تعتمد الصين المعاصرة منذ سياسة الانفتاح التي أطلقها دنج سياو بنج على المفهوم الواقعي، وهو تحقيق الأمن عبر التنمية والتقدم التكنولوجي، وفي نفس الوقت طرح شعارات الواقعية.
ولعل أكثر تلك الشعارات الواقعية صراحةً هي التحليل الذي قدمه البرفسور جوا شيوتانج Guo Xuetang الأستاذ بكلية الآداب والقانون بجامعة تونجي Tongji موضحاً أنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإن الصين والولايات المتحدة أقامتا فيما بينهما علاقات تعاون عسكري لمواجهة التهديد السوفياتي آنذاك لكليهما. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بدأت الشكوك تتطرق لمضمون العلاقات الصينية الأميركية خصوصاً مع اتجاه الولايات المتحدة في عهد جورج دبليو بوش لاستعراض القوة، وما أعقبه من سياسة أوباما بزيادة وجودها العسكري في المحيط الباسيفيكي، ودعم القوى الانفصالية في تايوان والقوة العدوانية في اليابان.
ولكن ثمة حقائق أساسية ينبغي عدم نسيانها، وهي أن العلاقة الصينية الأميركية في المجال العسكري، مثل مابين البيضة والصخرة. فلاشك أن القوة النووية الصينية أو القوة التقليدية يمكنها أن تكون منافساً للولايات المتحدة، وأن العلاقات الراهنة مثل تلك بين الصخرة والبيضة Rock and Egg one ، وفي مقابل الاستعراض العسكري الأميركي تتبنى الصين العقيدة النووية بعدم البدء باستخدام السلاح النووي. والصين قبلت هذه العلاقة غير المتوازنة على مدى أكثر من أربعين عاماً، في إطار مبدأ وسياسة الحد الأدنى من الردع.
وأكد الباحث أن الصين لن تنتهج سياسة سباق التسلح مع الولايات المتحدة، وهي السياسة التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، وعلى الصين والولايات المتحدة انتهاج سياسة الحوار الاستراتيجي، وعدم السماح لأية مشكلة أن تدفعها إلى الحرب أو سباق التسلح، وعلى الولايات المتحدة أن تعيد النظر في دعمها العسكري بتزويدها لتايوان بالسلاح. وأضاف أن الصين في إطار سياسة الصين الواحدة، فإن لديها قدراً كبيراً من المرونة في تطوير العلاقات عبر المضيق، أي مع تايوان، والعلاقات ستفيد أميركا بأكثر مما يفيدها تزويد تايوان بالسلاح. كما أن هذا سيحقق أمن آسيا- الباسفيك، وذلك في إطار مبادئ وسياسات التعاون والأمن المتبادل. والصين ستظل تنتهج سياسة التهدئة العاقلة تجاه الاستفزازات الأميركية السياسية والعسكرية، من خلال دعمها لتايوان، مع تأكيدها على مبدأ وحدة التراب الصيني.
إن هذا المفهوم أعاد التأكيد عليه الرئيس الصيني شى جينبنج Xi Jinping في أول زيارة له للولايات المتحدة في منتصف العام 2013، بطرح مفهوم العلاقة الثنائية الرئيسة بين أكبر قوتين عالميتين. وهو مفهومٌ سبق أن طرحه ساسة ومفكرون صينيون وأميركيون طوال العقد الماضي، ولكن الرئيس الصيني الذي ينتمي إلى الجيل الخامس في تطور القيادة الصينية، سار على النهج العقلاني الواقعي والبراجماتي الذي انتهجه شوان لاي، ودنج سياونج، وجيانج تزمين وخو جنتاو بالحفاظ على السلام والاستقرار الدولي، وعدم الانزلاق نحو الحروب، والتركيز على التنمية، واستخدام القوة الناعمة بدلاً من القوة الصلبة، مع عدم إهمال تطوير القوة الصلبة، ولكن تجنب طرح شعاراتها أو حتى التلويح بها. وهذا ما يميّز السياسة الصينية عبر الأجيال، وهو وضوح الرؤية تجاه السياسة الدولية، وما يرغبون في أن تكون عليه الصين مستقبلاً، وعدم طرح شعارات تعبّر عن الظواهر الصوتية أو الأحلام الوردية، ثم النوم بلا استعداد، كما يحدث في الشرق الأوسط، أو عالمنا العربي، من طرح شعارات المقاومة والممانعة والصمود والتوازن الاستراتيجي ونحو ذلك. وهي شعارات جوفاء بلا مضمون حقيقي، لأن من يطرحونها لا يؤمنون بها، ولا يعملون من أجل تحقيقها، ولذلك يزداد اعتمادنا على الخارج لتحقيق أمننا وبناء اقتصادنا، كما يزداد بأسنا فيما بيننا كدول أو كشعوب داخل كل دولة، دون إدراك للحقائق، لأننا نعيش عقلية الفخر والتباهي من ناحية، والهجاء من ناحية أخرى كما قال الشاعر عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب (أبو الأسود) في معلقته المشهورة:
إذا بلغ الفطامَ لنا رَضِيعٌ
تَخِرُّ له الجبابرُ ساجدينا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً
وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
والحقيقة هي عكس ذلك تماماً، ليس اليوم، وإنما منذ قرون مضت. فنحن الذين نشرب الكدر والطين والأجانب يشربون الماء الزلال. فهل من نظرةٍ واقعيةٍ وموضوعيةٍ لقضايانا العربية في ضوء إمكانياتنا الحقيقية بعيداً عن شعر الفخر والهجاء أو الحماسة واليأس وتوجيه اللوم للآخرين؟
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4083 - الأحد 10 نوفمبر 2013م الموافق 06 محرم 1435هـ
النهاية هي الحقيقة
طبعا تحية للكاتب أولا , و حقيقة الصين من اذكى الدول المعاصرة سياسة و حكاما , لكن الموجع هو حقيقة وشفافية الجمل الأخيرة حول حقيقة الحلم والخيال بالمجد العربي .
كامل من سوريا
يقال عكس أو بالمقلوب لكن
يقال قال الصادق عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بأن المعنى بيان وبيان المعنى برهان. فعند الأخذ بالمفهوم أو المصطلح فهذه تختلف من باحث على باحث حسب علمه يعني خلفيته الثقافيه. هنا يقال بأن العرب تخلفوا أو تقهقروا إلى الوراء ليش وصاروا أكثر تراجعا عن العلم. ألم يقل نبيكم إطلبوا العلم ولو في الصين ومن المهد الى اللحد كما قال الله لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. فأين العلماء العرب؟