العدد 4118 - الأحد 15 ديسمبر 2013م الموافق 12 صفر 1435هـ

مسيرة الأحرار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الثلث الأول من القرن العشرين قاد المهاتما غاندي في قارة آسيا حركته ضد الاستعمار البريطاني، وفي الثلث الثاني قاد مارتن لوثركنغ حركة الحقوق المدنية في أميركا، وفي الثلث الأخير قاد نيلسون مانديلا حركة التحرر من نظام الفصل العنصري في أفريقيا.

السلسلة تبدو مترابطة الحلقات، فالنزوع البشري نحو الحرية ملازمٌ للإنسان مذ ولدته أمه. وإذا وجدتم أشخاصاً يميلون للانقياد والقبول بالتبعية والاستعباد، فلابدّ من وجود خللٍ ما. الحرية هي الأصل، والشذوذ هو القبول بالاستعباد.

هؤلاء الزعماء الثلاثة، كلهم تعرّضوا إلى مواقف مهينة، من إهانات لفظية وتعديات جسدية، سواءً كأفراد أو مجتمعات، وكلهم كرّسوا حياتهم من أجل قضيةٍ نبيلة، وهي الدفاع عن حرية وكرامة الإنسان. وكلهم تعرّضوا لتجربة السجن، وقُدّموا لمحاكماتٍ صورية، وحكم عليهم قضاةٌ تنقصهم النزاهة، ويفتقرون إلى العدالة وصحو الضمير.

تاريخياً، من الثابت تأثّر مارتن لوثركنغ، بأفكار المهاتما غاندي وحركته السلمية، وتأثر مانديلا بأفكارهما معاً. إنها إحدى تجليات حركة الفكر البشري ونزعته الدائمة نحو التحرّر والانعتاق. لقد خلق الله الناس أحراراً، ويريد بعضهم أن يستعبد الآخرين ويسوقهم مثل العبيد. هذا هو جوهر الحركات الكبرى في التاريخ.

لوثركنغ الذي سُجن مراراً مع أنصاره لمناهضته التمييز العنصري ضد السود، تعرّض لمحاولة اغتيال في 1959، وبعد نقاهته فكّر بزيارة الهند، فنصحه أحد أصدقائه: «لا تعطِ مالاً للمتسولين»، ونصحه آخر: «إذا أردت أن تعرف الهند وتفهم برنامج غاندي، فاخرج من المدن إلى القرى. هناك سترى الحياة الحقيقية للناس». في اليوم الأول سقط في الامتحان، حين تقدّم له بعض الفقراء على باب الفندق فنفحهم مالاً، وحين عُوتب على ذلك لمخالفته مساعي الحكومة الهندية لمكافحة التسول، أجاب: «ماذا يمكنك أن تفعل حين يقترب منك طفل جائع أو عجوز مهزولة تشير إلى أنها جائعة»؟ كان يمتلك قلباً مفعماً بالرحمة وحبّ الناس.

أما النصيحة الأخرى فنجح فيها، إذ اصطحب زوجته في جولةٍ عبر الهند لمدة شهر. وخاطب الصحافيين مرةً: «قد أذهب لبلدان أخرى كسائح، أما الهند فأزورها كحاج». كانت تعاليم غاندي تلهمه، وكان يقول: «إن روح الحركة وحيويتها قد جاءت من الدين، وأما طريقتها فقد جاءت من غاندي». وكان يتذكر كلماته: «ينبغي للشعب أن يقدّم على مذابح الحرية قرابين من القلوب الطاهرة، وسيبلى صبركم بلاءً شديداً بضروبٍ من الاستفزاز والاضطهاد. ولكن: لا يسلم إلا من صبر إلى النهاية، بهذه الطريقة وحدها تغنمون الحرية والاستقلال الحقيقي». وكان ذلك درساً بليغاً.

حين التقى نهرو، حدّثه عن المنبوذين، وهم طبقةٌ كبيرةٌ محرومةٌ من أبناء الهند، يتعرضون للإساءة والتحقير على أيدي هنود آخرين. كان غاندي شديد الانتقاد لهذه اللوثة العنصرية التي توارثها الهنود في ثقافتهم عبر القرون. وأشار نهرو إلى مساعي حكومته الإصلاحية، فقال: لو أن منبوذاً تنافس مع أحد أفراد الطبقة العليا، على مقعدٍ بالجامعة لأُعطِيَت الفرصةُ للمنبوذ. وحين سُئل: أليس ذلك تمييزاًً؟ أجاب: «قد يكون ذلك، لكن تلك هي طريقتنا للتكفير عن قرونٍ من المظالم التي أنزلناها بهؤلاء الناس». إنها الحكمة الهندية في التكفير عن الذنوب الكبيرة: التمييز بين البشر الذين ولدتهم أمهاتهم متساوين كأسنان المشط.

