بدأت «القمة الإسلامية» أعمالها في ماليزيا بحضور 57 دولة إلى جانب ضيوف يتابعون المناقشات بصفة مراقبين. وامام الحضور لائحة طويلة من القضايا ينبغي التطرق اليها وطرح اقتراحات بشأنها وأهمها تلك النقاط الساخنة المتعلقة بفلسطين والعراق وافغانستان وكشمير، وسلسلة اخرى من الافكار التي لها صلة بحوار الحضارات والعولمة وحقوق الانسان.
هذه ليست المرة الأولى التي تجتمع الدول الإسلامية في دولة لمناقشة ما هو مطلوب منها فعله وما هو مطلوب من غيرها القيام به. فهناك نقاط لها صلة بالانظمة نفسها وطبيعة الدول السياسية وهناك نقاط اخرى تتصل بشئون العلاقات الدولية ودور الدول الكبرى في تعطيل النمو في المجتمعات التابعة.
اللائحة طويلة إلا ان جدول أعمال القمة يمكن اختصاره إلى قسمين: الأول ذاتي يتعلق بالدول نفسها وهي مطالب عادلة تتطلب تطوير الانظمة لادوات حكمها وتحديث سياستها الداخلية وعلاقاتها مع شعوبها. والثاني موضوعي يتعلق بطبيعة النظام الدولي وهيمنة قطب واحد عليه ودور الشركات الاحتكارية الكبرى في سرقة ثروات الشعوب ومنعها من الاستقلال الاقتصادي وتنمية قدراتها العامة على مختلف المستويات من توظيف الأموال واستثمارها داخليا لتطوير الحياة العامة للناس.
باختصار لائحة المطالب تقوم على قاعدتين، الأولى مطلوبة من الدول المسلمة نفسها واساسها المصالحة مع شعوبها والثانية مطلوبة من الدول الكبرى صاحبة الهيمنة الدولية التي ينبغي لها ان تقلل من نمو نزعة التسلط على الشعوب واعطاء الناس فرصة للتفكير والاستقلال من دون توجيهات تخدم في النهاية مصالح الشركات الكبرى التي باتت إلى حد كبير تسيّر سياسات الولايات المتحدة.
المصالحة مع الذات والمصالحة مع الغير هو العنوان الكبير الذي يربط القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة الاسلامية. فهناك مسائل تتحمل الدول المسلمة مسئولية وقوعها وهي تملك مفاتيح الحلول لها. وهناك مسائل تتحمل الدول الكبرى مسئولية حصولها وهي ايضا تملك مفاتيح الحلول لها. فالقضايا المطروحة ليست كلها مسائل تتحمل الدول المسلمة مسئوليتها كذلك هناك بعض الجوانب المتعلقة بالانفتاح الداخلي والمصالحة مع الشعوب المحكومة والمقهورة لا تتحمل الدول الكبرى مسئولية حصولها.
فالقضايا متداخلة ومتشابكة من الزاويتين الذاتية والموضوعية والدول المسلمة لا تستطيع ان تتصالح مع العالم اذا لم تبادر إلى مصالحة شعوبها. ومن الصعب ان تنجح الدول المسلمة في تحسين سمعتها وتطوير موقعها في شبكة العلاقات الدولية ومواجهة أو تحدي هيمنة الدول الكبرى اذا لم تحقق نجاحات ملموسة على صعيد تحسين سمعتها الداخلية بالانفتاح على شعوبها وفتح السجون واطلاق سراح المعتقلين وترك القوى المحلية تتطور داخليا وتختار بحرية حياتها ومستقبلها. فالدولة الضعيفة في الداخل ضعيفة في الخارج والدولة التي لا تثق بشعبها لا يثق بها العالم. والدولة التي ترفض المصالحة مع شعبها يصعب عليها ان تتصالح مع العالم.
فالمصالحة الداخلية هي شرط المصالحة الخارجية، والدولة التي لا تخاف من شعبها هي موضوع سخرية واحتقار من العالم. فالعالم الآن يمر في مرحلة نهاية حقبة الدولة التسلطية وعلى الدول المسلمة ان تسارع إلى اكتشاف ادوات جديدة للحكم تقوم على اساس فكرة التداول وقاعدة الاستقطاب انطلاقا من الالتزام بمبدأ انساني وسياسي هو: نعم ولا. دول النعم لا وجود لها واذا وجدت لا معنى لها. ودول اللا لا قيمة لها واذا وجدت لا وظيفة لها. قوة الدولة في التداول وفي تركيز خياراتها على فلسفة الاستقطاب بين النعم واللا، فمرة لي ومرة لك. وهذا التداول السلمي يحفظ الدولة ويضمن استمرارها ويعطيها القوة والشرعية ويكسبها ثقة شعبها واحترام العالم لها.
دولة صدام حسين التسلطية اكبر مثال على الكارثة التي ستصل إليها معظم الدول المسلمة اذا لم تبادر إلى انعاش وضعها الداخلي والتصالح مع شعبها. فدولة صدام قامت على النعم فقط وبعد 30 عاما وفي الاستطلاع الاخير للانتخابات الرئاسية نال رئيسها مئة في المئة من الاصوات.
وحين جاءت الساعة لم يجد الرئيس اكثر من واحد في المئة يقف معه للدفاع عن دولته التسلطية على رغم معرفة الناس ان «الآتي اعظم».
اللائحة طويلة على جدول أعمال القمة الاسلامية والخيارات محدودة بين النعم واللا وبين المصالحة مع النفس والمصالحة مع العالم. ومشكلة الدول المسلمة انها في صراع مع الوقت وعليها انجاز الكثير من المسائل العالقة منذ عقود... و«خير البر عاجله» والإ فإن «الآتي اعظم»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