أن تحصل امرأة مسلمة ايرانية على جائزة عالمية تقديرا لجهودها من أجل «السلام» خبر لا شك مفرح أو يجب ان يكون كذلك فعلا لعموم النساء المسلمات وخصوصا الايرانيات منهن. صحيح أن الجائزة اعطيت لشيرين عبادي من جانب مؤسسة «نوبل» للسلام بناء على معايير سياسية ولاغراض سياسية واضحة لا يمكن ان تنطلي على أحد.
لكن الصحيح ايضا هو ما سمعته من أحد الاصدقاء الخليجيين - المنتمين لاحدى العوائل الحالكمة - الصديق لايران، في ردة فعل اولية عفوية وغير مسيَّسة: «قل لاخوانك في طهران على اختلاف مشاربهم بان شيرين عبادي راحلة والحكومة الحالية راحلة و الفرحون من هذه الخطوة كما المنزعجون منها راحلون، لكن ما سيبقى ويسجل في التاريخ هو ان ايران استطاعت ان تشد أنظار العالم اليها. بحيويتها السياسية البالغة الى درجة جعلت من الصعب على واضعي مثل هذه الجائزة العالمية المسيَّسة ان يتجاوزوها اي يتجاوزوا ايران».
في تلك اللحظة بالذات تذكرت قولا شهيرا أو تعليقا لا يمكن ان انساه للأخ أبوعمار - ياسر عرفات - في نهاية السبعينات عندما كنت أعمل معه في اطار مركز التخطيط الفلسطيني لمتابعة تقارير الاعلام الصهيوني بشأن نشاط الثورة الفلسطينية والعمل الفدائي الفلسطيني، وكيف اننا كنا متحرجين من ان ننقل إليه تلك الصورة «القاتمة» التي كان قد استطاع تصويرها الاعلام الصهيوني عن الثورة والعمل الفدائي في الاعلام الغربي الموالي للكيان الصهيوني. لكن أباعمار قال: «هاتوا ما عندكم ولا تقلقوا، فانا اعرف سبب هرجكم، تريدون ان تقولوا الي ليست هناك اخبار مفرحة عن الانجازات والانتصارات....الخ أليس كذلك؟ لكنني اقول لكم بصراحة في هذا العالم غير المنصف والظالم بطبيعته المختلة لصالح الاقوياء والمهيمنين لا اقلق الا عندما يشطبوننا من الخريطة ويتجاهلوننا، وما داموا يتحدثون عنا حتى ولو بالسوء فان ذلك يعني انهم يحسبون لنا حسابا!».
أعرف ان الأمور والحيثيات مختلفة كثيرا من حيث الزمان أو المكان أو القضية أو المصداق. لكن الاكيد والقدر المتيقن عندي كمحلل سياسي متتبع وشاهد على عصر الاعلام المهين اللعين هو انه وبمجرد انهم فكروا بايران وفرزوا لها حيزا من الوقت والخطة حتى وهم «يتآمرون» عليها أو ارادوا من وراء هذه الجائزة تركيز الانظار نحوها من اجل الاطاحة بنظامها السياسي الحاكم - وهذه هي أسوأ الاحتمالات وهي ممكنة - فإن المحصلة النهائية للحدث ايجابية لا شك.
ايجابية لان ذلك يعني ان ايران مهمة!
وايجابية لان ذلك يعني انهم اختاروا المرأة سلاحا وهذا ايضا مهم لنا في ايران وفي العالم الإسلامي بل وفي الشرق كله!
وايجابية ايضا لان ذلك يعني ان قضايا حقوق الانسان والاطفال والنساء وسجناء الرأي أو السجناء السياسيين وحرية التعبير مهمة في بلادنا ومطروحة على الشاشة وفي صلب المشهد اليومي السياسي والانساني الايراني والاقليمي والعالمي حتى استطاعت امرأة ايرانية مسلمة معارضة ان تتحرك بقوة فيه وتشد قضيتها المتتبعين لهذا الملف على الساحة الدولية، وحتى وهم «يتآمرون» على اصل القضية في أسوأ الافتراضات!
لا مانع ان تبدي بعض الاطراف الايرانية المستغرقة في الوضع الداخلي قلقها بشأن الخطط المعدة ضد ايران من جانب بعض الغرب المناور بخبثه المعهود، لكن ذلك لا يجوز ان يجعلنا نرتعب او حتى نخاف من كل خطوة او حركة أو سلوك نرتاب منه فنصور كل شيء قادم من جهة «الغرب» اسود وقاتما ولا حياة فيه!
الآن وقد قرر العالم ان يضع ايران في القلب من خريطة حقوق الانسان وحرية التعبير والانشطة السياسية والمدنية وفي مقدمتها حركة المرأة وحريتها التي نعتقد ان الاسلام خير مدافع عنها بحق وجدارة، فلنتقدم الصفوف الاولى في هذا المضمار وفي هذا فليتسابق المتسابقون. وعندها سترون وسيرى العالم كله معكم، معنا، كيف ايران كما العالم الاسلامي تستأهل ويستأهل اكثر من جائزة دولية، حتى وان لم تمنحها اياها معادلة النظام العالمي الظالمة والمجحفة، لكن السحر سينقلب على الساحر بالتأكيد. وتجارتهم ستبور فيما تجارتنا ستربح باذن الله، بشرط ان نصدق مع الله اولا ومع انفسنا ثانيا ومع شعوبنا ثالثا.
لا يختلف اثنان في ايران حاكمين او محكومين بأن ايران اليوم باتت على المحك في اكثر من مستوى وعلى اكثر من صعيد وفي اكثر من ملف ومن النووي وصولا إلى حقوق الاطفال التي يقال ان مانحي «جائزة نوبل» للسلام قد وضعوها بعين الاعتبار عندما اختاروا شيرين عبادي لهذه الجائزة!! وعلامة التعجب هنا تعود على حقوق الاطفال وليس على شيرين عبادي، لانهم لو كانوا صادقين فعلا لما كانوا قد منحوا مثل هذه الجائزة من قبل لاسزق راسب الاسرائيليين قاتل اطفال فلسطين ولا شيمون بريز قاتل اطفال قانا في لبنان مثلا. اقول ايران الآن في قلب المشهد الانساني مرة اخرى من خلال مواطنتها شيرين عبادي فلتشمر كل السواعد في ايران لا سيما سواعد النساء دفاعا عن حقوق الانسان وفي المقدمة منها حق المرأة والطفل وعندها يصبح لدينا مليون فاطمة عبادي وخديجة عبادي وزهراء عبادي وجوائز هب سنيتزعنها عاجلا أو أجلا من محكمة التاريخ الانساني من خلال تخليد دينهم وهويتهم وعدالة قضيتهم
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 407 - الجمعة 17 أكتوبر 2003م الموافق 20 شعبان 1424هـ