تدخل بعض الأنظمة العربية اليوم وبشكل صريح في عصر الحروب بالوكالة. حروبها مؤجلة منذ أكثر من 6 عقود؛ لا من قلّة إمكانات وثروات وأدوات وبشر؛ ولكن لتخلٍّ واضح وصريح ومن دون مواربة عن كلِّ ما تعتقده استجلاباً لهزّات وقلاقل وصداع من الداخل. الداخل الذي لم يستوِ لا على مستوى الحقوق، ولا على مستوى «النهضة» والإصلاح الذي صدّع رؤوسنا، مع تنامي واتساع وامتداد التخلّف على أكثر من مستوى وشاهد؛ إذ يكفي أن الإنسان في ظلها لا أثر يدل على إنسانيته، ولا شاهد يدل على أنه موجود بمعنى القدرة على الأثر والمشاركة وتصحيح المسارات حين تعوجّ وتنحرف. الحروب بالوكالة اليوم جبهاتها خارج الحدود ومن وطن مباشرة. تتكفل بذلك أموال الثروات الطبيعية التي يهيمن عليها قلّة. حرب ضد اعتقادات وسياسات ولا علاقة لهراء الدم والتاريخ والمصير المشترك؛ ذلك حدوده في المناهج التي يصرّ واضعوها ومروّجها على أنها «وطنية» أيضاً.
ما يحدث في العراق منذ العام 2003 هو حرب «وطنية مقدّسة» بالوكالة مازال من يخوضها بالنيابة عن دول في المنطقة من إرهابيين وفاسدي عقيدة ممجوجة؛ يرفعون لواء لا إله إلا الله. والمحصلة: تسابق على «يوتيوب» على من ينحر أكبر عدد من المخالفين في تلك الحرب «الوطنية» وبتمويل من خِزانات دول تشكو من العجز في الاستحقاقات؛ ولكنها مفتوحة كالصنابير إذا تعلّق الأمر بمثل تلك الحروب.
يموت الناس في دولهم من سوء التغذية والكبت والكمد والحرمان؛ في سبيل أن تتوافر سعة وإسراف أيضاً في تمويل تلك الحروب التي لا يُراد لها أن تنتهي. أعود إلى المجلد 182 العدد 4 من مجلة «تايم» الأميركية، وصورة وثلاثة عناوين على الغلاف أحدهما فرعي: تظاهرتان في القاهرة الأولى تمثل الإخوان المسلمين، والأخرى تمثل الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين باستقالة الرأس الذي يمثلهم في مؤسسة الحكم (محمد مرسي)، كل صورة تأخذ نصف مساحة الغلاف بشكل طُولي، الجانب الخاص بالإخوان المسلمين معْتم، والآخر مضى. عنوان المجلة بخصوص التظاهرات الأولى: أسوأ المتظاهرين في العالم (أنصار الإخوان المسلمين)، وبخصوص التظاهرات الثانية (أفضل المتظاهرين في العالم). والعنوان الفرعي: «قواعد الشارع».
ما الذي أريده بهذه الشاهد؟ وما علاقته بالحروب بالوكالة؟ الولايات المتحدة لم تكن بحاجة إلى الاصطفاف مع إسقاط حكم مرسي الذي جاء عبر صناديق الاقتراع؛ لولا أن الأداء السيئ والمتخاذل وحتى المتواطئ مع الكيان الصهيوني، واقتراب نجاح مشروع الإخوان المسلمين في تفتيت الدولة المصرية ونسيجها الاجتماعي؛ عبْر أكثر من شاهد وعشرات الحوادث! كان يمكن للحرب بالوكالة داخل مصر أن تذهب إلى أبعد مدى، وتفتح الطريق لامتداد مشروع التفتيت الذي لم يكتمل بعد - ويبدو في طريقه - بالنظر إلى ما يجري اليوم في سورية، بتقاطر «الجهاديين»، هكذا يُسمُّون أنفسهم كي يكون الذبح والقتل والتدمير والتفتيت بِسْم الله! عليها في وكالة غير مُعلنة لخوض حرب لا تمييز فيها بين الحجر والبشر. مئة ألف عابر للحدود في سورية من الجوّالين يقاتلون مع ما يسمّون المعارضة لا يكتفون بتنفس الهواء وتخيّل العتاد والزاد.
