العدد 4020 - الأحد 08 سبتمبر 2013م الموافق 03 ذي القعدة 1434هـ

روحاني ومهمة تَقشِير البَشَرَة الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تسلَّم الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني السلطة في الرابع من أغسطس/ آب الماضي. ما يعني، أن عمر حكومته لغاية الآن، لا يزيد عن السبعة والثلاثين يوماً. خلال هذه الفترة، عَكَفَ الرجل، على تقشير بَشَرَة «وجه» إيران أمام العالم. وهو وإن لم يُكمِل تلك المهمة بعد نظراً لتفرُّعها وتشعبها، إلاَّ أنه مستمر في تدحرجه على وجه السلطة في إيران، التي بَدَت ملامحها في التغيُّر فعلاً.

بدأ روحاني بحكومة جديدة بالكامل. وقد منحها البرلمان الإيراني الثقة، باستثناء ثلاثة منها، لم يكونوا لِيَتسَنَّموا مناصب مهمة في حكومته (التعليم، العلوم والرياضة). وهو ما يعني، أن هناك قبولاً من اليمين (المحافظ) واليسار (الإصلاحي) داخل البرلمان لسلوك روحاني، وأيضاً لاختياراته الوزارية المتوازنة، والتي لاقت قبول الأكثرية منهم طبقاً لنسب التصويت المعلنة.

وقد لوحِظَ أن حكومة حسن روحاني هي ذات وجوه «سابقة» بالمطلق. فسوادها الأعظم تولّوا مناصب في حكومتي هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997) ومحمد خاتمي (1997 – 2005) باستثناء وزير العدل مصطفى بور محمدي، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة أحمدي نجاد الأولى قبل أن يُقيله ويختلفا علناً. أما البقية، فإما أنهم ينتمون ليمين الوسط أو اليمين الصناعي وللمعتدلين.

لذا، فإن هذه الحكومة تعتبر الأكبر سناً في تاريخ إيران منذ أن حَكَم الإسلاميون قبل 34 عاماً، إذا ما قِيسَ عُمرَا وزير الصناعة والتجارة (68 عاماً) كأكبر الوزراء سناً، ووزير الاقتصاد (52 عاماً) كأصغر الوزراء سناً، وهو ما يعني أن متوسط العمر فيها هو 57 عاماً. وقد كان عمر وزارة رفسنجاني الأولى 41 عاماً، وحكومَتَي خاتمي 45 عاماً و47 عاماً (طبقاً لقراءة الزميل علي بدرام).

لقد قام روحاني بتغيير شخوص مفاصل الحكم المرئية وغير المرئية. فعيَّن محمد نهاونديان مديراً لمكتبه الخاص. والمعروف، أن الرجل كان رئيساً لغرفة تجارة إيران، وأيضاً مبعوثاً سرياً «إيرانياً» مع الأميركيين. وهو ما يعني، رغبة منه في تعزيز اقتصاد السوق، وأيضاً مد خيوط جديدة مع الغرب. وبالمناسبة، فإن هناك أربعة وزراء في حكومة روحاني نالوا شهاداتهم العليا من الولايات المتحدة.

أيضاً، عيَّن روحاني مسعود نيلي مستشاراً له للشئون الاقتصادية. وعيَّن محمد باقر نوبخت ناطقاً باسم الحكومة، ومساعداً للرئيس لشئون الإدارة التنموية والموارد البشرية. وعيَّن مرضية أفخم ناطقةً باسم الخارجية الإيرانية كأول امرأة تتولى هذا المنصب. ثم أجرى تغييرات في الخارجية الإيرانية بتعيين إبراهيم رحيم بور مساعداً لوزير الخارجية لشئون آسيا والمحيط الهادئ خلفاً لعباس عراقجي، وهو منصبٌ مهمٌ جداً في الخارجية الإيرانية، نظراً لما يمثله الشرق الآسيوي وجنوبه من أهمية إستراتيجية لإيران، سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصادية.

لكنه أبقى على مساعدَيْ وزير الخارجية للشئون العربية والإفريقية، وللشئون القنصلية والبرلمانية والمغتربين في منصبيهما، ربما لاستمرار تصديهما للملفات المفتوحة وغير المحسومة لإيران. ثم أمرَ بنقل مسئولية إجراء المفاوضات النووية من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى وزارة الخارجية. وهي تأتي لإبعاد سعيد جليلي كوجه متشدد عن الملف النووي، مع عدم إزاحته من رئاسة المجلس (لغاية الساعة على الأقل) مراعاةً منه للتوازنات القائمة في نظام الحكم، وأيضاً لإيجاد المزيد من الانسجام ما بين السياسات الموضوعة والعمل التفاوضي والتنفيذي.

أيضاً، أزاح روحاني رئيس منظمة الطاقة الذرية فريدون عباسي، وعيَّن محله وزير الخارجية السابق علي أكبر صالحي كوجه معتدل. ثم أبعد علي أصغر سلطانية عن ممثلية إيران في الوكالة الدولية، وعيَّن محله رئيس لجنة إزالة الأسلحة المحرمة دولياً في الخارجية الإيرانية رضا نجفي. كما أبعد محافظ البنك المركزي محمود بهمني (وهو أحد أهم المناصب السيادية في إيران) وعيَّن محله ولي الله سيف، في خطوةٍ منه لتقليل تدهور قيمة الريال وإعادة الثقة للأسواق الداخلية.

