«فيما تتسابق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي في سباق مع الزمن، لتحقيق الأهداف الألفية للتنمية بحلول العام 2015، فإن ذلك ليس هو الحال بالنسبة للبحرين، نظراً للإجراءات الردعية للمعارضين وتشديد إجراءات التمييز العنصرية والدينية».
هذا ما خلصت إليه الجمعية البحرينية للشفافية في زمن الضبابية. هذه الجمعية التي يشعر الإنسان بالأسى حين يحضر دعوتها السنوية لتقييم «مؤشرات مدركات الفساد العالمي»، كما هذا العام 2013، ليس لأن الجمعية هي السبب في ذلك؛ فهي تسعى، بحسب رسالتها المعلنة، إلى نشر القيم والمبادئ الداعمة للشفافية والمناهضة للفساد وتأكيد حرمة المال العام وحمايته كواجب على أي مواطن، ترجمةً لما جاء في مواد دستور مملكة البحرين (المادة 9، فقرة ب)؛ إنّما يأتي الأسى من الناس أو الجمهور من حولنا، سواءً كانوا من ذوي الشأن والمواقع الاجتماعية والسياسية المختلفة، أو الناس العاديين.
فلربما الجميع يأنس للقلقة اللسان و»الحشّ» في الحكومة أو في المسئولين، حول قضايا الفساد وحكاياتها البحرينية العجيبة، من خلال المجالس الخاصة والعامة، أو حتى في الشوارع والمقاهي، لكن حين يجدُ الجِد ويدخل الأمر في النواحي العلمية والحضارية سعياً لكيفية التعامل مع هذا الوباء المستشري بين فئات المجتمع، الكبار منهم منصباً قبل الصغار، وسُبل محاربته، لا تجد إلا أفراداً لا يزيدون على عدد أصابع اليدين بقليل. فكيف تريدون للفساد أن يقل أو يندحر إذا كنا لا نعلم بأن هناك جمعية تدعى «البحرينية للشفافية»، تأسّست منذ نوفمبر 2001 بقرار وزاري صادر عن وزير العمل والشئون الاجتماعية، وهي الوحيدة المتخصّصة في تعزيز الشفافية ومناهضة الفساد في مملكة البحرين، وتمتلك اعترافاً دولياً بانضمامها بعد أربع سنوات فقط من التأسيس إلى عضوية «منظمة الشفافية الدولية»؛ وأنها حصلت على العضوية الكاملة العام 2009 بعد تحقيقها لجميع متطلبات العضوية حسب المعايير الدولية.
وهذه رئيسة الشفافية الدولية «هوغيت لابيل»، تدعم توجه الجمعية، حين تُعلن بصراحةٍ تامة، أن مؤشر مدركات الفساد لعام 2013 يؤكد «أن جميع الدول مازالت تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية».
فماذا عن بلدكم البحرين؟ خصوصاً وأنها انضمت لاتفاقية مكافحة الفساد في العام 2010 وأودعت وثائق التصويت في العام 2013، وبذلك أصبحت الاتفاقية ملزمةً لبلدكم البحرين ولكل السلطات الثلاث فيها... ملزمةً لها بموجب القوانين الوطنية للقطاع الخاص والمجتمع المدني.
أولاً: يجب أن نعلم بأن مؤشر مدركات الفساد لم يصدر من «جهات تعمل وفق أجندة خارجية»، كما تعوّدت الجهات الرسمية أن تعلن ضد كل تقرير حق يصدر من جهات دولية عن واقعنا؛ بل هو مقياس للفساد العالمي يلاحق مستويات الفساد في القطاع العام في 177 دولة ومنطقة في شتى أنحاء العالم.
