العدد 4062 - الأحد 20 أكتوبر 2013م الموافق 15 ذي الحجة 1434هـ

ماذا وراء تفجيرات نيروبي وبيشاور؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

سفير يشغل مقعد ابن خلدون للدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية في واشنطن، مؤلِّف كتاب «الشوك والطائرة بدون طيار». والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة «كومون غراوند».

أثارت أعمال القتل الشائنة في مجمع ويستغيت التجاري في نيروبي بكينيا وكنيسة جميع القديسين في بيشاور بالباكستان الشهر الماضي، أسئلة شرعية عما يمكن عمله لوقف العنف الإرهابي. وفي الوقت الذي أشار فيه العديد من المعلّقين وبشكل غريزي إلى طابع إسلامي في الهجمات، لم يقدّم المهاجمون أنفسهم سوى براهين قليلة جدّاً على أن الإسلام كان هو الأساس.

نخاطر من خلال التركيز الخاطئ على دين ما على أنه السبب في ضياع فرصة التركيز على الأسباب الجذرية الحقيقية التي يمكن أن تساعدنا على الحد من أعمال إرهابية كهذه في المستقبل.

في حالة هجمات الباكستان، صرّحت مجموعة منشقّة عن الطالبان في باكستان بأن أعمالها كانت ردّاً على ضربات الطائرات الأميركية من دون طيار. كما أصدرت حركة الشباب وهي مجموعة متشدّدة مسلّحة ظهرت في جنوب الصومال في أعقاب الحرب الأهلية الصومالية المدمّرة، أصدرت بياناً تقول فيه إن هجومها في نيروبي كان ردّاً على الغزو الكيني للصومال.

ليس هناك أي مبرر لعنف كهذا، وخصوصاً ضد الضحايا المدنيين. لكن فهم الدوافع مهم حتى يتسنى العمل لوقف هجمات مستقبلية.

لا يمكن أن يعمل العالم على وضع حدّ لهذه النزاعات إلا من خلال فهم الأسباب وراء العنف، وطبيعة المجتمع الذي يبرز منه العنف. فمن خلال إساءة فهم الأسباب الجذرية، يمكن للحكومات جعل الأمور أكثر سوءاً.

بحثْتُ في كتابي الأخير وعنوانه: «الشوك والطائرة بدون طيار: كيف أصبحت حرب أميركا على الإرهاب حرباً عالمية على الإسلام القبلي»، أربعين حالة دراسية للمجتمعات القبلية عبر العالم الإسلامي، من المغرب إلى جنوب الفلبين. وقد وصلْتُ إلى نتيجة أن العنف يُوقده في معظم الحالات الانهيار الهيكلي بين مراكز صنع القرار في كل دولة، والأطراف التي تكون أحياناً مهمّشة، وتقاليد الثأر القبلية. وفي الوقت الذي أسيء فيه إلى الطرح الديني لتجنيد الدعم، لم يكن للإسلام شيء يذكر في ذلك.

بعد جلاء القوات الاستعمارية الأوروبية عن الباكستان وكينيا وغيرهما من المستعمرات السابقة في إفريقيا وآسيا في منتصف القرن العشرين، وجدتْ العديد من المجتمعات القبلية نفسها مهمّشة، بل حتى معرّضة للمعاملة الوحشية في الدول المستحدثة. وقد كافحت لعقود عديدة للحفاظ على هويتها وثقافتها واستقلالها.

يعمل المجتمع القبلي في الباكستان وفي أماكن أخرى على الحفاظ على القانون والنظام من خلال الاعتماد على الأعمدة التقليدية للسلطة حسبما تقررها الذرية القبلية والقيادة الدينية. وقد خرج النزاع التاريخي بين الوسط والأطراف عن السيطرة عندما أصبحت مقاطعة وزيرستان ذات الحكم الذاتي إلى حدٍّ بعيدٍ مسرحاً للحرب بعد غزو الجيش الباكستاني لها وإدخال الطائرات بدون طيار إلى المعركة، وكلاهما وقع العام 2004. وقد تم تحدّي أعمدة المجتمع التقليدية، بل حتى تدميرها من خلال مجموعة من الهجمات العسكرية وضربات الطائرات بدون طيّار والتفجيرات الانتحارية والمشاحنات القبلية.

انتهكت هذه المجموعات، من خلال هجماتها على الأبرياء في المجمّعات التجارية والكنائس، عقيدة أساسية في الإسلام موجودة في كل من القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد (ص). قتل الأبرياء، وخصوصاً النساء والأطفال، ممنوع بشكل كامل في الإسلام.

تؤثّر هجمات الطائرات بدون طيّار بشكل كامل تقريباً على القبائل المسلمة ذات مواثيق الشرف الصارمة والإيمان بالثأر، وهي قبائل تعيش على حدود أفغانستان مع باكستان وفي اليمن والصومال وجنوب الفلبين. بالنسبة إلى هذه القبائل، يُعتبر هذا النوع من الحرب خالياً من الشرف، وخصوصاً عندما تُقتَل النساء والأطفال في الضربات. ومع عدم القدرة على الرد ضد الطائرات بدون طيار، أصبحْنا نرى المزيد من الهجمات على الأسواق والكنائس والمساجد، مع الادعاء بأنها ضربات ثأرية. الغضب موجّه ليس فقط إلى الولايات المتحدة وإنما كذلك إلى الحكومات المحلية، التي تعتبر أنها تسمح بوقوع هذه الهجمات، والتي لا تتأثر إلى حدٍّ بعيدٍ بها.

إذا كان الثأر القبلي، وليس الإسلام، هو مصدر أعمال هذه الجماعات، فإننا نفقد فرصة لمخاطبة الأسباب الجذرية كجزء من الحل. وحتى يتسنى العمل باتجاه سلام دائم في هذه المناطق المضطربة، يجب أن يكون لدينا فهم حقيقي للحوافز وراء العنف الذي تنتج عنه أمور مأساوية. كما يجب أن نملك الشفقة تجاه هؤلاء الذين يعانون في هذه النزاعات في جميع المجتمعات الصغيرة ذات العلاقة.

إذا أخذْنا في الاعتبار العصر الذي نعيش فيه، وفكّرنا بنيروبي وبيشاور، يجب علينا أن نكافح لتحقيق المثل اليهودي: من أجل شفاء عالم ممزق.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 4062 - الأحد 20 أكتوبر 2013م الموافق 15 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً