من المبادئ المتعارف عليها في السياسة ما يلي:
- لا أصدقاء أو أعداء دائمون بل مصالح دائمة، من هنا تتفوق المتغيرات على الثوابت.
- لا صداقة أو عداوة شاملة، فالمتخاصمون يلتقون حول قواسم مشتركة ويفترقون على ما عداها الى حين. من هنا تبقى شعرة معاوية جسرا بين المتخاصمين الذين يجيدون قوانين لعبة السياسة.
على ضوء هذه المبادئ التي تعتبر من ثوابت العمل السياسي يحث خبراء التفاوض الأطراف المتحاورة على زيادة وعيها وثقافتها بهذه المبادئ التي تساعد الطرفين المتحاورين على الوصول الى نقطة توازن تحقق المصلحة المشتركة لكليهما وهو ما يعرف بمبدأ اربح – اربح.
في هذه الأيام يقف العالم مشدودا امام تحولات سياسية في منطقتنا ممثلة في الاتفاق المبدئي بين الدول الغربية وجمهورية ايران الإسلامية بشأن ملفها النووي، وما ستتمخض عنه من انعكاسات سياسية واقتصادية. فقبل بضع سنوات كان الهدف المعلن للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها هو تغيير النظام في ايران، ومن أجل ذلك رصدت امكانات هائلة، وإذا بهذا الهدف يتحول الآن إلى اعتراف كامل بالنظام السياسي القائم وبحقه في امتلاك برنامج نووي سلمي، ما يعتبر تحولا دراماتيكيا من نقيض الى نقيض اخر.
وهذا التحول يؤكد لنا ان الخلاف بشأن الملف النووي ما هو الا قمة جبل جليد وأداة ضغط لقضايا سياسية أهم حسمت ملفاتها فذابت قمة الجليد. وهذا ما يجب علينا فهمه والاستعداد لاستيعاب نتائجه.
يستعرض هذا المقال بعضا من العوامل التي ساعدت على إحداث هذا التحول الكبير، والدروس التي يمكن لدول المنطقة الاستفادة منها لمراجعة سياساتها واستراتيجياتها المستقبلية على ضوء هذه التحولات.
1 - فشل المشاريع الأميركية:
- عملت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على خلق شرق أوسطي جديد يستوعب الحليف الاسرائيلي في قيادته، فلم تنجح في تنفيذ خططها واستراتيجياتها وخاصة بعد فشل الحملة على المقاومة في لبنان في العام 2006. وقد عكس هذا الفشل هشاشة التركيبة الهيكلية لنظم حليفة عجزت عن تنفيذ خطط أوكلت اليها.
- تبنت القوى المعادية للنظام الايراني اساليب اخرى لاضعافه وانهاكه وهو فتح فجوة استنزاف في جبهة رخوة وهي الجبهة السورية، وقد وصل المشروع مرحلة متقدمة للتدخل المباشر. وبسبب تخبط الحلفاء ايضا وتضارب الأهداف مقابل تماسك الأطراف الأخرى فشلت القوى الغربية في اكمال المهمة بالشكل والطريقة المرغوبة. فتخلت عن مشروع التدخل المباشر في منتصف الطريق تاركة المهمة لحلفائها في المنطقة للتورط في عملية استكماله.
- عقدت الولايات الولايات المتحدة الأميركية آمالا على تيار الاخوان المسلمين الصاعد في مصر كبديل عن انظمة تقليدية في المنطقة اصابتها الشيخوخة وانحسر عنها الدعم الشعبي. فكان الاخوان المسلمون هم الخيار المؤهل لخلق هلال سني مقابل هلال شيعي، فيتكفل الطرفان ببعضهما بعضا وكفي الله الغرب القتال. ومرة أخرى يرسب الاخوان في أول اختبار لهم بصورة سريعة وكارثية، وتصاب دول الغرب بعقدة الشك في قدرة ادواتها على تنفيذ مشاريعها بسبب عوامل التعرية والشيخوخة التي اصابت حلفاء يرفضون التغيير والارتقاء لمستوى الحدث.
- ادركت الولايات المتحدة الأميركية انها لم تعد مؤهلة اقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا لخوض حروب نيابة عن اتباع لها لا يملكون من قدرات التنفيذ غير تمويل حروب بالوكالة. فقد كانت تبعات تجاربها الأخيرة في العراق وأفغانستان هي أحد مسببات انكشاف ظهرها اقتصاديا أمام منافسيها الكبار. فقد نصبت نفسها حاميا لطرق امدادات نفطية تستفيد من ريعه دول منافسة لها، ولا تساهم هذه الدول بشيء يذكر في تكاليف هذه الحماية. اما انعكاسات حروبها على دول كالعراق وافغانستان فلم تجلب الديمقراطية بقدر ما فرخت تطرفا وإرهابا وفكرا بدائيا من مخلفات الانسان الأول بات يهدد الأمن والسلم العالمي.
