عُرفت مدينة بعقوبة الواقعة على نهر دجلة والمشهورة بمزارعها الحمضية وبأراضيها الخضراء بحياديتها وهدوئها طوال عقود، ولم تبدِ أي معارضة مهمة لأنظمة الحكم المتعاقبة منذ زمن الانتداب البريطاني الى فترة قريبة ماضية.
واشتهرت هذه المدينة بتصدير الليمون والبرتقال والخضرة الى بغداد والمدن العراقية الأخرى وربما الى الخارج وتعيش في ازدهار اقتصادي لم تؤثر عليه الحوادث السياسية، فهي من الناحية العملية مكتفية من منتجاتها.
ولأنها لم تعش مرحلة الإقطاع الذي كان منتشرا في جنوب العراق ووسطه، فقد اجتذبت اهتمام الميسورين، اذ كانت الملكية العقارية للأرض هي الطابع العام الذي حفز هؤلاء للانتقال من المناطق الغربية أو ما تدعى الآن بمناطق «المثلث السني» الى شمال بغداد وخصوصا الى محافظة ديالى اذ تعتبر بعقوبة عاصمة لهذه المحافظة.
ومنذ ذلك الحين تقاسمت قبائل شمر وعنزة والحمدانيين وغيرها المدينة، وأصبحت المنطقة تضم خليطا من العرب السنة والشيعة الذين تعايشوا وتصاهروا وتضامنوا فيما بينهم الى درجة الاندماج التام، اذ لم تشهد هذه المدينة طوال تاريخها أية منازعات قبلية أو طائفية أو مذهبية. ومن الناحية الثقافية حصل أبناء هذه المدينة على فرص يسيرة لمواصلة تعليمهم داخل العراق وخارجه، لأن معظم العوائل الفلاحية الموجودة فيها تمتلك المال الكافي لصرفه على التعليم، ولكن معظم أبناء المنطقة احتفظوا بتقاليدهم القبلية العربية، فوجدوا أن الجيش هو الحاضنة المباشرة لهذه التقاليد فانصرفوا بأعداد كبيرة نحو الخدمة في الجيش، وخصوصا أن منطقة ديالى كانت تجاور أكبر معسكرين في العراق، هما معسكرا المنصورية وجلولاء، وكانت ثورة 14 يوليو/تموز العام 1958 انطلقت من هذين المعسكرين، وعاشت المنطقة أجواء «المد العسكري الثوري» الى سنوات طويلة الأمر الذي ظهر الآن من خلال عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأميركي
العدد 411 - الثلثاء 21 أكتوبر 2003م الموافق 24 شعبان 1424هـ