منذ سنوات شبابي وفي مرحلة دراستي الجامعية في السبعينات من القرن الماضي وأنا أسافر إلى مصر، قلب الأمة العربية. عشقت حضارتها العريقة وأحببت طيبة شعبها العظيم، وكوّنت علاقات عديدة مع كثرة من أبناء شعب مصر.
دخلوا منزلي كجزء من أسرتي ودخلت بيوتهم في مصر كجزء من أسرهم المضيافة، وفي السنوات الأخيرة كنت أزور مصر سنوياً أكثر من ثلاث مرات كسائح وكباحث عن الجديد من الإصدارات السياسية والاقتصادية والثقافية والفلسفية والفكرية. كما كنت أزور في هذه الزيارات دار الأوبرا حيث المعارض التشكيلية لأحدث مدارس الفن، وحيث المهرجانات السينمائية والموسيقية القومية والعالمية. ولابد كذلك من زيارة الحسين وخان الخليلي، حيث مقهى الفيشاوي التاريخي ورائحة الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، ولابد من زيارة ضريح القائد الخالد جمال عبدالناصر الذي كان له الدور الأكبر في تكويني الفكري القومي، وإيماني بوحدة الأمة العربية وشعبنا العربي من الماء إلى الماء.
وكنت مع كثرة من أصدقائي نؤمن بأن زيارة مصر سنوياً جزءٌ من تجديدٍ لمعنوياتنا، حيث تعيش بين شعبٍ عظيمٍ استطاع بثورته أن يخلق ربيعاً مازال يحتضن في أحشائه مخاضات طويلات قادمات على هذه الأمة التي ضاقت من الاستبداد واحتكار السلطة والثروة، الأمر الذي أدى إلى تراجع دورها التاريخي أمام أمم العالم الأخرى.
إلى جانب تلك الزيارات الخاصة، كنت ألبّي دعوات المنظمات العالمية للمشاركة في المؤتمرات والندوات الاقتصادية والسياسية والعمالية والاجتماعية، حيث تعرّفت على العديد من مفكّري مصر وتأثرت بأطروحاتهم، ومنهم رئيس وزراء مصر حازم الببلاوي حينما كان أميناً عاماً «للأسكوا» التابعة للأمم المتحدة والذي كنت عاشقاً لدراساته الاقتصادية العميقة، واستفدت كثيراً من دراساته حول الاقتصاد الريعي واستعنت بها لإعداد بحثٍ لي أصدرته «جمعية الاقتصاديين البحرينية» قبل سنوات، بعنوان «الاقتصاد الريعي ومقومات الدولة الديمقراطية». كما استفدت كثيراً من دراساتٍ لمفكّرين مصريين عن سوق العمل لإنجاز دراستي التي أصدرتها أيضاً جمعية الاقتصاديين بعنوان «تقليل أيام وساعات العمل خيار استراتيجي».
بيد أن قرار الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة صباح يوم السبت الماضي (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) بمنعي من دخول مصر ولمدة خمس سنوات قادمة، قد حطّم مسار حياةٍ كنت أسير عليه، ومنعني من التواصل مع حضارة وثقافة وشعب مصر دون أن يوضّحوا لي أسباب هذا المنع الجائر. فقد كان التحقيق الأول في المطار حول أسباب وجود اسمي ضمن قائمة الممنوعين من دخول مصر، وهل علي قضايا جنائية أو مالية أو غيرها؟ وحيث كنت واثقاً من نفسي بأن في جميع زياراتي الكثيرة لمصر لم أمارس أي سلوك يضر بمصر وشعبها، ولذا في الاستجواب الثاني كان السؤال الذي جرح كياني حيث سألني الموظف الأمني عن مذهبي، وهو سؤالٌ غريبٌ وبعيدٌ عن قناعاتي ومبادئي الفكرية، فقلت له بأني مسلم، ولأنه كان مصراً على هذا السؤال الغريب على حضارة مصر المتسامحة، فإنني أوضحت له أن عائلة جناحي سنية المذهب ففهم المقصد! وأرجعني إلى غرفة التوقيف مرةً أخرى بعد أن تم حجز هاتفي النقال، وبعد سويعاتٍ عرفت بأن قرار ترحيلي قد تم دون توضيح الأسباب لي، فتيقنت بأن وراء المنع أسباباً سياسية!
غرفة التوقيف في مطار القاهرة والتي تم حجزي فيها لمدة ثماني ساعات لغاية وصول الطائرة المغادرة للبحرين وترحيلي فيها، كانت سيئة الحال، مع أن د. حازم الببلاوي يعلم بأن مطار القاهرة يمثل البوابة الأمامية لمصر السياحة والتجارة والفكر، بيد أن ما شاهدته في هذه الغرفة لا يعكس هذا التاريخ العريق لمصر وشعبها، حيث يتحكم وبتعالٍ كبيرٍ، قلةٌ من الموظفين على حقوقنا الإنسانية، كحق الاتصال، وكانت الرشاوى سيد الموقف ومن دونها تصبح المعاملة أسوأ. ورغم أن الموقوفين في هذه الغرفة من العرب والأجانب كانوا يعرفون سبب توقيفهم، فإما لوجود خطأ في تأشيرات الدخول أو انتهائها أو خلل في المعاملات التي سرعان ما يتم الإفراج عنهم، إلا أنني الوحيد الذي لم يكن يعلم سبب توقيفه، وهذا ما كان يزيد من أسفي وانزعاجي، بل الأسوأ من ذلك حجز جواز سفري ورفضهم تسليمي إياه حتى بعد صعودي طائرة الترحيل من مصر العظيمة. وكان المسافرون ينظرون لي بحذرٍ وكأنني مجرمٌ خطير، وهذا لا يليق بسمعة مصر وشعبها الطيّب، كما لا يليق بحاضر ومستقبل السياحة التي تحتاج إلى واجهات حضارية بعيدة عن التخلف والفساد؛ وتحتاج إلى مرونةٍ ورحابة صدر وإجراءاتٍ إنسانيةٍ واضحة مع حق مصر في التأكد من صحة إجراءات المسافرين القادمين إليها.