هؤلاء القادة الذهبيون الثلاثة، كانوا يعرفون ماذا يواجهون، ويعملون بصبر وأناةٍ لتفكيك منظومة الظلم والتمييز، انتصاراً للضمير والإنسان، مختارين -إيماناً وتبتلاً- الانحياز التام إلى الجانب الصحيح من التاريخ.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4118 - الأحد 15 ديسمبر 2013م الموافق 12 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 7:32 ص

      زعماء

      ذاك زعيم وقائد قدم تضحيات وجاء به الضعفاء والمحرومون إلى سدة الحكم وأما ما تراه اليوم من مخلفات الإستعمار فليسوا زعماء ,ليسو سوى كما قال إبن أبي سفيان ما حاربتكم إلا لأتأمر عليكم.

    • زائر 16 | 4:04 ص

      مفارقات الزمن

      أجاب: «ماذا يمكنك أن تفعل حين يقترب منك طفل جائع أو عجوز مهزولة تشير إلى أنها جائعة»؟ كان يمتلك قلباً مفعماً بالرحمة وحبّ الناس.
      وهناك ناس يقولون انهم مسلمين يرقصون على أشلاء القتلى وياكلون كبدهم ويفجرون المساجد والاسواق ويطالبون بالمشانق لمسلمين اخرين فقط لانهم يطالبون بحقوقهم مثل بقية الشعوب.

    • زائر 15 | 3:41 ص

      هذا هو الاتجاه الصحيح للتاريخ وليس من يستطيب العبودية

      هؤلاء القادة الذهبيون الثلاثة، كانوا يعرفون ماذا يواجهون، ويعملون بصبر وأناةٍ لتفكيك منظومة الظلم والتمييز، انتصاراً للضمير والإنسان، مختارين -إيماناً وتبتلاً- الانحياز التام إلى الجانب الصحيح من التاريخ

    • زائر 12 | 3:00 ص

      مسيرة الاحرار

      اعتقد ان الامام الحسين هو قائد الاحرار والجميع ينهل ويتعلم منه
      وما يحدث هذه الايام في العراق هو أبلغ رسالة يمكن أن ننشرها
      مشاية الحسين يسيرون على نهجه وهم القدوة لنا

    • زائر 11 | 2:59 ص

      هؤلاء نجحوا لأنهم ليسوا

      هؤلاء نجحوا لأنهم ليسو الطائفيين و ليسوا عملاء لدول غير دولهم .. هؤلاء نجحوا لأنهم مؤمنون بالعداله و ليسوا مؤمنين بالثأر و اجترار احداث تاريخية أكل عليها الدهر و شرب

    • زائر 8 | 2:33 ص

      مسيرة الاحرار

      هذا لن يغير من حقيقة الامر شي ولا يمكن اسقاطه على البحرين

    • زائر 17 زائر 8 | 5:10 ص

      الظلم ظلم

      الله على راسه بطحة يتحسسها والظلم ظلم حتى لو كان مرتكبه مسلم ضد مسلمين بل الحجة عليكم اكبر .

    • زائر 7 | 2:27 ص

      ذل أو مذله وقد يقال غرور أو يقال غطرسه لكن

      ماشون وماضون ومسقبلون وسائرون في وعلى درب الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام بينما من غرتهم الحياة الدنيا وتعلقوا بأوراق شجر التي خلقها الله تعالى ليوقد منها النار بنما أوراق ماليه! فليس بسر يمكن القول بأن الأزمه الماليه التي تعج وتضج والعالم في سباتهم العميق أو غافلون أو معمهون أو نائمون! فلا يقال هنا عن بعض الناس إلا أنهم لا يبصرون لكنهم لا يعترفون بذلك ويقولون ما لا يفعلون! أووا لم يقال الحسين هيهاة منا الذله! أووا ليس في المال الورقي المطبوع ذل؟

    • زائر 10 زائر 7 | 2:48 ص

      اسد من اسود الفاتح

      خف علينا يالحبيب وينكم أنتو ووين ثورة الحسين الطايفيه تنفث من قلوبكم الحاقده علي رموز الوطن والطائفه الرئيسه في الوطن

    • زائر 5 | 1:41 ص

      ولد الرفاع

      اللة يرحم جيفارا الشيوعي

    • زائر 4 | 1:24 ص

      أمي

      أمي أبوي أعيالي يا أحلى اسم في الدنيا انتي يا بحرين

    • زائر 3 | 10:37 م

      هنا في البحرين

      تطالب بالحرية والمساواة والعدالة وعدم التمييز توصف بأنك طائفي صفوي عنصري لك اجندة خارجية تتبع ولاية الفقيه حتى أن امريكا أصبحت هي ولاية الفقيه ههههههه

    • زائر 2 | 9:57 م

      النموذج الاسلامي اروع منهم

      لنا في رسول الله اسوة الم يجابه قريش وكفارها الم يعاني من منافقي المدينة
      والحسين ومالاقاه ممن يدعي الاسلام

    • زائر 1 | 8:44 م

      يا ريت

      هؤلاء الثلاثة عاشوا في دول كبيرة و في النهاية انتصروا نعم انة الايمان بعدالة القضية التي من اجلها يحاربون وبالصبر علي كل اذي حتما راح يتحقق النصر اذا اراد الشعب الحرية

اقرأ ايضاً