«في البداية ربطوا الشخص، ثم طلبوا مني أن أقتله بعصا خشبية كبيرة وغليظة، كان صبياً من الزاندي، شاهدت عشرة أولاد وبنات تم قتلهم بنفس الطريقة، وفي كل مرة يتم قتلهم بواسطة أطفال آخرين تم خطفهم، كانوا يختارون ضحيتهم عشوائياً، ثم يوجهون إلينا الأوامر: خذ عصاك واقتل هذا الحيوان»... تلك كانت شهادة أحد النازحين.
«هربنا من جيليما في 2009، حيث هاجمنا هناك «جيش الرب»، ففررنا إلى بانجادي، ولكن «جيش الرب» عاود هجومه علينا هناك، فقتل اثنين من أطفالي واختطف ثالثاً، وحتى الآن لم يعد، كذلك قتل اثنين من أقارب زوجي. ولذلك قررنا الهروب والنزوح إلى دونجو، والتي وصلنا إليها في يوليو 2010. وفي الطريق تعرضنا للكثير من الإساءات والاعتداءات من الجنود، ولأن ابن أخي لم يكن يفهم لغة «لنغالا»، فقد كان يعرف لغة «بازاندي» فقط، ولذا كانوا يتهموننا بأننا جواسيس «لحزب الرب»، دفعنا الكثير من المال لكي نتمكن من العبور، فخسرنا كل ما لدينا. حالما وصلنا إلى دونجو استطعنا النوم تحت شجرة، ثم أعطانا أحدهم كوخه، كان كوخاً صغيراً جداً مع هذا العدد الكبير من الأطفال، فنمنا فيه 12 شخصاً، ثم حصلنا على عرض لبيت في كنيسة، إلا أن البيت نفسه كان آيلاً للسقوط، وكان صاحب المنزل يسعى إلى طردنا، حتى علمنا أن هناك مخيماً قريباً بدأ النازحون تشييده، وها نحن هنا».
الصراع في وعلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، له سنوات يستعر، ويشتعل، ويتعقد، والحرب مستمرة، والضحايا من المدنيين في ازدياد، وهي في حالة جمود لا غالب، ولا مغلوب إلا الحقيقة... والكثير الكثير من المدنيين، وسيظل المتحاربون يتحاربون، كلٌّ يدعي أنه أقرب إلى الله، والله بريء مما يدعون وما يزعمون. فمادامت هناك دماء أبرياء سالت، عن عمد، فلا علاقة للدين بما يجري، مهما ادعى من ادعى ومهما زعم من زعم.
المشهد في سورية ليس ببعيد، وإن بتفاصيل مختلفة. التقيت بنازحين سوريين منذ أيام، الروايات تتشابه، والألم يعتصر القلب والكبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الذي يدعي أغلب الفرقاء أنهم يمثلونه، وهو بريء مما يفعلون، وما يقتلون، وما يسفكون من دم حرام.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4124 - السبت 21 ديسمبر 2013م الموافق 18 صفر 1435هـ