العدالة الانتقالية مفهوم حديث، فرضته التحولات التي عصفت بالكثير من الدول، خلال فترة العشرين سنة الماضية، وانتقلت بموجبها ما يزيد على سبعين دولة من أنظمة ديكتاتورية، أو عسكرية، أو شمولية، إلى أنظمة حكم متجهة للديمقراطية.
فقد شهد العالم أكبر عملية تحوّلات سياسية في التاريخ خلال الحقبة المذكورة، حيث خرجت إلى الوجود 24 دولة جديدة، بحاجةٍ إلى الكثير من الجهد النظري والتفكير لضمان تحولات سلمية وديمقراطية. وكان أكثر تلك التحولات ما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق أو شرق أوروبا، وتحديداً يوغوسلافيا السابقة، وكذلك تحولات في الدولة ذاتها في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
بالطبع لم تنجح كل عمليات الانتقال، في تحقيق الاستقرار، ومازال بعض تلك الدول يراوح مكانه غير قادر على التحرك نحو مزيد من الديمقراطية. بل إن بعض تلك الدول لم يختلف فيها «العهد الجديد» عن النظام القمعي السابق إلا في بعض الرتوش والوجوه والشعارات المرفوعة، وظلت الممارسات القديمة وأجهزة النظام السابق.
ويُعزى ذلك الفشل والتلكؤ، بدرجة كبيرة، إلى ضعف تطبيق حزمة إجراءات العدالة الانتقالية، وأن أغلب الدول التي شهدت تراجعاً في ذلك هي من الدول التي لم تطبق أياً من مبادئ العدالة الانتقالية، أو من تلك التي طبقتها بانتقائية ملحوظة.
على المستوى العربي، فإن الدول الأربع وهي اليمن وليبيا وتونس ومصر، حتى الآن، لم يتم تطبيق العدالة بالشكل المأمول في أيٍّ منها، وإن كانت هناك محاولات جدية، هنا أو هناك. بل كان لافتاً أن أكثر تجربة جدية عربياً قد تمت في بلد عربي آخر، غير متحوّل، وهو المغرب، الذي يبدو أن استجابة ملك المغرب، كانت أفضل من غيرها عربياً، حتى اللحظة. ولذلك تفاصيله، كما للخلل في التطبيق تفاصيله كما سنرى.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4129 - الخميس 26 ديسمبر 2013م الموافق 23 صفر 1435هـ