ما يجري في سورية هو مَسْخٌ من نوعٍ فريد. لم تعد هناك ثورة ولا معركة ولا حرب أهلية ولا حرب استنزاف ولا صراع قوى فحسب، بل مَسخٌ شكَّلته كل تلك العناوين كيفما اتفق. المظاهرات، تحوَّلت إلى عمل مسلح. والعمل المسلح، تحوَّل إلى حرب. والحرب تحوَّلت إلى حروب مستَولَدة. وتلك الحروب، قد جَلَبَت معها استنزافاً أعمى، تقوده جهات عدة. اليوم، هناك حرب بين النظام السوري والمعارضة. وهناك حرب بين المعارضة والمعارضة: حرب بين إسلاميين وعلمانيين. وحرب إسلاميين ضد إسلاميين. وحرب إسلاميين ضد أكراد. وحرب إسلاميين ضد طوائف. وهناك حرب من سورية باتجاه الخارج. فقد بدا أن هناك تسرُّباً لتلك الحرب المجنونة، باتجاه العراق ولبنان وتركيا، وربما الخوف على الأردن.
لقد بدأت الصراعات جنينية، لكنها ما لبثت أن استفحلت وتعاظمت. وبدأ الجميع، يُجهز عدته للقتال، وكأنها جيوش متقابلة، تترامى بالنبال والرماح، فتتساقط حيناً هنا وحيناً هناك، لا يعلم هؤلاء إن كان أولئك النفر معهم أم عليهم، وهكذا دوليك.
أدخلت تركيا بشكل أرعن، قوافل الجماعات الجهادية، القادمة من كل حَدبٍ وصوب، بدون حساب، حتى باتت سورية ماخوراً للفكر المتطرف، الذي فجَّر صراعات متعددة في آن واحد، واحدة عرقية، وأخرى طائفية، وثالثة سياسية، ورابعة اقتصادية، حتى أصبحت سورية أرضاً يتقاتل العالم كله عليها، لتبدأ ظروف معركة سوداء عدمية لا سقف لها.
سَحَبَ الأسد قواته من الشمال السوري، وأفرغه من نشاط الدولة، مانحاً الأكراد نشوةً مُلغَّمةَ من النصر القومي. كان يُدرك، أن ذلك سيُوجِع تركيا الخائفة من استنهاض شعور أكراد سورية نحو التماهي الأوسع مع أكراد الجنوب التركي، وقد حصل ذلك، وباتت أنقرة تواجه خطراً كردياً مضاعفاً، الأمر الذي دفعها للاستنجاد بأكراد العراق.
قام الأسد، بالنفخ عسكرياً على حدود التماس الكردي في حلب عبر الانسحاب لاستدراج المقاتلين الإسلاميين إلى ذلك الخط. حصل ما كان يريد، وبدأ فتيل الصراع الكردي الإسلامي، وأخذ في التمدد نحو الحسكة. ارتكب الإرهابيون الأجانب مجازر ضد الأكراد، فَهَرَع مسعود بارزاني من العراق لنجدتهم، وفَكَّ من تحالفه معهم ومع تركيا.
تالياً، بدأ الصراع ما بين إسلاميين متشددين وآخرين معتدلين، وكذلك ما بين إسلاميين وعلمانيين. في ذلك الأوان، تشظَّت القاعدة، ما بين أميرٍ يتزعمها باسم أبي بكر البغدادي، ومتزعمٍ ثانٍ سمى نفسه بأبي محمد الجولاني، وبدأ الصراع يتدحرج على مئة فصيل تتوزَّع على مجمل المعارضة المسلحة، بينهم خمسة وأربعون ألف جهادي متطرف.
بدأت الصراعات تأكل المناطق التي تسيطر عليها الأطراف بدءًا من إعزاز في ريف حلب الشمالي، ومروراً بشرق مدينة رأس العين الحدودية مع تركيا. وفي ريف دمشق، جاء خمسة آلاف من الجماعات العراقية، بحجَّة حماية مقام السيدة زينب بنت علي حسب المعلَن.
وفي القصير جنوب غرب مدينة حمص دخل مقاتلو حزب الله تحت عنوان حماية ظهر المقاومة، وواصلوا تقدمهم في داخل سورية. ومن صوب درعا، دخلت استخبارات السي آي آي الأميركية. وفي اللاذقية، عزَّز الروس أسطولهم الحربي، ومنظومة اتصالاتهم.
وقبل أزيد من عام، بدأت بوادر تشكيل جيش الدفاع الوطني، الظهير العسكري للجيش السوري النظامي وأوكلت له مهمَّة حماية الأحياء. ومؤخراً، زار الأمين القِطْري المساعد لحزب البعث السوري هلال هلال، وَحَدَات مسلحة، أعلِنَ عنها لأول مرة، سُمِّيت بـ «كتائب البعث»، على غرار ما فعله نظام صدام حسين خلال حقبة التسعينيات.
أمام كل ذلك الاحتراب المنفلت، فإن الأرقام تشير إلى أن عدد النازحين السوريين داخل سورية (هجرة داخلية) وصل إلى 4.25 ملايين، في حين بلغ عدد اللاجئين الذين خرجوا من سورية (هجرة خارجية) 2.12 مليوني لاجئ. أما خسائر البيوت المهدَّمة الخاصة بالسوريين فقد بلغت ثمانين مليار دولار. أما الصناعات الخفيفة والثقيلة، والمحاصيل الزراعية بشتى أنواعها وقطاع السياحة، فإن خسائرها قد تدمي القلب لفداحتها.
هذه سورية اليوم! إنها أشبه بسيراليون أو رواندا في إفريقيا. بلدٌ مُدمَّر، كأن بعض مدنه برلين بعد هزيمة النازيين. جدران منهارة، وما تبقى منها مثقوب السقف والجانب. أما شوارعها، فلا تكاد ترى فيها ما يشي بأن هناك نصف حياة، أو بريقاً منها حتى. بل قد يخفي الطوب المتساقط جثثاً متحللة، حاصرتها الأنقاض، دون أن يأتي أحد ليسعفها.
هنا نسأل: هل يُفرِحُ ذلك الحال السوريين، أو المتقاتلين على أرض سورية؟ هل إنقاذ سورية هو في ذبحها؟ هل تحرير الأرض يعني تحريرها من السوريين؟ كلنا نشاهد ما يجري على الواقع. فعندما يدخل طرف إلى مكان بدعوى السيطرة عليه، تكاد لا ترى بشراً فيه! فهم إما أن يكونوا قد قُتِلُوا أو شُرِّدوا، ليبقى عَلَمُ المنتصر مغروساً على حطام لا ينطق. هل هذا انتصار؟ أم أنه هزيمة أصيلة ما دام الإنسان وعمارته للأرض قد مُزِّقا معاً؟
حتى اللاجئون في خارج سورية، لاحقهم ذلك الضيق، فبات الأمر بالنسبة لهم صعباً للغاية، بعد أن رأوا هوان العيش واستغلال الكثيرين لهم ولما يملكون من مال وأهل. اختار 38814 ألفاً منهم الرجوع إلى سورية حتى أكتوبر من العام 2012 ما يعني أن أعدادهم تضاعفت الآن! وعاد واحد وتسعون ألفاً منهم بعد أن لجأوا إلى الأردن حتى الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي. هذه أرقام مفزعة لمهانة اللجوء بالنسبة للعزيز، ولبؤس العيش في الداريْن، دار الداخل والخارج.
سياسياً، الجميع يتفاوض عن سورية وحولها وبشأنها، كثير من مقاتلي الداخل أصبحت بندقيته مستأجرة، وآخرون أصبحوا رهائن في أيدي الغير. بل بتنا نسمع عن محاكم شوارعيَّة، يُقتل فيها الصبية لأنهم مرتدون أو أبناء مرتدين وكفرة، وصار المتطرفون ينادون في حلب والرقة بـ «وهن نفسية الأمة الإسلامية» وعن جزية وخَرَاج وكأننا في أيام الفتح الأولى. هذه مهزلة الحال في سورية... فمن يرفق بها وبأهلها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4048 - الأحد 06 أكتوبر 2013م الموافق 01 ذي الحجة 1434هـ
هذا هو قلعة المقازمة :
المخابرات السورية هي أدخلت القاعدة للعراق لإفشال المشروع الأمريكي لكن هذا التنظيم الإرهابي قتل العراقيين
نظام الأسد الأب والإبن حمى الجولان من أي مقاومة ضد إسرائيل
نظام الأسد الأب والإبن تعاون مع الامريكان ضد المقاوميين الفلسطينيين
للزائر 9 وغيره لمن استلب الباطل الحق منه
أي ديكتاتور تقصد...الربع؟ اللي تعرفهم....لعلمك انا لا أؤيد الأسد حبا فيه،ولكنني أؤيد سوريا وشعبها العظيم لأنها آخر قلاع المقاومة.... اللي ربعك لم يعرفوا طعمها لأنهم من المنبطحين...نعم انا كنت استقرء الأمر منذ بداية العدوان على سوريا،وهي لعلمك لم تكن سلمية...لأن المخطط بدأ بعام قبل حدوثه...من بشر بالفوضى يا عزيزي عم ربعك اللذين جاؤا من كل أصقاع الدنيا ليقتلوا الشعب السوري...يتبع
السلة وحكمام كرة قدم
قيل لهم للبيت رب يحميه لكن البعض قدم تبرعات ومساعدات ودعم الإرهاب الصهيو – جهودي كما يقولون. هنا الفوضى لم تخلق شيء إلا أنها كشفت المستور عليه! فهل الكيان الصهيوني في إسرائيل أو خارجها – يعني من مكوناته حكام اليوم حتى أمريكا تخلت عنهم. قال جحا ليش؟ قال قرعويه هذه بلشه – يعني متلبسين بلباس غيرلباسهم و(...)
ابو حسين
يا استاذي الفاضل, ووعةبدون مزايدات على مطالب الشعب السوري المشروعة ولكن
مع الاسف الشديد وبعد عسكرة القضية ودخول كل من هب ودب واستغلال بعض
الدول العربية في القضية وهي اساسا لاتعترف بالديمقراطية وحقوق الانسان او
التعددية السياسية لهذاف سياسية خاصة مما جعل دخول منظمات تكفيري والهذف
طائفي وكانت النتجية اقتال بين ابناء الشعب الواحد سيكون الدمار والخراب في البلاد
والشعب السوري وهو الخاسر الاكبر حتي قال احد اقطاب المعارضة الثورة مسروقه
اصبت ... الحقيقة ...
لقد اصبت الحقيقة يا استاذ محمد
حقا و اقع مرير يعيشه السوريون ... اصبحت سوريا نقطة للتحالف و الصراعات و الحروب و الكل يمزق بسوريا و هذا الاختلاف بل التصارع السياسي لكسر سوريا و مقاومة سوريا علي المستوى الخارجي و لتقسيم المنطقة في العراق و لبنان و سوريا ..
و كما قال المحلل السياسي أ سالم زهران ( خـيـرات المـنـطـقة تــحــت الارض )
عبد علي البصري
شكرا لك محمد عبد الله شكرا جزيلا , نعم هكذا بدت الامور في سوريا والقضيه هي ليست سوريا فقط وأنما هو الحاله نفسها في العراق والبحرين والله المجير .
علي نور
كنا نتمنى عليك ان توظف هذا القلم الفذ في خدمة السلم والحوار لا الحرب والدمار، انتقدت العراقيين لجلبهم الاجنبي الى بلدهم لماذا ؟ وصفقت للسوريين سكنة الفنادق الذين دعو الى تدمير بلدهم لماذا ؟ كبف تفسر هذا التناقض بين الموقفين ؟ هل دعوت ولو لمرة واحدة السوريين الذين يتفاوض الجميع عن بلدهم وعن شانهم الى الحوار؟ كنت تدعو العراقيين للحوار فلماذا شح قلمك عن الدعوة ذاتها للسوريين؟ ام هي يا ترى احقاد العرب الدفينه ضد بعضهم يعبر عن نفسه بنصرة العدو ضد الاخ؟؟ يا امة ضحكت من جهلها الامم ؟
ولا تبخسوا الناس أشياءهم يا علي نور
عندما وقع العدوان الامريكي على العراق كانت كتابات الكاتب ضد الاحتلال وعندما جيشت واشنطن للحرب على سوريا وقف الكاتب ايضا ضدها رغم موقفه من الأسد فلا تزورا مواقف الناس ولا ما قالوه وما كتبوه .
((ساقية التاريخ تمر على سوريا))
((سوريا .. طبول الحرب ورقصة الفلامنكو))
هذين عنواين لمقالين للكاتب اطلع عليهم لتعرف
علي نور
هنا نسأل هل إنقاذ سورية هو في ذبحها؟هاذ السوال الذي وجهته للسوريين من الانصاف جدا ان توجهه لبعض العرب وربما توجهه الى نفسك قبلهم فلطالما شجعت وايدت ونظرت لمااسميته انذاك ثورة سوريه ضد ما اسميته نظام يكذب حتى في نشرات الاحوال الجوية ..مخجل جدا ما يفعله صحافيونا . ولطالما طلبنا منك ان توظف مقالاتك في الدعوة الى الحوار بين السوريين لا الى الدعوة الى ثورة مسلحة مجنونة انت تعلم انها جاءت لخدمة الصهاينه (اعداءك)، المتنا جدا مقالاتك وانت تتفنن في التنظير لثورة مركز قيادتها في تل ابيب يتبع
رد على الزائر علي نور
المخجل هو أن تقف مع طاغية دمشق ضد الديمقراطية والحرية، وتناصر إعلامه السمج الذي خدش حياء السوريين بإظهار فتاة صغيرة على أنها باعت شرفها للإرهابيين دون أن يخفي وجهها على أقل تقدير . تذكرني بالذين وقفوا مع ديكتاتور اسبانيا الجنرال فرانكو وناصروه ثم وعندما وقعت الحرب الأهلية ومات من الشعب الأسباني الكثير وانتصر فرانكو أخذوا يكتبون: ألم نقل لكم بأن الفاشية هي أهون الضررين!! أنتم تعيدون التاريخ بطريقة عجيبة
عودة الوعي
كنت أتابع مقالاتك عن سوريا منذ البداية،وكنت امتعض لتحليلاتك الغير موزونة آنذاك...وسبق أن قمت بالرد عليها حينها،ذاكرا لك بأن ما يحدث في سوريا هي حرب كونية...مولها بعض من المستعربين في سياق ثأر تاريخي وراثي...ولمنع من ارتدادات الثورات العربية التي افترضت أن ذلك يهدد وجودها....أما خارجيا،فكل هذا من أجل الصهاينة لخلع آخر معاقل المقاومة، وسموه الفوضى الخلاقة....لن يرفقوا بسورية...فسورية ستعلم الجميع درسا في أن الإرادات أقوى من مال النعاج وغيرها.
للزائر رقم 2 حول عودة الوعي
مقاربة غير صحيحة:
من غير الصحيح أن تدعي أنك كنت تستقرأ الأمور منذ عامين لأن الفرق هو أنك كنت تناصر ديكتاتور دمشق وتقف ضد التغيير عندما كان الحراك سلمياً وعندما تحولت الأوضاع إلى فوضى بدأت تقول بأنك كنت تبشر بالفوضى . أما المعادلة الصحيحة هو أن تقف منذ البداية ضد الديكتاتورية وعندما يقع الصراع الأهلي ترفض الاثنين
صراع دولي
من يقول ان في سوريا ثورة فهو اما ساذج او انه اعمى البصر والبصيرة . ما يجري هو صراع دولي واقليمي على ارض سوريا وقوده وناره الشعب السوري