العدد 4128 - الأربعاء 25 ديسمبر 2013م الموافق 22 صفر 1435هـ

الجزائر... شيءٌ من الذاكرة «الحمراء»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أستعيد جزءًا من الذاكرة «الحمراء»، وعبر أرشيف متابعتي (حينها) إلى ما قبل اثنين وعشرين عاماً عندما كان المصدر قرطاساً حصراً. ففي مثل هذا اليوم، السادس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 1991، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في أوَّل انتخابات تشريعية حُرَّة ونزيهة تُجرَى في الجزائر. 5712 مرشحاً توزعوا على 49 حزباً ومستقلين تنافسوا على 430 مقعداً برلمانياً.

في الدورة الأولى من الانتخابات، التي يتوجَّب حصول الفائز فيها على أكثر من 50 في المئة، أفرزت 232 مقعداً فائزاً، حازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ منها على 188 مقعداً! وحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) على 16 مقعداً، وجبهة القوى الاشتراكية على 25 مقعداً، ونثاراً من المقاعد (ثلاثة مقاعد) على المستقلين.

كانت النتيجة صادمة للأحزاب الجزائرية الأخرى. وكانت الصورة الحتمية، أن المقاعد الـ 198 المتبقية، ستأكل الجبهة الإسلامية للإنقاذ منها 144 مقعداً، وهي الدوائر التي قررت الترشح فيها، ما يعني أنها ستستحوذ على 332 مقعداً من أصل 430 مقعداً، أي 77 في المئة من المقاعد البرلمانية!

قبل أربعة أيام من الجولة الثانية من الانتخابات، أي في السادس عشر من يناير/ كانون الثاني 1992، استقال الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، وحُلَّ البرلمان، وسُلِّمَت السلطات الرئاسية إلى مجلس دستوري، لتقرر الحكومة الجزائرية لاحقاً إلغاء الانتخابات إلى أجل غير مُسمَّى، ثم تطلب من الجيش وقوات الأمن التأهب لحماية البلاد وصيانة الدستور وحماية المؤسسات الرسمية.

بعد هذا التاريخ، استعدَّت الجزائر للدخول في أسوأ صراع دموي، راحَ ضحيته مئتا ألف قتيل، في عشريَّة حمراء/ سوداء، بِفعل 6040 عملية إرهابية. تَدَاعَت فيها كل لوثات السياسة والسلطة والعقل والضمير والتديُّن الأسود، ليُذبَح أطفالٌ ونساءٌ وشيوخٌ، ليس بالرصاص فقط، بل ذبحاً بالسكاكين المُثلَّمة، وسواطير الجزَّارِين وأهل القصَابة.

خلال تلك الفترة، كانت الظروف الإقليمية والدولية هائجة. فكانت حرب الخليج للتو منتهية، وكذلك الحرب الأهلية في لبنان. وانهار حكم سياد بري في الصومال، وبدأت محادثات السلام بين العرب و»إسرائيل»، وَسَرَى وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية، وهُزِمَ منغستو هايلي ميريام في إثيوبيا، وبدأت بواكير انتصار المجاهدين في أفغانستان.

بدأت أحداث الجزائر الدموية على أثير كل هذه الأحداث الدولية. وما كان يُنظَر إليه على أنه فِعْل بَشِعٌ قام به المحتلون الفرنسيون ضد الشعب الجزائري، بفتحهم بطون النساء الحوامل، للرِّهان على «جنس أجِنَّتِهِم» إن كان ذكراً أو أنثى، بات الجزائريون يرون ما هو أنكى منه خلال عقد من السنين، لم يُوفِّر الذبح فيه كبيراً ولا صغيراً ولا عاقلاً ولا مجنوناً.

اختلطَ حابل السياسة بنابِل الدين، والاثنان بكل شيء. الدولة الجزائرية، تتهم الإسلاميين (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) بمذابح القتل، والإسلاميون يتهمونها بالمثل. الدولة تقول: مَنْ هو إذاً قاتل عوائل موظفينا في الأمن والجيش من النساء والأطفال؟ والإسلاميون يقولون مَنْ هو إذاً قاتل عوائل أنصارنا في المدن والقرى من النساء والأطفال؟

انتهى كلُّ شيء. أقرَّ الجميع، أن هناك جبهة ثالثة عمياء تقوم بالذبح اسمها «الجماعة الإسلامية المسلحة»، لكن بَقِيَ الجانبان (الدولة والجبهة) يتناوبان على اتهام بعضهما باختراق تلك الجماعة، في حين، ظلَّ قادتها من عنتر الزوابري، وجمالي زيتوني يتلذذون بقتل الجزائريين، يُقطِّعون أطراف الأطفال، ويبقرون بطون النساء، ويَفئِسُون رؤوس الرجال.

