العدد 412 - الأربعاء 22 أكتوبر 2003م الموافق 25 شعبان 1424هـ

التوتر يخيم على العلاقات الألمانية السعودية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

زوار العاصمة الألمانية السابقة يعتقدون أنه مبنى من أيام ألف ليلة وليلة. لكن سكان مدينة بون يسمونها «مكة الألمانية» وحين افتتح المبنى في صيف العام 1995 جاء وزير الخارجية الألماني انذاك كلاوس كينكل، كما جاء الرئيس الحالي للجمهورية الألمانية يوهانيس راو، وجاء أيضا الأمير عبدالعزيز بن فهد ممثلا الأسرة السعودية الحاكمة. وأشادت العمدة الأعلى لمدينة بون بيربيل ديكمان بهذا الصرح الثقافي الذي يبرز عمق التسامح بين الديانات. لم يوفر أحد عبارات الإشادة بأكاديمية الملك فهد في مدينة بون التي كلف تشييدها 30 مليون مارك (15 مليون يورو)، والتي قامت في ضاحية بون باد غودسبيرغ وفتحت أبوابها لمئات الطلبة العرب. فقد وجدت العائلات العربية المقيمة في بون وضواحيها في الأكاديمية فائدة لتعليم أولادها منهاجا عربيا والعلوم الإسلامية ودفع هذا بعض العائلات إلى الانتقال من مناطق بعيدة للعيش في بون بهدف حصول أولادها على التعليم العربي الإسلامي.

منذ وقت يهتم مكتب حماية الدستور (البوليس السري الألماني) بما يجري داخل «أكاديمية الملك فهد» إذ يشتبه بأنها أصبحت منذ وقت ملتقى لإسلاميين متطرفين بينهم وجوه معروفة عند سلطات الأمن المحلية. وتنبهت سلطات الأمن الألمانية لذلك منذ أن عرضت محطة التلفزة الأولى (آي آر دي) شريطا ضمن برنامج «بانوراما» شكك بالنهج التعليمي للأكاديمية في إشارة إلى حصص الدين وكون الطلبة يحصلون على حصة أو حصتين في الأسبوع لتعلم اللغة الألمانية. وكانت السفارة السعودية قبل انتقالها إلى برلين تشرف على أمور الأكاديمية ثم عهد إلى مجموعة من الأشخاص لتحمل هذه المسئولية. لكن الموضوع المهم الذي طرحته محطة التلفزة الألمانية الأولى لا يتعلق بمنهاج التعليم بقدر ما يتعلق بأمن ألمانيا.

