لو عدنا إلى الوراء سنوات ابتداءً من العام 1957 وانتهاءً بالعام 2012 لوجدنا أن البحرين قد تعاقبت عليها ثلاثة قوانين عمل هي؛ الأول: قانون العمل الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1957، والثاني: قانون العمل الصادر في يونيو/ حزيران 1976 وتعديلاته اللاحقة به، والثالث والأخير: قانون العمل الصادر في يوليو/ تموز 2012.
وبالتأمل في القوانين الثلاثة السابقة نجد أن القانون الثاني هو القانون الأكثر إنصافاً لجانب وزارة العمل في شئون العمل والعمال تحديداً، حيث منحها صلاحيات واسعة أهمها: تنظيم وتشغيل العمالة الوطنية والأجنبية، والتأهيل والتدريب المهني، والمراقبة والتوجيه والتفتيش العمالي، والتحكيم وحل المنازعات العمالية الجماعية والفردية، وغير ذلك من الأمور المتصلة بالعمل، فعاشت هذه الوزارة في كنف هذا القانون عصرها الذهبي، حيث بلغت خلاله مكانة رفيعة ونالت صِيْتاً عالياً محلياً ودولياً في زخمٍ حقيقي ظاهر. ولم يكن هذا الزخم مجرد يافطة معلقة كما هي عليه اليوم، إنما كانت بحق في موقع وواقع يستحقان الذكر والثناء والتقدير، بحيث لو أردنا أن نحصي دورها ومهامها حينذاك لتطلب منا بذل جهد وملء مجلدات.
بيد أن ذاك العصر «الذهبي» أخذ ينحسر ويضْمحِل عن هذه الوزارة رويداً رويداً حتى باتت كإناء فارغ إلاّ بالقليل منه، لدرجة أنها أضحت عاجزةً حتى عن فرملة عجلة التوقيف والفصل السياسي للعمال الوطنيين، ولم تقوَ على التدخل لتخفيف رزية التعسف المُمارس ضدهم، بل أشاحت بوجهها عن العمال الذين يمَّموا نحو ساحتها مراراً ولم تعبأ بصرخاتهم وأناتهم وكأن في أذنها وقراً، حتى كدنا نحسبها مَيّتَةً لا روح فيها.
وللأسف أن بعض أسباب الانحسار الذي أصاب هذه الوزارة قد تم في العتمة ووراء الكواليس، وفي غياب ممثلي العمال، وعن صمت أو لضعف هذا الرجل أو ذاك.
ولكي نقف على هذا الانحسار «المتدرج» دعونا نتتبع ذلك باختصار شديد فيما يلي:
أولاً: في شأن تنظيم تصاريح عمل العمال الأجانب وتراخيص وكالات توريدهم: فمن المعروف أنه بموجب قانون العمل في القطاع الأهلي لسنة 1976 وتعديلاته كان لوزارة العمل الصلاحية التامة في إصدار تصاريح عمل العمال الأجانب وتراخيص وكالات توريد هؤلاء العمال، غير أنه بصدور قانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل انتقلت هذه الصلاحية من وزارة العمل إلى هيئة تنظيم سوق العمل، فأصبحت وزارة العمل بهذا الانتقال غير معنية بتنظيم وإصدار التصاريح والتراخيص المذكورة، وكان هذا هو أول انحسار لدورها. وهذا يعني إخراجها من أكبر دائرة ذات أهمية تتصل بشئون تنظيم الاستخدام والتوظيف. وبهذا الخروج باتت غير قادرة على تحقيق ما يُسمى «بَحْرَنَة الوظائف» بذات القدرة التي كانت عليها من قبل.
ثانياً: في شأن التنظيم والتوجيه: وأيضاً بموجب قانون العمل لسنة 1976 كانت وزارة العمل هي «الأم» المعنية بالتنظيم والتوجيه في الشئون العمالية كحق أصيل ثابت لها، وهذا ما صرحت به المادة العاشرة من القرار الوزاري رقم (28) لسنة 1976 في شأن تنظيم أعمال التفتيش. بيد أن قانون العمل الجديد لسنة 2012 (الذي ألغى قانون العمل لسنة 1976) نجده قد خلا من نص صريح يمنح هذه الوزارة هذا الحق، عدا حق الضبط القضائي المنصوص عليه في المادة رقم (182) من هذا القانون.
وقد يقول قائلٌ أن عدم وجود النص لا يمنع وزارة العمل من القيام بهذا الدور. إنما لو اطلعنا على قانون تنظيم سوق العمل رقم (19) لسنة 2006 لوجدنا فيه الفقرة (4) من المادة رقم (4) تنصّ على «أن لهيئة تنظيم سوق العمل المهام والصلاحيات اللازمة لتنظيم العمل، وعلى الأخص توجيه وإرشاد العمال وأصحاب العمل والكافة بشأن حقوق وواجبات وقيم وأخلاقيات العمل والسلامة المهنية والبيئة في مكان العمل».
فمن هذا النص نستنتج أن مهمة التنظيم والتوجيه والإرشاد أصبحت من مهام هيئة سوق العمل. وحيث أننا هنا نتحدث عن «تنظيم وتوجيه» بحسب ما جاء في النص، أي بمعنى «الإدارة» فكيف يصح القول (والحال ذلك) بأن يكون لوزارة العمل في الوقت نفسه المهمة ذاتها؟ أليس في ذلك تزاوجٌ في المهام والصلاحيات وهو ما لا يستسيغه العقل ولا يقبله القانون؟ وهل يصح أن يدير أكثر من ربانٍ سفينةً واحدة؟ أو أن يحكم حاكمان بلداً واحداً؟
وعليه ننتهي إلى القول: أن وزارة العمل لم تَعُد معنيةً أو ملزمةً بالتنظيم والتوجيه، فتكون بذلك خارجةً من هذا النطاق أيضاً.