أدركت الولايات المتحدة الأميركية أن ثقافة اصدقائها الاقليميين بعيدة كل البعد عن بعض ثوابت السياسة لكونها مبنية على نقيضين لا ثالث لهما وهما الاعتماد الأزلي على مظلة الخارج القوي والاستئساد على الداخل الضعيف، وخلق مجتمعات يطغى فيها مفهوم السلطة على مفهوم الدولة. وهذا ما يفسر لنا حجم غضب وذهول البعض من صفقة ابرمت بين أعداء عقلاء على أسس ندية يجيد الطرفان فيها استخدام قوانين اللعبة السياسية وذلك خلافا لعلاقة التابع والمتبوع بين دولة عظمى وسلطة محلية.
هل نحن قادرون على استيعاب الدروس؟
من المفترض ان تحفزنا هذه التحولات الاقليمية على اعادة صياغة سياساتنا واستراتيجياتنا المستقبلية لاستيعاب هذه التحولات وتحويلها إلى فرص للنجاح. فعلى مستوى دول مجلس التعاون اصبح لزاما على هذه الدول أن تسعى للإسراع بتعزيز تكاملها الاقتصادي والسياسي، وزيادة حجم مشاركة شعوبها في تحمل مسئولية إدارة شئونها، والإيمان الحقيقي بقدرة هذه الشعوب على المساهمة الفعلية في تقدمها الصناعي والعلمي بدلا من الاتكال على خبرات أو قوى خارجية.
إن تكريس مفهوم الدولة ضروري لمواجهة الأخطار الخارجية التي لا يمكن مواجهتها بمفهوم الفئة أو القبيلة. من هنا بات لزاما على بعض الأنظمة الحاكمة ان تتصالح وتتحالف مع شعوبها والقيام بإعادة ترتيب البيت من داخله وهي الخطوة الأولى اللازمة لصد اي ذرائع للتدخلات الخارجية، مراجعة سياساتها المتمثلة في تسخير التطرف ودعمه مرحليا لفرض اجندات سياسية. ان سياسة تسخير الجن هذه هي بمثابة سلاح ذي حدين لا تستثني احدا، عوضا عن كون الخلاص من تبعاتها امر ليس باليسير.
يقول الإعلامي جمال خاشقجي في احد مقالاته في صحيفة «الحياة» ان اميركا بدأت ترحل عن عالمنا لأنه قديم يرفض الخروج من الماضي في وقت يقدم فيه العالم أولويات المستقبل على أولويات الماضي. لقد خرجت بريطانيا من عالمنا قبل أربعة عقود مضت فأصاب بعضنا الذعر وتمنى لو أن ذلك لم يحدث. والآن تستعد اميركا لفعل الشيء ذاته بإعادة النظر في سياساتها وتحالفاتها الخارجية. فهل نرى في القادم من الأيام فرصة لاكتشاف ذاتنا والتحول الى الداخل لنصبح أمة يفاخر بها نبينا (ص) الأمم؟ ام سنبقى كالجبل الذي لا تهزه الرياح؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4111 - الأحد 08 ديسمبر 2013م الموافق 05 صفر 1435هـ
لن يتعلموا
ولن يتعلمواااا وخير دليل ردة فعل السعودية
سلمت أنا ملك لهذا المقال الرااائع
نقد صريح
اصبت الهدف وهذا مربط الفرس. يا ابو علاء فخرهم في سباتهم نائمون وفي غنيهم يدفعون فانت ممن وقع عليك دورهم
أم ابرهيم
الطيور على أشكالها تقع وثلث ارباع البحرين بدون بدون سكن
مقال رائع
نتمنى من كتاب الوسط ضرب امثلة حقيقية لاقناع القاري كما فعل الكاتب، وليس تحليل شخصي مبني على قيل وقال.
اتمني
ليتهم يستفيدوا من رجالات وابناء بلدهم وليس الاستعانة بالاجانب علي ابناء البلد
تحليل منطقي.
مقال رائع وتحليل منطقي.
اصبت
هل يريدون ان يتعلموا انا اشك في ذلك لانك انتا من ضحايا هذا النظام