ضمن مسلسل الحيرة والقلق الذي فُرض على المواطن العربي منذ عقدين من الزمان مما تعيشه أجيالنا، وضمن حالة التصحّر النفسي التي تعمدت مناهج التربية الموجّهة عمداً لزرعها داخل المواطن العربي، وضمن مخطط كي الوعي العروبي القومي وتشويه تصحيح حركة التاريخ الإسلامي بحرص بيّن من راعي البقر وبدعم مادي مهول من قبل القوي القادمة من القرون الوسطي لنشر أمثلة إسلام التكفير والتفخيخ والقتل على الهوية الدينية والمذهبية؛ تأتي تحضيرات الهجوم المرتقب على أهم عضو في الجناح الشرقي من الوطن العربي، بعد إركاع الجسم الليبي، وهو أهم عضو في الجناح الغربي منه. ولكن السؤال الذي يعتقد البعض أنه يبقي بلا جواب هو: لماذا ستُضرب سورية دولياً، إن صح التعبير، الآن بالذات؟
والواقع، وليس رأي خاص ولا عبر اكتشافات سياسية سرية، هو من يجيب على هذا السؤال.
لأن سورية من الدول التي تعودت أن تورث الحكم بها من الابن إلى الأب وسط وطن عربي من شرقه إلى غربه يعجّ بأشكال الديمقراطية التي لا تأتي بولي أمر إلا عن طريق صناديق الاقتراع المراقَبَة دولياً بكل شفافية، حيث تنتشر الحريات والحقوق المصانة بعدها كالنار في الهشيم؛ لذا ستضرب سورية!
لأنها تخون القضايا الوطنية العربية في التحرر والاستقلال، فتساعد قوى المقاومة العربية الوطنية الإسلامية في لبنان وفلسطين؛ فهي ستُضرب!
لأنها قريبةٌ جغرافياً من الكيان الصهيوني الحبيب لقلوب الثلة الديمقراطية الأصيلة من العرب المستعربة، وخطرة استراتيجياً على وجود هذا الكيان السرطاني، فمن الأفضل أن تُضرب!
لأنها قريباً ستنافس الدول النفطية العربية في إنتاج الغاز والنفط، وربما تستفيد من ذلك المقاومة الخائنة التي تحارب الكيان الصهيوني وتقف ضد مشروع الهيمنة الأميركي على قطيع النعاج المغيّب عن الهدف، لذا لابد أن تُضرب!
لأنها هي من زرعت حثالة هذا الزمان من التكفيريين والقتلة أصحاب الشعر الكثّ والعقل المتحجر في أرض الشام لتضرب بها قوى المقاومة العربية التي تحارب الكيان الصهيوني؛ صدرت الفتوى بشرعية ضربها!
لأنها لم تُرِح عقلها ونفسها الأمارة بالسوء وتقبل بأن تساوم على الحقوق المغتصبة في فلسطين بمليارات الدولارات النفطية؛ فإنها تستحق أن تُضرب!
لأنها تتعامل فقط مع أعداء الوطن العربي من أهل روسيا والصين وفنزويلا وإيران، وترفض التعامل والانصياع كقطيع الأغنام بهشّ العصا، لكل التوجهات الغربية بقيادة الدولة المؤمنة برب العباد الولايات المتحدة؛ فإنها ستُضرب حتماً!
لأنها دولة علوية، حزبية، ليبرالية، علمانية، شوفينية، صدفية، انبطاحية، متسلقة، متحجرة، وسط حديقة غناء من اللا تحزب والوطنية الخالصة والتسامح الديني وحرية المعتقد والانفتاح العقلي والفكري على الآخر لأقصى حد؛ فهي عقلاً ستُضرب!
لأن النظام السوري يحتكر كل ثروات البلاد والعباد ويتصرف بها وفق هواه عن طريق المكرمات والهبات لمن يركع للنظام فقط ويسبح بحمده بكرة وأصيلاً، والباقي يُستثمر لصالح العائلة المالكة للنظام في بلاد الغرب الكافر وربحه يذهب للخزائن المارقة؛ فهو سيُضرب!
لأن النظام السوري لا يتورع عن هدم وتفجير الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية والهندوسية والبوذية والصابئية والأشورية والكنفوشيوسية، ويرسل المفخخين لكل أصقاع الدنيا لتخريبها باسم الدفاع عن الملة الإسلامية الحقة ذات العلة المحقة؛ فإنه سيُضرب!
لأن سورية حكومةً وشعباً، قومٌ من الجهلة القادمين من القرون الوسطى بأفكارهم الرجعية ضد التنوير ونشر الفكر العلمي والفني والأدبي والمسرحي الحداثي والتجريبي والتطويري؛ أمام كيانات أخرى تعج بجحافل العلماء والخريجين والمستبصرين التنويريين والمبدعين بدعم من كل المسئولين من شرق الوطن إلى غربه، فهي ستُضرب!
لأنها ضد حقوق المرأة ولم تعطِ أية حقيبة وزارية لأية امرأة كما فعلت كل الدول العربية من المشرق إلي المغرب دون استثناء، ولأنها مازلت تحتقر النساء وتحبسهن في بيوتهن كما الجاهلية الأولى، وتمنع تعليمهن العالي إلا بمحرم في الداخل والخارج، وترسلهن إمعاناً في ذلهن لممارسة كافة أنواع الجهاد خارج حدودها لزعزعة استقرار الدول والملل وزلزلة الكرة الأرضية؛ فهي سُتضرب لتُسحق!
لأنها تفتح حدودها البحرية فقط لمرابطة سفن روسية عدوة للإسلام والمسلمين، في الوقت الذي يحتفل فيه العالم العربي من شرقه إلى غربه بخروج آخر الجنود الأميركيين من قواعدهم الحصينة به بعد هزيمتهم على يد أبطال المقاومة العربية برعاية وإشراف الجامعة العربية؛ فكيف لا تُضرب؟
لأنها تعلمت من دروس العراق وأفغانستان، بأن الغزو الخارجي من قبل ما يسمى بين هلالين (المجتمع الدولي) مدمر لكل بلد عربي وإسلامي، وأنه تسبّب في قتل حوالي 8 ملايين نسمة طوال تاريخ هذه الغزوات الأممية، ولذا قرّرت الوقوف ضده منفردةً أو مع حلفائها؛ فهي ستُضرب على رأسها لتنسى الدرس مع بدء العام الدراسي الجديد!
ولكن وبعد، فهي ليست الأفضل وليست ملائكية وليست وحدها خارج منظومة ممارسة الخطأ والظلم والاستبداد العربية، وليست هي وحدها فقط من لا تريد أن يُفرض عليها تعلم دروس الديمقراطية على الطريقة الأميركية وترك باقي الركب في ديكتاتوريتهم يعمهون؛ فلماذا هي فقط من تم برمجة نظام الانتقام منها بكل السُبل على هامش ما يسمي بالربيع العربي منذ ما يزيد على عامين؟ رجاءً راجع ملاحظات الواقع كما وردت أعلاه مع عدم التحفظ لتصل إلى الإجابة.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4021 - الإثنين 09 سبتمبر 2013م الموافق 04 ذي القعدة 1434هـ
مهتم
يعجبني اسلوب التهكم الذي كتب به المقال. ولكنه مع الأسف ينظر للأمور بمنظور طائفي بحت . والا ماذا يسمي الاحتلال الايراني لسوريا الأبية بمعية الحزب الصفوي . وكذلك عمليات الاغتيال العديدة التي نفذت في لبنان الشقيق .