ثانياً: يقول البعض ممن يعملون في مجال مكافحة الفساد، أينما وجد النفط يُعشش الفساد. وبينما يحصل الكيان الصهيوني، للأسف، على الترتيب 36 في مؤشر مدركات الفساد، تحصل البحرين على الترتيب 57 في المؤشر لهذا العام، متخلفةً بأحد عشرة نقطة خلال السنوات الثلاث الماضية بين 2011 -2013، وبتراجع خطير جداً في غضون عشر سنوات فقط أفقدها 30 ترتيباً. ولعمري إن هذا الأمر يحتاج إلى وقفةٍ جادةٍ والبحث ملياً، من جهات ومؤسسات محايدة لا حكومية، في هذه القضية، إذا أردنا الخير للبلد. وإذا علمنا بأن بلداً خليجياً مجاوراً لنا مثل دولة الإمارات تحصل على المرتبة 26، بمعنى أنها تسعى لمكافحة الفساد فعلاً، لا قولاً. ولا يكفي أن نعلن في الشوارع عن أرقام اتصال معينة للتبليغ عن الفساد وكأننا نعالج مخالفةً مرورية، أو نبلغ عن سرقة «دكان» في وضح النهار!
ثالثاً: لماذا أضحت هذه العناوين (استرجاع الأموال والأراضي المنهوبة، ورصد الأموال الخفية، وملاحقة ومحاكمة المتورطين في جرائم الفساد فرداً فرداً)، من أحلام اليقظة البحرينية حصرياً؟
رابعاً: إن الانضمام إلى أية اتفاقية دولية لمكافحة الفساد لا تعني نهايته، بدليل أن الفساد، بشهادة ديوان الرقابة، يزداد كل عام! فمكافحة الفساد تكون بتعزيز النزاهة والشفافية، كما يقول رئيس البحرينية للشفافية، وباختيار سياسي بالدرجة الأولى، وليس «مانشيتات» في الصحافة. وبدلاً من التعاون مع الجمعية الوحيدة في البحرين في هذا المجال لمكافحة هذا الداء البشري والعودة بالبحرين إلى العام 2003، حين كانت هي الأفضل بين الدول العربية حين احتلت الترتيب 27 عالمياً على مؤشر الفساد؛ تتعرّض هذه الجمعية إلى حملة تشهيرٍ منظّمةٍ في الإعلام، وتضييقٍ عليها من قبل السلطات الرسمية، في تناقض صارخ مع روح ونص اتفاقية مكافحة الفساد التي انضمت إليها البحرين.
خامساً: لن نعيد اجترار قضايا الفساد الكبرى والمتوسطة والخفيفة، وكأننا نعدّد أنواعاً من الزيوت، مثل: الفساد في ملف الأراضي المنهوبة، وفي ملف التأمينات الاجتماعية، وفي ألبا، التربية، الصحة، الجمارك، التسجيل العقاري، البلديات، الإسكان، أو مكافآت شركة حكومية لأشخاص بذاتهم، بمبالغ تصل إلى 2.3 مليوني دينار بحريني! أو عمولات ورشاوى بالملايين هنا وهناك، والقائمة تطول كل عام ولا تقصر، ولكن فقط لنضع سؤالاً وجواباً له: هل تعلمون لماذا يحدث كل هذا الكم الهائل من الفساد ببساطة عندنا؟ لأسباب بسيطة أكثر، تتركز في الثلاثية الشيطانية: سوء استخدام السلطة، والمعاملات السرية، والرشوة.
وختاماً، لا نقول كما يقول المفسدون في الأرض «دعه يمر، دعه يفسد»، بل نقول كما قال الأمين العام للأمم المتحدة «إن الفساد ينتهك حقوق الإنسان الأساسية»، وكما قالت الرئيسة هوغيت: «حان الوقت لوقف من يفلتون بالفساد، وليس من الفساد، وإن الثغرات القانونية وغياب الإرادة السياسية في الحكومات تسهل من الفساد المحلي والفساد العابر للحدود».
ولا قول بعد هذا سوى دعوة المواطن العزيز للبدء بفضح ومكافحة الفساد... فعلاً لا عن طريق حكاوي المقاهي! وكل عام وأنتم بلا فساد.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4119 - الإثنين 16 ديسمبر 2013م الموافق 13 صفر 1435هـ