تزداد المذابح في شهر رمضان المبارك «تيمناً» بالشهر الكريم! مرَّت الأعوام من 1992 وحتى العام 2002 على الجزائر، فحوَّلتها إلى مسلخٍ يزيد طوله عن المليونيْ كيلومتر مربع! في إحدى المرات، عندما هُوجِمَت قرية ولد مهدين المعزولة قرب مدينة تنس بدا أن الأمر أكثر من دموي، وأن منفذيه لا يلجمهم دين ولا إنسانية، بل ولا حتى حيوانية ذئبية منفلتة.

ذبحوا ثلاثين شخصاً بالسكاكين «بينهم أطفال رضع وامرأة حامل». بعد المجزرة، شاهدَ أناسٌ «رضيعاً عمره ثلاث سنوات مذبوحاً وقد انتُزِعَت أحشاؤه عند أطراف القرية». في ذات وقت المجزرة، ذُبِحَت عائلة من ثمانية أشخاص بالقرب من خميس مليانة بالسلاح الأبيض، فيما رُمِيَ خمسة عشر صبياً بالرصاص بينما كانوا نياماً في مدرسة!

مَنْ كان يقتل مَنْ وإلامَ ولِمَنْ؟ طبيب نفساني جزائري قال لتحقيق أجرته مجلة المشاهد السياسي في مايو/ أيار من العام 1997: «إن تكفير المجتمع لا يُفسِّر لوحده فظاعة تلك الأعمال، وأن الانفصال عن المجتمع الذي كان في البداية، إما لسببٍ عقائدي أو مادي أو لفرض الذات، يؤدي بصاحبه إلى الشعور بالتفاهة إذا لم يجد استجابة من المجتمع».

ثم يضيف ذلك الطبيب: «إن رؤية صيرورة الحياة بصورة طبيعية في ذلك المجتمع ممثلاً في القرية أو البلدة، يدفع بأولئك الشبان إلى حافة الجنون، أو إلى ما يشبه حالة حب الانتقام من أولئك الذين استمروا في حياتهم واستجابتهم للمتطلبات السياسية والاجتماعية».

نستذكر اليوم محنة الجزائر، لكي نُدرك، أن الذين خاضوا أقسى أنواع النضال ضد المحتل الفرنسي، لم تعد تستهويهم كثيراً شعارات السياسة، بسبب قلة ثقتهم بها، إلى الحد الذي مرَّ عليهم ما يُسمَّى بـ «الربيع» العربي دون أن يقولوا فيه كلمة واحدة، على الرغم من أن جواريْن مباشريْن لهم (تونس وليبيا) قد تهاوى نظاماهما بفعل ذلك «الربيع» الذي تحوَّل إلى خريف ثم إلى شتاء، وربما ينتهي إلى صيف مرة أخرى دون أن يشعر الجزائريون به وهو حق لهم بكل تأكيد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4128 - الأربعاء 25 ديسمبر 2013م الموافق 22 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:45 ص

      متابع ... عن اسرائيل

      نرجوا من الكاتب القدير أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟

    • زائر 4 | 12:42 ص

      عبد علي البصري

      اشكرك شكرا جزيلا بس ما كان لك اي رأي أو تفنيد , هذي مجرد سرد احداث , مع جزيل الشكر .

    • زائر 3 | 12:32 ص

      عبد علي البصري

      بعد مقتل الشيخ حسن اشحاته في مصر لم يمضي اسبوع على السلطه المصريه حتى ذهبت ، والسبب هو الدم , والله لو أن الجزائرييين ((الذين ارتكبوا هذه الجرائم )) لم يرتكبوا هذه البشاعه , لربما كان النصر حليفهم . ولاكن استعجلوا على النار وكانوا احق بها .

    • زائر 2 | 12:16 ص

      عبد علي البصري

      بصراحه كنت اتابع هذه المشاهد على قناه الجزيره كما اعتقد . بشاعه غير متصوره

    • زائر 1 | 12:09 ص

      ماذا لو

      لو تسلم هؤلاء اسلطه في الجزائر ، ماذا سيحدث ؟؟؟؟ لما استلموا السلطه في مصر ماذا حدث ؟؟؟ لمااستلموا السلطه في افغانستان ماذا حدث ؟؟؟؟ وكذلك سيستلموها في سوريا ؟؟؟ والمستقبل اعظم .

اقرأ ايضاً