نتحدث عن مئات الملايين من الدولارات التي تنفق لتصفية حسابات بالوكالة بإشعال «حروب وطنية» هنا وهناك. نتحدّث عن إعلام لا يرى سوءات بلده وتجاوزاته وفرْم وسحْق الإنسان فيه؛ فيولّي وجهه شطْر أمكنة أخرى، متحدثاً بكل وقاحة وقلة حياء عن: الحيادية وشرف المهنة! الأقمار الاصطناعية توجّه اليوم لرصْد قافلة في جبال أفغانستان تقرر أن من فيها تابعين لتنظيم «طالبان»؛ لتفرم الطائرة من دون طيار مهنئين بأعراس أو مجموعة من الأطفال والشيوخ نازحين من رمضاء استهداف ذوي القربى إلى نار الذين لم يكتفوا باحتلال الأرض فتوهّموا احتلال السماء. فيما يتعلق بكنوز الفُرص التي تأتّتْ بفعل استخدام السلاح الكيماوي، وتحديداً غاز السارين؛ تعطّلت قدرات تلك الأقمار من استعراض موهبتها.
لابد أن تتعطّل كي تستأنف الحروب بالوكالة دورها؛ تاركة الأمر لمفتشين دوليين في منظمة مختطفة منذ قيامها في حماية الأقوياء والتفرّج على من لا يملكون أدوات القوة! في استمرار لتحدٍّ أطلقه قبل سنوات رئيس لجنة الشئون الخارجية في الكونغرس الأميركي، جيسي هيلمز بقوله: «الأمم المتحدة لن يكون لها؛ ما بقيت على قيد الحياة، كيان سيِّد». ولم تعد نبوءة يُراد لها التحقّق بقدر ما هو واقع يُكرّس وأصبح واحداً من مفاعيل التعاطي مع قضايا العالم بكل هذا الاستعباط والنفي الممنهج.
لا يُراد لمنظمة كتلك أن تطلع بدورها وترصد الانتهاكات على مستوى الأفراد المحصّنين بالقانون أو الدول بأنظمتها المتحصّنة بوهم الخلود والبقاء؛ وعبْر «قانون» فصّل تفصيلاً لتأبيد تلك الحصانة؛ ليأتي هنا اللعب على الحروب بالوكالة؛ إما خارج الحدود في إرباك لبوصلة الحساب والأولويات؛ وإما باستخدام ورقة الطوائف والإثنيات لتتاح للأنظمة استراحات وفرص التقاط أنفاس لاستئناف اللعب بالمصائر والحياة وتحويلها إلى رماد خارج أسوارها وبعيداً من مراكز تسلّطها؛ وليفْنَ ما تعتقد أنه قرارها ومشيئتها في الفناء!
أختم بسليم بركات بين الفينة والفينة؛ انحيازاً لروايته «السلالم الرملية» في حوار قصير بين «تاهشين» وتالماجور، في فصل «هواء النفق المؤدب»: «لا شيء تغير في الجبل». تمتم تاهشين «لا شيء تغيّر في المدى الحجري». تمتم تالماجور.»ها هو النفق». صاحا معاً. في الحروب بالوكالة لا مكافأة تنتظر أصحابها في نهاية المطاف سوى الأنفاق!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4030 - الأربعاء 18 سبتمبر 2013م الموافق 13 ذي القعدة 1434هـ
المختار الثقفي
ولو طبق قوله تلميذ النبي صلى الله عليه واله لما شقي الانسان بالانسان... قول الامام عليه السلام: الانسان اخو الانسان أحب أم كره... القاتل والمقتول اخوه في الانسانية اخوة في الوجود ... ولكن المنهج التكفيري الذي يتبعه (البعض) الأعمى عن ما يمت للانسانية يرى ان الجنة التي عرضها السموات الارض لن يدخلها لا بقتل ونحر واستخدام الغازات الخانقة ضد من يخالفه ولو بنفس يتنفسه واحسبه انه لا يرى تلك الجنة بهكذا تكفير وقتل.... تحياتي للكاتب الفذ الاستاذ الجمري
مهتم
وكذلك الحرب في سوريا بالوكالة عن المستعمر الايراني
كلمة الله هي العليا
الاديان السماويه والانسانيه تدعوا الى الرحمه بين البشر كائن من كان .....اين ضمائر هؤلاء
الحمد لله
شهد شاهد من أهلها