التخطيط لحياتك وحدك قد يبدو أمراً بالغ التعقيد، فكيف بالتخطيط لتسيير حياة ملايين من الناس في حدود جغرافية معينة، يتطلب بلوغ الحد الأدنى من العدالة معهم أن تقوم بتوفير أساسيات الحياة والعمل على مراكمة الأهداف بعد تحويلها إلى نتائج ملموسة على الأرض وبدرجة متساوية للجميع، وهذا باختصار ما يمكن أن يطلق عليه إدارة الدول في شكله البدائي.
غير أن التطور الذي طرأ على العلاقات وتوسع وتشابك أدوار قيادات الدول ومسئوليها وتطور المجتمعات وانتشار ثقافة المواطنة وما يشملها من حقوق وواجبات، وسّع من دائرة وسقف مطالب الشعوب لتنضم للأساسيات البدائية مطالب واحتياجات أخرى كالطرق والكهرباء والماء والصحافة والمعلومات ومرافق الترفيه، ورفع سقف الحريات والتطور في الصحة والتعليم وتوفير أفضل المستويات وكثير من المطالب التي أضحت مع الوقت أساسيات يرتكز عليها تطور الدول.
ولأن الدول كثيراً ما تفشل في تحقيق طموح مواطنيها نتيجةً للإدارة المتخبطة أو قلة الموارد أو عدم الاهتمام بتوفير خدمات متكاملة للشعب، ولكونها لا تستطيع الاعتراف بوجود مشكلة ما سيجبر نشطاء على الدفع نحو تنحي السلطة أو الحكومة واستلام أخرى قادرة على رفع مستوى الخدمات في الدولة، فإن الخدعة هي أسهل وأضمن طريقة لضمان عدم غضب الشعب من سوء الخدمات، إضافةً إلى توجيه هذا الغضب نحو شخص أو جهة ما داخلية أو خارجية. ولا نستثني من تلك الدول العربية أحداً، فجميعها بلا استثناء واجهت غضب شعوبها مع وصول موجة الربيع العربي بادعاء التدخل الخارجي والأطماع الإقليمية وترويجها كبديل عن الاعتراف أن هذا الغضب الشعبي مبرر وواقعي ونتيجة حتمية لعقود من الفساد والاستبداد.
على صعيد آخر، بعيداً عن السياسة، يبرز اليمنيون بظرافتهم وخفّة دمهم التي تجلت حتى في مواجهة غضب الشعب اليمني من تردي خدمة توفير الكهرباء للمناطق اليمنية المختلفة، حيث يستمر انقطاع الكهرباء لأيام وتعود مع وصول المواطنين لدرجة الغليان التي تسبق الانفجار فيتم إعادة وصل الكهرباء، وهنا برزت الحاجة لشخص أو جهة تتبنى المسئولية وتزيحها عن كاهل الدولة الغارقة في محاولة الاتفاق على ما بعد تنحية علي عبدالله صالح، فظهر للأضواء «كلفوت».
وكلفوت رجل ستيني، أخذ على عاتقه مسئولية الثأر لأقربائه الذين قتلوا ولم ينصفهم القضاء حسب ما تذكر الروايات، ومن هؤلاء الأقرباء من مات قبل عقود، أي أنه ثأر قديم وعلى الشعب اليمني وأجياله الحالية أن يدفعوا الثمن عبر تحمل الحر اللاهب وتعطل المصالح، لأن كلفوت قرّر التجوّل بين المناطق اليمنية وحرق أبراج الكهرباء كنوعٍ من الانتقام.
اليمنيون الذين لم يصدّقوا أن رجلاً واحداً قد يفعل كل هذا وحده، خصوصاً بعد أن ظهر على أحد أفلام اليوتيوب يتحدث عن مغامراته في حرق الأبراج وتوريط اليمنيين المساكين.
قد تنطلي الحيل في بادئ الأمر، إذ أن اليمنيين تداولوا وبصدق أن كلفوت هو سبب ابتلائهم، غير أن الأمر مع الوقت أخذ سياق الطرفة والابتسامة كنوع من التندر تجاه إسقاط الدولة لمسئولياتها، فلا هي وفرت الكهرباء ولا هي منعت كلفوت من تدميرها إن كان فعل، رغم اعتبار اليمنيين كلفوت كذئب يوسف، بريئاً من الحرق كبراءته من الدم.
الإسقاط وعدم تحمل المسئولية صفة مشتركة بين العرب شعوباً وسلطات، وفي الوقت الذي تقوم به بعض الدول بخفة دم تجعله مستساغاً رغم مرارته، إلا أن أخرى لا تملك حس الفكاهة فتتسبب لشعوبها بمصيبتين، مصيبة تدهور الخدمات واحتمالات الإصابة بضغط الدم.
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ
..
كلفوت يبدو شبيها بالفارس الملثم بالبحرين خلال الثمانينات
مقال جميل
سلمت يداك استاذة