بعد هجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 على الولايات المتحدة سارعت ألمانيا إلى الانضمام للحرب المناهضة للإرهاب ثم قام وزير الداخلية المعروف بلقب الشريف الأسود بإعلان الحرب على الإسلاميين المتطرفين. وفي هذا السياق حظر نشاطات بعض التنظيمات أهمها تنظيم «دولة الخلافة» التركي الذي يتزعمه محيي الدين قبلان ابن مفتي أضنه السابق جمال الدين قبلان كما استجاب شيلي لطلب «الموساد» الإسرائيلي وحظر نشاطات مؤسسة الأقصى الخيرية في مدينة آخن التي كانت تعمل في جمع التبرعات لإغاثة عائلات الشهداء الفلسطينيين، بحجة أن هذه المؤسسة تجمع التبرعات لحركة «حماس». وكشف برنامج «بانوراما» أن بعض الأشخاص الذين يخضعون لمراقبة البوليس السري الألماني لهم صلة بالأكاديمية. منهم من قام بالانتقال للإقامة في مدينة بون التي غاب عنها المجتمع الدبلوماسي بعد انتقال العاصمة إلى برلين قبل أكثر من عامين، وأن هؤلاء الأشخاص لهم صلة بمنظمة «القاعدة». وزاد الأمور سوءا ما نجح فيه فريق تلفزيوني ألماني بتسريب كاميرا إلى داخل المسجد الملحق بالأكاديمية وسجل خطبة الجمعة وجاءت فيها دعوة الخطيب، التابع للأكاديمية، لحرب الجهاد مما أتى على أمر له حساسية بالغة عند الألمان. للدلالة على حساسية هذا الموضوع حمل المستشار الألماني غيرهارد شرودر ملف «أكاديمية الملك فهد» معه إلى الرياض حين زارها في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري وطلب من ولي العهد السعودي الأمير عبدالله أن يبت في هذه القضية. لكن التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الألمانية تتحدث عن عزم السلطات التربوية في ولاية شمال الراين وستفاليا وبالاتفاق مع سلطات الأمن المحلية، على غلق أبواب الأكاديمية. وتجري العادة على أن يطلب أولياء الأمور العرب من الجهات المختصة في دار بلدية بون الحصول على إعفاء لأولادهم من التسجيل الإجباري في مدارس ألمانية، على رغم أن المشرفين التربويين الألمان كانوا منذ البداية ينظرون بريبة الى عدم وجود معلمين ألمان في جهاز التعليم لتدريس الطلبة. من الناحية التربوية لم تحل الأكاديمية مكان المدرسة الألمانية وبعد التخرج يدرس طلبة الأكاديمية اللغة الألمانية مدة عام حتى ثلاثة أعوام قبل الحصول على مقعد جامعي. لكن مسألة المنهاج التعليمي في الأكاديمية مشكلة ثانوية مقارنة بالمشكلة الأمنية التي تزيد التوتر الطارئ على العلاقات بين ألمانيا والسعودية. وتعتقد سلطات الأمن الألمانية أن الأكاديمية تسهم في ظهور جيل جديد من الإسلاميين المتشددين. وذكرت صحيفة «زود دويتشه» نقلا عن مصادر في شرطة بون أن مجموعة من الإسلاميين انتقلوا في الفترة الأخيرة إلى المدينة. ويراقب البوليس السري بصورة خاصة مواطنا مصريا يحمل الجنسية الألمانية يدعى رضا. س يبلغ من العمر43 عاما. يشاع أنه يعمل في الأكاديمية لكن تاريخه حافل بما يعزز مخاوف الالمان. إن السيرة الذاتية لحياة رضا. س تعزز ظنون المسئولين الأمنيين بأن الإسلاميين بغض النظر عما إذا كانوا عربا أو أتراكا فإنهم يسعون الى الزواج من مواطنات ألمانيات بغرض الحصول على الجنسية وضمان عدم إبعادهم عن ألمانيا. ويفكر وزير الداخلية الألماني في تعديل قانون الجنسية كي يصبح بالإمكان في المستقبل سحب الجنسية من الإسلاميين تسهيلا لإبعادهم إلى بلدانهم الأصلية. وقال المسئول عن ملف «أكاديمية الملك فهد» بوزارة داخلية ولاية شمال الراين وستفاليا لودجر هارماير انه ليس بوسع السلطات الألمانية الوقوف مكتوفة حيال ما يجري. بعد الشريط الذي عرضته محطة التلفزة الأولى وقيام مجلة «دير شبيغل» بالتطرق لهذا الموضوع وكذلك صحيفة «زود دويتشه» ثم طلب المستشار من المسئولين السعوديين اتخاذ الحل المناسب، يدرس الألمان إجراءات منها توقف مدينة بون عن إصدار إعفاء التسجيل في مدارس ألمانية للطلبة العرب.

ويأتي هذا التطور السلبي على العلاقات الألمانية السعودية في الوقت الذي بدأ فيه البوليس السري الألماني يراقب السفارة في برلين وهذه معاملة تخضع لها عادة سفارات الدول «المارقة». والسبب في ذلك أن أحد الدبلوماسيين ويدعى محمد فقيهي كان على صلة بمنير المتصدق الشاب المغربي الذي أدانته محكمة هامبورغ بالمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر إذ عثر في شقة المتصدق على بطاقة تعريف تعود الى الدبلوماسي السعودي. وكان محمد فقيهي يعمل في السفارة مشرفا على قسم الشئون الإسلامية الذي يشرف أيضا على تمويل الجوامع والمراكز الثقافية. وتم حل هذا القسم منذ أسبوع ويقوم عدد من الرجال بتوزيع الصحف والمنشورات التي كان يحتويها هذا القسم على محلات البقالة العربية في برلين

العدد 412 - الأربعاء 22 أكتوبر 2003م الموافق 25 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً