معالجة القضايا المحيطة بواقع السياسات البيئية الحديثة في مملكة البحرين توضح حقيقة مهمة، تتمثل في أن الضمانات ضمن منظومة العمل البيئي الموجه والمؤسس لبناء نهج عملي يرتكز على أهداف ومهام عملية قادرة على إنجاز الرؤية الاستراتيجة لخريطة الطريق للعمل البيئي، تستحوذ محور اهتمام القرارات الحديثة للمجلس الأعلى للبيئة، ويتمثل ذلك في التوجه الاستراتيجي لتشييد البنى المؤسسية التي تعنى بقضايا إنجاز أهداف التنمية المستدامة وفق رؤية مؤسسة تراعي المقايسس والمعايير والاشتراطات البيئية الحديثة في المشروع الدولي البيئي، وذلك ما يمكن تبينه في مفاصل جوهر مشروع المجلس الأعلى للبيئة الذي يشير إلى التوجه «في إعداد أداة قانونية لاستصدار قرار من مجلس الوزراء يقضي بتشكيل اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة لإعداد السياسات الوطنية في هذا المجال وفق المعايير العالمية المتفق عليها في المحافل الدولية».
إن الاهتمام بتشييد البنى المؤسسية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة يشكل مطلباً عصرياً للتمكن من إنجاز الأهداف الاستراتيجية لصون معالم النظام البيئي وذلك بما يتسق والمتطلبات الحديثة لمعالجة الواقع المحيط بالقضايا البيئية في منظورها الوطني والدولي، وإن ذلك الاهتمام في مقدمة أولويات استراتيجيات الدول البيئية، وفي سياق سعيها لتوفيق معاييرها الوطنية مع معايير المشروع الدولي البيئي عملت العديد من الدول على إنشاء هياكلها التنظيمية والإدارية وتعضيد بنائها المؤسسي في الشأن البيئي، وتشكيل لجانها الوطنية التي تعنى بمعالجة القضايا التي تؤكد نهج التنمية المستدامة وتعمل على ابتكار مناهج العمل التي تفضي إلى تحقيق جودة المنجز للسياسات البيئية والارتقاء بمستوى فاعلية وجدوى العمل البيئي.
ومن الطبيعي أن يؤكد نهج خريطة الطريق المزمع بناؤها، ثوابت معايير المشروع الدولي البيئي، وأن يجري في سياق التوجه الممنهج لبناء الآليات التنظيمية والبنى المؤسسية وعلى وجه الخصوص منها «اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة» الارتكاز على أسس ومعايير المشروع الدولي البيئي التي يجري التشديد على ضروراتها في المبدأ «75» من الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة - «ريو+20» عام 2012 والذي يشير إلى أن المجتمع الدولي يؤكد على «أهمية إيجاد إطار مؤسسي معزّز للتنمية المستدامة يستجيب على نحو متّسق وفعّال للتحديات الراهنة والمقبلة ويسدّ بكفاءة الثغرات الحالية التي تعتري تنفيذ جدول أعمال التنمية المستدام».
ويشدد المبدأ ذاته على أنه «ينبغي أن يدمج الإطار المؤسسي للتنمية المستدامة الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة بطريقة متوازنة وأن يحسِّن التنفيذ بوسائل من بينها تعزيز الاتساق، والتنسيق، وتجنب ازدواجية الجهود واستعراض التقدم المحرز في تحقيق التنمية المستدامة» ويؤكد المبدأ على أن المجتمع الدولي «يجدد التأكيد أيضاً على أن ذلك الإطار ينبغي أن يتسم بالشمولية والشفافية والفعالية، وأن يضع حلولاً مشتركة ذات صلة بالتحديات العالمية التي تعترض تحقيق التنمية المستدامة».
وفي إطار توجه المجتمع الدولي لبناء أطر مؤسسية فاعلة، يشدد على ضرورة الأخذ باعتبارات مهمة ينبغي توافرها في المشروع الوطني البيئي للتمكن من ولوج مقاصد العمل البيئي في إنجاز أهداف ومهام التنمية المستدامة وذلك ما يمكن تبينه في المبدأ «103» من وثيقة «ريو+20»، الذي يشير إلى أن المجتمع الدولي يؤكد «على ضرورة كفالة التزام سياسي طويل الأجل بالتنمية المستدامة مع مراعاة الظروف والأولويات الوطنية» ويشدد المبدأ على أن المجتمع الدولي يشجع» في هذا الصدد جميع البلدان على اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة».
إنشاء اللجنة الوطنية المستدامة توجه يؤكد نهج العمل الاستراتيجي للارتقاء بفاعلية العمل البيئي، وإن إنجاز تلك المهمة يتطلب تحديد الاتجاهات المنهجية التي تمكنها من وضع المخرجات العملية الكفيلة بمعالجة القضايا الاستراتيجية في الشأن البيئي للتمكن من إنجاز أهداف التنمية المستدامة، وينبغي أن تؤكد تلك المخرجات تحديد منظومة من أولويات العمل البيئي وتتمثل في قضايا البناء المؤسسي للإدارة البيئية وتطوير التشريعات والنظم القانونية في الشأن البيئي ووضع المنهجيات العلمية للرقابة والرصد البيئي وتحديد الأسس والمعايير المنهجية للتخطيط البيئي وتطوير خطط وبرامج التوعية وبناء القدرات البيئية.
ومن المهام الرئيسة للجنة الوطنية للاستدامة التي ينبغي أن تجد مكانها في منظومة عملها، قراءة الواقع البيئي وتكوين بنك للمعلومات البيئية تتضمن معلومات علمية دقيقة للواقع البيئي يمكن الارتكاز عليها والاسترشاد بها في بناء خطط وبرامج التقييم والتأهيل البيئي وإعداد الدراسات البيئية، ووضع استراتيجيات العمل البيئي وإعداد التقارير البيئية التي تحدد التوصيف الدقيق للواقع البيئي وتضع المخرجات المؤسسة لتبيان جوانب السلب والإيجاب في آليات العمل البيئي، وذلك بما يفضي إلى الارتقاء بمستوى المعايير والأسس الحديثة للمشروع البيئي الدولي ويسهم في تحسين الواقع البيئي.
إنجاز ذلك المشروع في حاجة إلى توافر الكوادر العلمية الكفوءة في المجالات المختلف لقضايا العمل البيئي، ومن الطبيعي أن يجري الاستفادة من الكفاءات الوطنية التي تزخر بها البحرين في تعضيد فاعلية نشاطات اللجنة العلمية والمهنية وتمكينها من إنجاز أهدافها والمساهمة في الارتقاء بآليات عملها ومنجزاتها وتحقيق مقاصد العمل لصون النظام البيئي وتأمين متطلبات الأمن البيئي.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4031 - الخميس 19 سبتمبر 2013م الموافق 14 ذي القعدة 1434هـ