة الإسعاف في الوقت المناسب فماتت رفيقة دربه.

طلب من الحكومة بعد ذلك أن تشقّ نفقاً في الجبل لاختصار الطريق إلى القرية حتى لا تتكرّر هذه الحادثة لأناس آخرين ولكنّها تجاهلته؛ فقرّر أن ينهي تلك المأساة التي يعيشها هو وأهل قريته بنفسه؛ فأحضر معولاً وقرّر حفر طريقٍ صخري بين الجبل بيديه.

وكغيره ممن يطرحون أفكاراً تبدو مستحيلة لغيرهم، سخر منه جميع أهل القرية واتهموه بالجنون، لكن هذا الفلاح أمضى 22 عاماً في حفر الجبل، فنجح في أن يشقّ طريقاً بطول 110 أمتار، وبعرض 9 أمتار، وبارتفاع 7 أمتار، لتصبح المسافة بين قريته والمدينة فقط 7 كيلومترات بعد أن كانت 70 كيلومتراً؛ وأصبح باستطاعة الأطفال الذهاب إلى المدرسة وأصبح بإمكان الإسعاف الوصول في الوقت المناسب.

هذا الفلاح الذي وضع هدفه أمام عينيه لم يكل أو يمل، وهو الذي لم يملك غير فأسه، لأنه أوقف جميع الأعذار وقرَّر الانخراط في العمل لإنجاز مهمته، وهو ما نستطيع فعله جميعاً إن أوقفنا الأعذار أيضاً، وألغينا جميع المحبطات من حياتنا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:26 م

      روعة

      قصة جميلة و العبرة عميقة

    • زائر 4 | 11:05 ص

      تعليق بسيط

      كثير منا يدرك أنه با ستطاعته تحقيق مايريد ولكنه يختلق الاعذار عبثا فلو حاول التجربة والتكرار في الوقت الذي أهدر في خلق والتعذر بالاسباب غير مقنعة لوصلو

    • زائر 3 | 1:19 ص

      شكرا سوسن

      جميل أن نستهل عامنا بمقالك المليء بحماس الشباب وتفاؤله وعزيمته

    • زائر 1 | 1:18 ص

      مقال ملهم

      شكرا لكاتبتنا التي اشتقنا لها ولروح الامل العظمى التي تبثها فينا

اقرأ ايضاً