هناك الكثير من المفاهيم لتعريف الصحة في مفهومها الشامل ونحتاج لاستيعاب وهضم المعنى والدلالات الصحيحة لها حتى نقف على ما للرياضة والحراك الرياضي من دور مهم في تحقيق الأهداف الصحية وتحسين أداء كافة أعضاء وأجهزة جسم الانسان. إن المشاركة فى الأنشطة الرياضية وانتهاج مبدأ العقل السليم في الجسم السليم، لهما المردود الكبير إيجاباً وتعزيزاً في الصحة العامة للفرد والمجتمع.
نلقي الضوء هنا بصورة شمولية على المساحات التي تتداخل فيها الصحة مع الرياضة والحراك الرياضي، في العقود الأخيرة كان هناك انحدار مستمر ومتنامٍ في عدم الاهتمام بما للنشاط الحركي من دور فاعل ومهم في الحياة اليومية للأفراد خاصة في الدول النامية، مع أنه للكثير من الناس، تظل القليل من الحركة اليومية قائمة في سياق المزاولة العادية والروتينية، ولكنها لا تفي لتحقيق الغاية الصحية المنشودة، ولما كانت عوامل الخطر الصحية تختلف بين دولة وأخرى بل ومن منطقة عن غيرها، إلا أن الحقيقة الثابتة هي القليل من الحركة وعدم ممارسة الرياضة تبقى العامل المهم في تقدير الخطورة الصحية وفي تعرض الفرد للأمراض غير المعدية.
لقد قدّرت منظمة الصحة العالمية أنه، باستثناء القارة الافريقية، تبقى الأمراض المزمنة المسبب الأول والرئيسي للوفاة على مستوى العالم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وجدت منظمة الصحة العالمية كذلك أربعة أمراض غير معدية تستحوذ على النصيب الأكبر في أسباب الوفاة في الدول ذات مستويات الدخول المتوسطة والمتدنية. تلك الأمراض ترتيباً هي: أمراض القلب والأوعية الدموية، السرطان، الأمراض التنفسية المزمنة والسكر.
إذا نظرنا إلى تعريف الصحة حسب مفهوم منظمة الصحة العالمية، على أنها «حالة من تمام العافية من الناحية الجسمانية والذهنية والاجتماعية، وليس فقط حالة الخلو من الأمراض»، نجد المعنى الشمولي للصحة وتمام العافية.
لقد مورست الرياضة كأداة فاعلة لتعزيز الأداء الجسماني، والذهني والاجتماعي وما الخمول الحركي إلا عامل خطر مثبت بالدراسات العلمية وله دور فاعل لمعظم أمراض العصر المرتبطة بنمط الحياة الحديث، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكر، والسمنة.
تركز وتؤكد غالبية برامج الرياضة والنشاط الحركي المعنية بالمخرجات والمؤشرات الصحية عموماً على ما يأتي:
- ترويج خيارات أنمطة الحياة الصحية بين الأطفال والناشئة والبالغين لمواجهة الخمول الحركي وعدم ممارسة الرياضة.
- إدماج الرياضة كأداة فاعلة لزيادة الوعي المجتمعي بأخطار الأمراض المعدية في الدول النامية، وعلى سبيل المثال، عن طريق تنظيم الحملات الوطنية أو المناطقية الصحية التي يدعمها الرياضيون أو غيرهم.
- استخدام الرياضة أداة فاعلة لإيصال رسالة صحية أو توضيح مفهوم سلوكي لأفراد أو مجموعات عرضة لنوع معين من الأمراض أو العلل الصحية.
- تساهم الرياضة في تحقيق أهداف الصحة الذهنية، بما فيها أمراض الاكتئاب والاعتلالات النفسية المرتبطة بالقلق والأرق.
كيف يمكن للرياضة أن تساهم في تحقيق الأهداف الصحية للفرد والمجتمعات؟
استحوذت الفترة الزمنية من خمسينات القرن الماضي على جل الاهتمام البحثي في الربط بين الرياضة والصحة، ولكن الحقبة الذهبية الفعلية في بزوغ الدليل العلمي للمنافع الصحية للرياضة والحراك الجسماني، شهدتها الثمانينات والتسعينات. فهناك كم هائل من الدلائل العلمية تثبت الأثر الإيجابي الفاعل للرياضة كجزء مهم من أنمطة الحياة الصحية. والأثر الإيجابي المباشر والفاعل يتجلى في الوقاية من معظم الامراض المزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكر، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، والاكتئاب وهشاشة العظام.
ويكفي أن نعرف ما توصل له التقرير بعنوان «الرياضة للتنمية والسلام» الذي أعده فريق من الأمم المتحدة، وهي حقيقة مفادها أنه يمكن للناشئة الاستفادة من الحراك الرياضي لنمو عظامهم، وزيادة فاعلية القلب والرئة وظيفياً وكذلك تحسين المهارات الحركية والقدرات العقلية لتلك الفئة العمرية، حيث تساعد الرياضة بشكل عام وتقي من كسور الورك لدى النساء وتقلل من أثر هشاشة العظام. كما أن الإبقاء على النشاط الحركي ومواصلة الحياة اليومية النشطة لدى المتقدمين في السن يساعدهم على البقاء في صحة أفضل والاستمرار في حياة أكثر استقلالية وظيفياً كماً ونوعاً.
إضافة إلى ذلك، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن «واحداً من بين كل أربعة مرضى ممن يراجعون المستوصفات أو دور الرعاية الصحية، يعانون على الأقل من واحد من الاعتلالات الذهنية أو العصبية أو السلوكية، ولكن معظم تلك الاعتلالات إمّا أنها لا تشخص أو لا تعالج أصلاً».
لقد أظهرت العديد من الدراسات أن النشاط الرياضي يلعب دوراً علاجياً في العديد من السايكواجتماعية، والدليل العلمي على أهمية الرياضة في مجمله يركز على أثرها في العوامل الشخصية للفرد، من فسيولوجية، وعقلية وعاطفية، ولكن ذلك لا يهمل الأهمية الاجتماعية للنشاط والحراك الرياضي.
نستنتج مما سبق وننتهي إلى أن مزاولة الرياضة وجعلها جزءاً مهماً في حياتنا اليومية يعود علينا بالنفع والعافية في جوانب كثيرة منها الوقاية من اعتلالات القلب والأوعية الدموية، والسكر، والسمنة، والسرطان...
ولتبيان علمياً ما سبق نسرد الحقائق العلمية التالية:
- تساعد الرياضة على التقليل من خطر التعرض لأمراض القلب والأوعية الدموية عن طريق تحسين العمليات الأيضية للجلوكوز وتقليل مستويات الدهون ومستوى ضغط الدم.
- السمنة خطر متنامٍ يهدد سكان العالم وهناك 400 مليون فرد سمين على مستوى سكان الكرة الأرضية، وللعلم يرجع الازدياد المطرد في هذا العدد لأنماط الغذاء غير الصحية وعدم مزاولة الرياضة.
- تقدر غالبية الدراسات المسحية والأبحاث العلمية أن ما مجمله 40 في المئة من أمراض السرطان من الممكن تلافيها باتباع نظام غذاء صحي، وممارسة الرياضة والابتعاد عن التدخين.
هناك الكثير من برامج تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض بشكل عام، وتبذل وزارات الصحة والمؤسسات المعنية جهوداً لتحقيق أهدافها، ولكن تبقى الحاجة قائمة لانتهاج استراتيجية فاعلة تتخذ من مفهوم «الوقاية خير من العلاج» منطلقاً وهدفاً تحقق من خلاله أبجديات الصحة الشاملة للجميع، ومن ذلك تبرز الرياضة والنشاط الحركي كاستراتيجية جاذبة وبراقة وذات كلفة منخفضة جداً لتعزيز السلوك الصحي وتقويم أنمطة الحياة صحياً ولتقليل العبء الكبير للأمراض المزمنة في نواحيها العديدة.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4066 - الخميس 24 أكتوبر 2013م الموافق 19 ذي الحجة 1434هـ