أيضاً، قام بتعيين آية الله مجيد أنصاري مساعداً له للشئون البرلمانية كوجه معتدل، على الرغم من أن الرجل عضوٌ في مجلس الخبراء ومجمع تشخيص مصلحة النظام. والسبب في ذلك باعتقادي، هو مد مزيد من الجسور مع الأحزاب التقليدية في إيران، والمحسوبة على شخصيات معارضة كمهدي كروبي وعلي أكبر محتشمي بور ورسول منتجب نيا.

بل انسحب الأمر على تغيير حتى رئيس منظمة الحج والزيارة، عبر إبعاد أحمد موسوي وتعيين سعيد أوحدي بدفعٍ من وزير الثقافة والإرشاد. وربما يعتقد البعض، أن مثل هذا المنصب في إيران هو من المناصب الهامشية، إلاَّ أنه في الحقيقة، يُشكل واحداً من أهم أشكال النفوذ والتواصل الإيراني مع الخارج، عبر المنحى الديني. فهذه المنظمة معنيةٌ بزيارة ملايين الإيرانيين إلى السعودية والعراق وسورية والأردن ولبنان ومصر والمغرب العربي واليمن وتركيا وعموم آسيا الوسطى.

هذه التغييرات المهمَّة في جَسَد النظام السياسي (والتي لازالت مستمرة) هَدَفَ منها روحاني، البدء بسياسة داخلية وخارجية مختلفة تماماً. ففي ما خصَّ الداخل هَدَفَ بذلك السوق والاستثمارات والبطالة، عبر فريق اقتصادي واجتماعي مغاير بالمرة عن الفريق السابق. وإن كان على المستوى الخارجي، فلديه وزير خارجية جديد، وفريق تفاوضي نووي جديد، ووزير نفط جديد، وحتى وزير دفاع واستخبارات وتجارة جُدُد. وهو ما يعني، طيّ مرحلة أحمدي نجاد بالكامل تقريباً.

كل هذه التغييرات، بدأت تعيد الدفء لعلاقات إيران الخارجية فضلاً عن تسكين مخاوف الداخل. بتنا نسمع عن تصريحات أميركية وبريطانية جديدة. وبتنا نسمع عن رسائل يتم تبادلها بين تلك الأطراف وبين طهران سواءً مباشرةً أو عبر وسطاء. وربما كان طلب وزير الخارجية البريطاني مؤخراً لقاء الرئيس الإيراني في نيويورك إحدى أبرز تلك التغييرات، بعد قطيعة استمرت ثلاثة أعوام.

هذا التدحرج في التعيينات، وتبادل الرسائل لن يكون معالِجاً فورياً لإرث ضخم من الخصومة بين الإيرانيين والغرب، وتغذيه الملفات الساخنة في الإقليم، وبالتحديد الموقف من سورية، لكنه بالتأكيد سيعني الكثير في تلك العلاقة، وهو ما يُمكن الحديث عنه باستفاضة أكثر لاحقاً في مقال منفرد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4020 - الأحد 08 سبتمبر 2013م الموافق 03 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:55 ص

      شكرا

      تحليل رائع يضع القارئ في الصورة

    • زائر 6 | 11:38 ص

      عاقل

      روحاني رجل عاقل وهادئ

    • زائر 5 | 10:59 ص

      جمهورية حكم الهرم

      مازالت الحكم الهرمي في إيران يجعل من السياسة الخارجية غير قابلة للتغير ، فكل ما طرحه أستاذ محمد في مقاله التعديلات الوزارية في الحكومة الجديدة و هذه سوف تنعكس على السياسة الداخلية بلا شك و لكن الأمور العليا لسياسة الدولة مازالت محصورة في يد مرشد الثورة الذي لن يسمح بتطور العلاقات الأيرانية الغربية مهما جمح لها الأصلاحيون يبقى منصبه في أعلى الهرم و يتمتع بصلاحية أقتبسها دينياً لا تسمح لمعارضة و لا حتى أجتهادات فقهية

    • زائر 8 زائر 5 | 2:23 م

      سؤال

      إذا كان كذلك فلماذا تغيرت السياسة الخارجية أيام خاتمي؟؟؟ هل كان المرشد إصلاحياً؟؟؟

    • زائر 4 | 5:50 ص

      شكرا لك

      هده المعلومات وهدا التحليل الرائع يتطلب بحثا دقيقا ودراسة متعمقه وبالرغم من ان هده الدراسه تحتاج الي مجهود كبير الا انك يااستاد تسرد الموضوع بكل بساطه وبثقة المتخصص المتمرس . بارك الله فيك وزادك من العلم والمعرفه .

    • زائر 3 | 2:45 ص

      ممتاز

      مع أني عايش في ايران واتابع الأخبار باللغة الفارسية من وقت لآخر فان ما اعلمه لا يتعدى ربع ان لم يكن اقل شكرًا على هذا المقال الرائع

    • زائر 2 | 2:41 ص

      جميل جدا

      شكرا على التقرير. مقالاتك تجذب الكثير من القراء

    • زائر 1 | 12:02 ص

      شكرا

      مقالاتك متميزة أستاذ محمد شكرا على هذا التحليل والمعلومات الغنية التي تجعل المرء في لب الموضوع والقضية

اقرأ ايضاً