يتكوّن جسم الإنسان من مليارات الخلايا، وكل خلية تعمل من أجل مصلحة الجسم والحفاظ على استمرار الحياة فيه. وإذا عملت خليةٌ من أجل مصلحتها وحدها الشخصية دون الاكتراث بمصلحة الجسم، فإنها تتحوّل إلى غدة سرطانية، تهدّد كل الجسم بالموت والفناء.
فالغدد السرطانية هي خلايا فضلت مصلحتها الخاصة على مصلحة الجسم، وأخذت تضغط على الأوعية الدموية وتتغذى على حساب غيرها. إنها خلية قائمة على الأنانية والطمع والجشع من أجل مصلحتها فقط، لكنها لا تدرك أنها بهذه الأنانية تقضي على الجسم، وإذا مات الجسم فإنها تموت معه، وكأنها تقضي على نفسها بنفسها.
هذا المثل هو توضيح لما يحدث في مملكة البحرين على جميع المستويات، فالبحرين تشكّل جسم الوطن، والذين يعيشون فيه يشكلون خلايا، وحتى يكون الجسم سليماً بكامل صحته يجب أن تفضل الخلايا العمل من أجل المصلحة العامة، وتقوم العلاقة بينها على مبدأ العطاء المتبادل. ومن يفضّل مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، فإنه يتحوّل إلى غدة سرطانية، إذا استمرت في النمو فإنها ستقضي على الحياة في الوطن.
ما يحدث في البحرين على جميع المستويات، من آلام ومعاناة، هو نتيجة الأنانية وحبّ الذات التي يتولد منها الطمع والجشع، وتحقيق المصلحة الذاتية على حساب الآخرين. من أمثلة ذلك، جشع أصحاب المال، الذين يضاربون في الأراضي السكنية، إذ يقومون بشراء الأراضي السكنية، وتقليل المعروض في السوق وفق مبدأ «الاحتكار»، وبالتالي رفع الأسعار إلى مستويات قياسية من أجل تحقيق أرباح خيالية على حساب الآخرين، وهو ما تسبّب في انهيار قدرة أرباب الأسر على شراء منازل لأسرهم، مسبّبةً مآسٍ وآلاماً لعشرات الآلاف من الأسر البحرينية التي أصبحت عاجزةً عن امتلاك السكن بسبب جشع المضاربين.
من القصص أيضاً بيوت الدعارة، حيث تعلن شبكات في دول أخرى كالفلبين أو المغرب أو روسيا أو غيرها من الدول، عن وظائف مرموقة للفتيات برواتب مجزية. هذه البنت المسكينة تعتقد أنها ستعمل مديرةً أو سكرتيرةً، وعندما تصل إلى البحرين، تحجز الشبكة جواز سفرها، وتجبرها على ممارسة الدعارة. هؤلاء يستغلون الآخرين أبشع استغلال من أجل مصلحتهم الشخصية دون اكتراث بالمعاناة التي يتسبّبونها للآخرين. هذه الفتاة المسكينة تُدمّر حياتها، وقد تموت في سن مبكرة بسبب المعاناة.
هذا على المستوى الاقتصادي، وقس على ذلك مستوى استغلال النفوذ في أجهزة الدولة، ومن أبسط الأمثلة طلب موظف رشاوي من المراجعين، وهناك ما هو أكبر.
الغدد السرطانية منتشرة حتى على مستوى المجتمع والأسرة، فإذا جاء زوج أناني لا يهتم إلا بمصلحته، ولا يكترث بأسرته، فإنه يسبب معاناة لزوجته وأبنائها، بما يهدّد بموت الأسرة بإعلان الطلاق، وكذلك الزوجة الأنانية التي تسبّب الآلام لزوجها وأبنائها. بسبب أنانية الزوج أو الزوجة تتفكّك الأسرة، وينتهي الحب.
كل فرد بحريني أو أجنبي يعمل على حساب الآخرين، وعلى حساب معاناة الآخرين، ويفضّل مصلحته على مصلحة جسم الوطن، فهو خلية تحوّلت إلى غدة سرطانية.
ونظرتي الشخصية للبحرين ككل، أن الخلايا السرطانية منتشرة في كل مكان وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية. هذه الخلايا تعمل من أجل مصلحتها على حساب غيرها وعلى حساب مصلحة جسم الوطن وسلامته، ولكن هذه الخلايا في بداياتها، ولم تصل إلى مستوى الدمار الشامل.
والبحرين أمام طريقين: أما أن تستمر الخلايا السرطانية في الانتشار والنمو، حتى تصل مرحلة التدمير الشامل لجسم الوطن، وهو طريق الموت، وأما أن يتدارك من يمتلك القدرة على التغيير، على توجيه البوصلة نحو طريق الحياة الذي يعمل فيه الفرد على مبدأ العطاء المتبادل والحفاظ على حيوية جسم الوطن من خلال رفع قيمة «الإيثار».
طريق الموت يقوم على الأنانية وحب الذات والجشع والطمع، ويولّد الكراهية والأحقاد، ويدفع مجريات الأحداث نحو الدمار الشامل، أما طريق الحياة، فيقوم على الإيثار والعطاء، ويولّد الحب والترابط بين الناس ويدفع مجريات الأحداث نحو السعادة الشاملة. ونحن في الوطن... في أيّ طريق نسير؟
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4022 - الثلثاء 10 سبتمبر 2013م الموافق 05 ذي القعدة 1434هـ
يمكن
يصير