إن مصر حاضنةٌ لكافة التيارات الفكرية والسياسية الموالية للحكام العرب والمعارضة لهم، وعليها أن تقف موقف الحياد وعدم التعاطف مع أية جهة عربية رسمية تريد التضييق على تحركات الأحزاب والشخصيات العربية المعارضة، فما بالك بتضييق الخناق على المسافرين لأهداف سياحية، اللهم إلا إذا كان عليهم سوابق أمنية وجنائية أضرت بمصالح مصر وأنا لست واحداً منهم.
المؤشرات السابقة من منع دخول مصر لشخصيات بحرينية إعلامية وحقوقية وسياسية معارضة، تدفعني نحو الانحياز بوجود تنسيق أمني بين حكومتي البحرين ومصر، وهو الذي أدّى إلى منعي هذا، وعلى الأجهزة الرسمية في بلادي أن تكفّ عن مثل هذه الممارسات المتعارضة تماماً مع ثوابت الدستور وحقوق الإنسان وحرية التنقل والتعبير والرأي، وأن الرد يكون بالحجج والرأي الآخر وليس بمضايقات أمنية تدل على عجز واضح في مقارعة الرأي المعارض برأي آخر تحت سقف المزيد من الحريات والاحترام وحق التعددية السياسية والفكرية.
سأفتقد مصر وشعبها العظيم لمدةٍ طويلة، كما سأفتقد مصر الحضارة والثقافة والقلب النابض لهذه الأمة. فقد يفرح من لا يؤمن بمبادئ وقيم الحرية والحقوق في كلا البلدين، ولكن هذا الفرح المؤقت النابع من العقل الأمني البعيد عن فهم متطلبات العصر يمنع تحقيق الاستقرار والتنمية الإنسانية المستدامة!
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4100 - الأربعاء 27 نوفمبر 2013م الموافق 23 محرم 1435هـ
الله معنا
استاذنا ذكرتني بالذي حدث معي بالضبط، إذ حجزت في تلك الغرفة السيئة لمدةظ¢ظ¤ ساعة، ومنعت من الاتصال والطعام، وتم ارجعي ولم اخبر عن السبب، ومازالت ممنوعة ، ودراستي متوقفة. رملة عبدالحميد
أخي العزيز عبدالله لا تحزن
لماذا انت مستاء لم تفقد شيئاً فعندك مقاهي البحرين كما عندكم الأبرا البحرينية في منطقة العدلية وانت تعرفها جيدا فكل شئ عندنا متوفر فلا تحزن يا أخي العزيز / اخوك احد رواد الأوبرا
زيارة موفقة
المقال مؤثر خصوصا المقدمة التي تحكي عن مصر الحضارة وشعبها وأسبقيتها كأكبر دولة عربية . ولكن هناك دولا عربية تقل أو تزيد عن ما وصف الكاتب عن مصر ولكنه تستحق أن تكون واجهه ثقافية حضارية للامة العربية وعلى رأسها لبنان . أتمنى أن يزول المنع من المواطنين البحرينين في كل مطارات العالم لنتمتع بحرية التنقل كغيرنا
جناحي
لا تأيئس من طريق الحق ومن قلة سالكيه ابداً
الكل راح يدفعة ضريبة الحرية والعزة والكرامة وانت واحد منهم
الكل راح يدفعة ضريبة الحرية والعزة والكرامة وانت واحد منهم
الله يعينك
هذه ضريبة قول الحق
عبد المأمور
الأسف لا زالت مصر ونظامها أسير أموال الخليج !!
هارد لك الاخ عبدالله ولا عزاء للسياسيين فهذا ضريبة الالتزام بالمبادئ
نصيحة لكل مسافر بحريني الي القاهرة او ج.م.ع. ان يتاكد من شركة الطيران المسافر علي متنها وكذلك من السفارة المصرية في البحرين ان اسمه ليس علي قآئمة الممنوعين من دخول مصر..فهذا ارحم واشرف واحفظ للكرامة من البهدلة في احدي حظائر المطار
هذا قرض حسن يا جناحي
أتعاطف معك ومع غيرك ممن منعوا من دخول مصر العظيمة وهذه ضريبة يدفعها كل من يحب وطنه بعمق ، لو كنت راقصا أو مهرجا أو طبالا في فرقة شعبية أو سارق لأموال الشعب والوطن أو كنت ممن ينقلون الأخبار بعكس اتجاهها لما منعوك ولا وضعوا إسمك في قائمة الممنوعين ، لو كان جمال عبدالناصر حيا لما حدث لشعب البحرين ما هو فيه ، معلش يا عبدالله اعتبر هذه المدة كأنها قرض وعليك تسديدة لمدة خمس سنوات ، مو إحنا في البحرين متعودين على القروض وهذا أحد أنواع القروض بس بدون فوائد ، مو أنت اقتصادي وتعرف أنواع القروض.
مواطن
رجل شريف صادق مع نفسه لايحب التميز بين ابناء الوطن لذلك دفع الثمن من .....
.......
تبغي نظام عايش على خيرات الخليج مايستجيب لما ترغب به تلك الأنظمة القمعية ، بإختصار هنالك تتسيق بين جهاز المخابرات المصرية واجهزة المخابرات الخليجية