دخل الناس هذه البلدة الطيبة من كل فجّ وسكنها البشر من كل بقعة وموضع، وهي أماني الزائرين في كل الأزمنة والأمكنة، يحيطون بمشهدها كما يحيط الجفن بالعين، ويعتصمون بحضرتها كما يعوذ الجسم بالقلب، وهي ملتقى القبائل المجيدة ومثابة البيوتات المعرقة.
أهمية كربلاء المدينة والتاريخ والرمز، تتضاعف في مواسم عاشوراء وذكرى الأربعين (العشرين من شهر صفر من كل عام)، يقصدها زوّار البحرين بالآلاف. ولعل أبرز من فتح عيني على تاريخ كربلاء هو إبن المدينة المؤرّخ الكبير سلمان هادي طعمة خلال مسيرته الطويلة والمستمرة في خدمة تراث مدينة كربلاء عبر العديد من المصنفات التي وثقت لأعلام وأدباء كربلاء وأعمالهم وآثارهم وبيوتاتها العلمية، غير أن اهتمامي بهذه المدينة غذّاه شغفي بتاريخ الهجرة البحرينية في نواحي الإقليم، ومنه ومن المصادر التي وقفت عليها، لاحظت تواجداً بحرينياً مهماً في مدينة كربلاء لم يدرس بشكلٍ واف.
باستمرار ظلت شبه الجزيرة العربية منبعاً يمد العراق منذ القدم بالقبائل، إذ كانت لقبائلها صلات بالعراق منذ الألف الثالث قبل الميلاد. وبعد الفتح الإسلامي تدفقت على أرض السواد جموع القبائل من شبه الجزيرة واستوطنت الكوفة والبصرة وانتشرت منهما في أغلب ربوعه.
ولم يتوقف سيل الهجرة القبلية عن التدفق، بل استمرت موجاتها في التدفق، خصوصاً في فترات الفوضى والحروب وخلال القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين. بل إن آخر الهجرات الكبيرة جاءتها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، ما جعل الوجود القبلي في العراق كثيفاً جداً.
ونتيجة لهذا السيل البشري الوافد لجأت الحكومة العراقية في مطلع القرن الماضي إلى إثارة مسألة الجنسية أمام الجاليات الخليجية في العراق، ولما كانت إمارات الخليج العربي بصورة عامة لم يتقرر لها بشكل رسمي جنسية خاصة وقتها، لذا جوبه الخليجيون بصعوبات إدارية كبيرة، حتى أن مراسلات مطولة جرت بين العراق وبريطانيا حول تحديد جنسية أبناء الخليج المتواجدين على أراضيها، وكان من أكثر أبناء الخليج معاناةً لتلك المصاعب البحرينيون والكويتيون.
ولقد كان لكربلاء نصيبها من استقبال الوافدين عليها من البحرين وشبه الجزيرة وإيران والهند، مما كان لتواجدهم وسكنهم في هذه المدينة تأثير كبير في نواحٍ شتى، دينية ومذهبية واجتماعية وسياسية وقومية.
وكانت الهجرة إلى كربلاء تأخذ أسباباً أبرزها:
- أنها تضم مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس، ومجاورة الإمام الحسين كان لها بواعث دينية وروحية.
- إنتقال الحوزة العلمية الدينية إلى كربلاء في فترة معينة أكسبها الزعامة الدينية والفكرية، ومن خلال إنشاء المدارس الدينية التي تعنى بالعلوم الفقهية والأصول والعقائد، ومن نتائجها حدوث الصراعات الفقهية والفكرية وتأسيس فرق جديدة مثل «الاخبارية» و»الشيخية» التى تطوّرت إلى «الكشفية» وغيرها من التيارات.
- ترك الصراع السياسي الفارسي - التركي ظلاله على كثافة الوجود العربي والإيراني في مدينة كربلاء، فخلال السيطرة العثمانية على العراق، عمدت الحكومة الإيرانية - التي ظلت باستمرار تعد نفسها راعية العتبات المقدسة في العراق - على تكثيف تواجدها في مدن العتبات المقدسة من خلال تشجيع الكثيرين للاستقرار للدراسة والتفقه بعلوم الدين أو زيارة المشاهد المقدسة.
- بساطة وطيبة سكان المدينة من العرب الأقحاح الذين كانوا مشغولين بالخدمة في العتبات المقدسة أو بالأعمال التجارية والاقتصادية والزراعية جعل من هذه المدينة واحة سلامٍ وملتقى لأقوام وشعوب مختلفة.
- ظلت مدينة كربلاء باستمرار بمثابة سوق تجاري مهم، أغرى ذوي الطموح التجاري ورجال الأعمال بالإقامة والعمل فيها.
ويشير الشيخ محمد علي القصير المعروف بـ «قصير الأدباء» في مخطوطته «لمعة تأريخية في بيوتات كربلاء والغاضرية» المخطوطة سنة 1915 (1333هـ) إلى عدد من البيوتات البحرينية التي اتخذت من كربلاء موطناً لها، مثل بيت السادة، وبيت آل عصفور، وبيت آل نطاح.
