أعرب عدد من كبار الضباط العسكريين الأميركيين المتقاعدين عن اختلاف في رؤيتهم وتقييمهم للحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق عما يروج له الرئيس جورج بوش وكبار مستشاريه من أن قوات الاحتلال تحرز نجاحا وأنه يجب أن تستمر.
كتب العقيد المتقاعد أندرو باسيفيش وهو أستاذ محاضر في العلاقات الدولية في جامعة بوسطن الأميركية مقالا في صحيفة «واشنطن بوست» بعنوان: «أدنى التوقعات هو تحديد موعد والمغادرة» قال فيه «إن هؤلاء الذين خبروا حرب فيتنام مباشرة ربما يسارعون إلى أن يصرخوا بأن هناك مستنقعا لدى مشاهدتهم أول إشارة على تعثر الحرب، ولكن العراق ليس فيتنام. ولكن المقارنة بين الوضعين قد تقدم وسيلة مفيدة لإرباك إدارة بوش إلا أنها لا تقدم سوى القليل في مجال التحليل السياسي. لذلك انسوا فيتنام. وبدلا من ذلك استمعوا إلى ما يقوله القادة العسكريون الذين لم يتورطوا شخصيا في تلك الحرب. إن الجنرال جون أبو زيد القائد الميداني شبه الوضع في العراق بصورة مباشرة بـ «حملة حرب عصابات تقليدية». أما الجنرال، قائد القوات الأميركية ريكاردو سانشيز يبلغنا «أن المقاومة آخذة في التصاعد وأن العدو أخذ يصبح أكثر تعقيدا في هجماته بصورة متزايدة». ما الذي يتضمنه هذا التقييم؟ إن حروب العصابات تتجه إلى الاستمرار لفترة طويلة كما أن هذه الحرب (في العراق) ستكون كذلك بالتأكيد كما أن حروب العصابات تتجه إلى أن تكون بشعة ومعقدة سياسيا وغامضة أخلاقيا والأمثلة على ذلك قائمة يوميا في بغداد والمثلث السني. وتستهلك حروب العصابات موارد الثروة بنسبة ضخمة وعلاوة على ذلك فإنها لا تناسب الجنود الأميركيين الذين يفقدون صبرهم من أجل إنهاء مهمتهم والعودة إلى بلادهم كما أنها لا تناسب الشعب الأميركي الذي يفقد صبره وكفى.
فما العمل إزاء هذه الورطة؟ وحتى الآن فإن النقاش عن السياسة كان ولايزال عقيما. وتصر ادارة بوش على أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدفع أي ثمن وتتحمل أي عبء من أجل حرية العراق. وفي الوقت نفسه يذكر المنتقدون الفشل في العثور على أسلحة دمار شامل كدليل على أن هذه الحرب لم تكن ضرورية في المقام الأول يدافعون عن الموقف الفرنسي بدعوة بوش إلى الاعتراف بخطئه. وما من موقف من هذين الموقفين يصمد أمام التمحيص الجدي. وفي غياب تحول ملموس في ميدان المعركة وهو أمر لا يتنبأ به القادة العسكريون أنفسهم، فإن خيار دفع اي ثمن قد يكون خيارا لا يمكن دعمه عسكريا كما لا يمكن الدفاع عنه سياسيا. وعلى افتراض أن الديمقراطيين تمكنوا من توحيد موقفهم على مرشح يمكن انتخابه وهذا ليس استنتاجا، فإن الاستمرار في الموقف المتصلب قد يكلف بوش الانتخابات وهو أمر يفهمه لاشك مستشاره كارل روف.
وإن الحل الوسط بين دفع أي ثمن والهرب هو خيار ثالث. وله مخاطره الخاصة به. ولكنه من دون شك خيار مفضل على الخيارين الآخرين. وهو يتألف من الآتي:
أولا: التقليل من توقعاتنا بشأن ما يمكن للتدخل العسكري أن يحققه. والتخلص من الألفاظ البلاغية بشأن التزام «لعدة أجيال» يستهدف فرض الديمقراطية الأميركية على العراق وإجراء تحويلات على مجمل الشرق الأوسط. وفي بغداد ينبغي القبول بنظام حكم مستقر يتمسك بالقوانين الدولية للعبة.
ثانيا: التقليل من تعريض قواتنا للخطر ومن العبء المفروض على الجيش الأميركي وعلى دافع الضرائب الأميركي. وباختصار يتعين «تدويل» الاحتلال بالاعتراف بسلطة أكبر للأمم المتحدة مقابل قوات وأموال. إذا كانت الأمم المتحدة لا تشعر بأنها ستكون مصابة بجرح بليغ أو بعدم احترام إذا قبلت تحمل العبء. افعلوا ذلك ليس لأن الأمم المتحدة تمثل فعالية أو سلطة معنوية. إنها لا تمثل ذلك. لكن لأن جهدا بلا نهاية من أجل إعادة بناء الدول والذي هو في أحسن الأحوال يتعارض مع المصالح الحيوية الأميركية، أمر لا يمكن تحمله ولأن الانشغال بالعراق يبعد الأنظار عن أولويات أكثر أهمية، وباختصار، ارفعوا العلم الأزرق في بغداد وارفعوا العلم الأميركي في أماكن أخرى (وإذا أصبح العراق مستنقعا فليكن مستنقع كوفي عنان).
ثالثا: أقيموا جدولا زمنيا لتقليل القوات الأميركية وتمسكوا بذلك. ومن بين أمور أخرى فإن التقليل على مراحل من الوجود الأميركي سيجعل من الواضح أن هذا الأمر ليس احتلالا بإعادة الاستعمار لفترة غير محدودة. وبالقيام بذلك فإن قضية المقاومة تفقد ادعاءها الرئيسي بالشرعية، وهي أن فكرة العنف فقط ستخرج الأميركيين من العراق. إن الخبراء قد يتخاصمون على موعد إكمال الانسحاب، ولكن بعد عام من سقوط بغداد قد يكون علامة مميزة لذلك. ومن المؤكد أن عامين سيكونان كافيين.
وإن الفكرة من إعلان هذا البديل ليس هو الهرب ولكن للتأكد من أنه خلافا لادعاءات الرئيس بوش فإن العراق ليس الجبهة المركزية» في الحرب ضد الإرهاب. وإن الاعتراف بأن المكاسب التي سيجري استخلاصها من عملية حرب العراق هي ضعيفة تماما سيسمح للولايات المتحدة بعمل أمرين اثنين هما: إعادة تركيز الجهاز الأمني القومي على ملاحقة الإرهابيين الذين هم خلافا لصدام حسين يشكلون فعلا تهديدا مباشرا للولايات المتحدة وتخفيف القلق الدولي بأن 11 سبتمبر/ايلول عن الدولة العظمى الوحيدة في العالم من جولة ذات هيمنة معتدلة إلى دولة خطيرة خارجة على القانون.
إن الأميركيين المقتنعين بأفكار ويلسون على حق عندما يستبعدون الاقتراحات القائلة بأن العرب غير قادرين نوعا ما على ممارسة الديمقراطية باعتبارها اقتراحات حكومية. وهؤلاء أنفسهم ليسوا أقل ذنب من الحكومة في اقتراح أن بروز الديمقراطية العربية يتطلب وصاية من الولايات المتحدة. دعونا نتمنى للعراقيين الخير في متابعتهم للديمقراطية والحكم الذاتي وحكم القانون ودعونا نريهم احترام السماح لهم باختيار طريقهم الخاص بهم
العدد 411 - الثلثاء 21 أكتوبر 2003م الموافق 24 شعبان 1424هـ