ثالثاً: في شأن التفتيش العمالي: وأيضاً بموجب قانون العمل لسنة 1976 كانت وزارة العمل هي الجهة الرئيسية المعنية بالتفتيش على المنشآت العمالية عبر جهازٍ مركزي يتمتع بصلاحيات واسعة، ويتولى مهام متعددة، ويقوم بدور الموجّه والمرشد، ويعِّد الدراسات والأبحاث في الحقل العمالي في كافة فروعه، غير أن هذا الدور انكمش بعد قيام هيئة تنظيم سوق العمل.
والغريب في الأمر أن مفتشي هذه الهيئة قد أُعطيت لهم مهمة توعية أصحاب الأعمال بشأن حقوق وواجبات وقيم وأخلاقيات العمل والسلامة المهنية والبيئة في مكان العمل كما مرّ ذكره، فضلاً عن أننا نلحظ أن قانون العمل الجديد (لسنة 2012) قد خلا من الأسس والقواعد الإجرائية التي تنظّم أعمال التفتيش لدى وزارة العمل، عدا تفتيش السلامة والصحة المهنية. الأمر الذي يثبت أن قسم التفتيش العمالي بوزارة العمل لم تَعُد له ذات الهالة أو الدور الكبير كما كان عليه من قبل.
رابعاً: في شأن المنازعات العمالية الفردية: كانت وزارة العمل هي الوحيدة المخوَّلة بتسوية المنازعات العمالية الفردية والجماعية، وكان لا يحق لأي عامل لديه مشكلة أو نزاع عمالي فردي مع صاحب عمل أن يلجأ إلى أية جهة كانت (حتى القضاء) إلاَّ عبر هذه الوزارة. وكان هذا الحُكْم يقوم على حِكْمةٍ وهي أن تكون وزارة العمل في موقع الراعي والمراقب لتعرف ما يدور في بيئة العمل من مشاكل ومنازعات كي تدرأها وتعالجها قبل أن تشتد وتتفحل، غير أن هذا الدور للأسف انتهى بعد صدور قانون العمل لسنة 2012 الذي أعطى للعامل حق اللجوء إلى القضاء مباشرة دون وزارة العمل.
خامساً: في شأن معهد البحرين للتدريب المهني: لا يخفى على أحد أن معهد البحرين للتدريب المهني كان تابعاً لوزارة العمل، غير أن هذه التبعية انتقلت في عتمة ليل إلى وزارة التربية والتعليم بموجب المرسوم رقم (14) لسنة 2011. وهذا ما جعلنا في حالة ذهول وحيرة من أمر ذلك، لدرجة أن أصابنا «البُكم» فلم يَعُد أمامنا إلا أن نسأل بالإشارة أصحاب السعادة والسادة بوزارة العمل: ألا تعلمون أن هذا المعهد مهني حاله كحال أية مؤسسة تدريبية مهنية؟ وأن التدريب المهني هو من اختصاص وزارتكم وحدها طبقاً لما نصّ عليه المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 1998؟ وهل نسيتم أن هذا المعهد قد تركه لكم أسلافكم وهو في هيئة صَرْحٍ علميٍ كبير؟
فإذا كان الأمر ذلك فَلِما إذاً ارتضيتم التخلّي عن هذا الصَرح الكبير؟ هل لأنه لا حول لكم ولا قوة؟ أم لأن إناء وزارتكم بعد توليكم شئونها لم يَعُد يسع هذا الصرح؟ وإذا كنتم غير ذي بأس ولا قوة لا سمح الله... أليس من الزَّيْن لكم ولها أن تتركوها؟.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 4090 - الأحد 17 نوفمبر 2013م الموافق 13 محرم 1435هـ
قناص
هذه الوزارة التي مظرتها اكثر من منفعتها وما هي المهام التي تقوم بها سوى اصدار رخص استقدام الخدم واما باقي المهام التي تقوم بها فهي ليست مثل وزارات العمل في باقي الدول المجاورة وهي كما ديوان الخدمة المدنية الذي لا يعين أحد الا بالواسطة ويجب ان تكون تلك الواسطة متنفذة ولها مصالحها وقوتها في الدفع الرباعي أي ( فول ويل درايف ) والا لا مكان لك في التوظيف او تكون من الفئة التي أصبحت تدير البلاد واستحوذت على جميع الوزارات والمؤسسات والبطالة هي سبب كل الاحداث التي حدثت في هذا الوطن بسبب المتسلقين
مكتسبات اضاعوها
المجتمعات البشريه فى جميع الدول تحمى مجتمعها و تحيطه بسياج من قوانين تحميه و تحافظ على تماسكة و تنمى خيراته و ترفع من دخل المواطن . ان القوانين التى اكتسبت , هى قوانين دافع عنها المواطن بكل ما يملك من قوة حتى برزة بصورتها القانونيه , لايحق الي اين من كان ان يقلل من شئن المواطن و يعطى امتيازات الى موظف او عامل غير مواطن\\ اجنبى على حساب المواطن و يعلى شأنه , هذا غير منطقى و غير عدل و غير انصاف . دائمان يقول المسؤلون ان المواطن اولا و لكن بهذه القوانين يكون المواطن خاسرا و اخرا.
هذا الكرسي وما يفعل
لقد أعييت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
الوضع العمالي
هناك تجاوزات في بيئة العمل و على خلاف القانون فإلى من نلجأ؟ لا احد يأخذ بحقك وديا فأمامك القضاء الذي بطول وتطول اجراءاته و تبقى المشكلة وفي النهاية لا احد يأخذ لك حقك وتضيع السالفة.