فبيت السادة آل السيد ماجد المعروف بآل السيد طالب، منهم السيد أحمد بن السيد ماجد أحد الخدام في الروضة الشريفة، و»آل ماجد أسرة علوية جليلة الشأن ذات جاه واعتبار وسمعة حسنة. وهي من خَدَمَةِ الروضتين، هاجرت من البحرين واستوطنت كربلاء» في القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري. برز منهم الخطيب الحسيني السيد طالب آل ماجد (ت 1904) الذي عاش نيفاً وتسعين عاماً، وكانت له مكتبة خاصة في بيته تحتوي على مجلدات كثيرة في كافة العلوم وتضم نفائس المخطوطات، ودفن في المقبرة الخاصة للأسرة في العتبة العباسية.
وتعد أسرة العصفور من أقدم الأسر العلمية النازحة من البحرين إلى كربلاء في القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري، إذ دشن الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (ت 1772م/ 1186هـ) بهجرته إلى كربلاء بداية جديدة للعائلة. وقد شيّد الشيخ يوسف جامعاً كبيراً في محل إقامته يقع في الجهة المقابلة للمدرسة الهندية في مدينة كربلاء لايزال قائماً إلى اليوم.
وبيت نطاح وهم مهاجرون من البحرين التي نشطت في خدمة الروضة الحسينية، ومن أعيانهم السيد محمد علي والسيد جعفر أولاد السيد نصر الهه بن محمد علي من سلالة الإمام الكاظم.
كما تواجدت في كربلاء أسرة علمية معروفة بلقب (آل البحراني) في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري، وتنتسب إلى الفقيه الكبير السيد عبدالله البلادي البحراني المدفون في بهبهان (إيران). ويشير مؤرخ كربلاء سلمان آل طعمة إلى كتاب صدر في مدينة كربلاء العام 1965، يحمل عنوان «الفقيه الطاهر»، وفيه عرض مسهب لأعلام أسرة آل البحراني.
ومن أبرز سلالة هذه العائلة في كربلاء السيد عبدالله بن السيد محمد البحراني المتوفي في كربلاء سنة 1795، ونجله السيد محسن بن السيد عبدالله (ت 1889)، وقد وُلد وعاش وتوفي في كربلاء. ومن علماء هذه الأسرة السيد محمد بن السيد محسن (ت 1937)، وأعقب السيد محمد طاهر (ت 1964) الذي كان يقيم الجماعة في المشهد الحسيني، وعقب أولاداً أربعة تناوب اثنان منهم على إمامة صلاة الجماعة في الصحن الحسيني.
كما أن لآل الغريفي تواجداً قديماً في كربلاء يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر حين هاجر إليها من البحرين السيد علوي بن محمد بن حسين الغريفي العام 1816، ومن أبرز أعيانهم السيد هاشم بن السيد حسن بن السيد نعمة الغريفي الموسوي الحائري (ت 1934) الذي كان خطيباً حسينياً ومديراً لمدرسةٍ أهلية.
وهناك الشيخ حسن علي بن عيسى المحروس الذي كانت له مكانة علمية مرموقة في البحرين والقطيف والنجف الأشرف، وقد افتقد في العام 1943 في كربلاء ولم يعثر له على أثر في زحام الموسم الكبير في ذلك العام. وترك من الأولاد عباس وعبدالحسين وصبار من زوجته العراقية، وكان الأول منهم حاكماً عاماً في كربلاء.
وأسرة آل فرج الله البحرينية الأصل، وجدهم الأعلى الشيخ أحمد بن عبدالله المتوّج الذي ينتمي إلى قبيلة بني أسد الشهيرة، ويرى الأستاذ سالم النويدري أن أول من هاجر من البحرين إلى العراق جدّهم الشيخ علي بن الحسين ابن الشيخ أحمد المتوج البحراني الذي له مرقد معلوم بين البصرة والمنتفك يعرف بـ «مقام علي».
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4084 - الإثنين 11 نوفمبر 2013م الموافق 07 محرم 1435هـ
الدين النصيحة!
تشويه الدين هو بالقتل والإرهاب والتفجير المستمر على مدار العام. الشعائر الحسينية اختلفنا مع بعضها أو اتفقنا كل له مرجع ويلتزم بفتواه. وهذه الشعائر موسمية اي لها وقت معين ولا تضر بأحد. أما القتل الذريع الحاصل لا يمت إلى الإسلام بصلة وهو من يشوه الإسلام وكذلك الفتاوى الغريبة من جهاد مناكحة وووووو.
المقال كما عودنا الأستاذ ابو علاء يسلط الضوء على العائلات البحرانية المهاجرة ودورها. بارك الله فيكم.
محمد علي العرادي
تشويه للاسلام
أخى العزيز ..الدين النصيحة .ما يحدث الآن فى مدننا الشيعية من ضرب للصدور والظهور والجباه بالسكاكين وفى معظم المحطات هذا وبصراحة تشويه للدين وليس نصرة للحسين لنقلها بصراحة بلا لف ولا دوران ولا فلسفات .