البناء المؤسسي وتحديث أسس وقواعد النظام القانوني والإداري للمسئولية والرقابة البيئية مطلب مهم للارتقاء بفاعلية الإدارة البيئية، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. ويمثل ذلك النهج ركيزة محورية في منظومة الأبعاد الاستراتيجية لخارطة الطريق للعمل البيئي في البحرين، ويتسق مع الرؤية الحديثة لسياسة العمل البيئي المتمثلة في القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للبيئة الخاص بالرؤية والمبادئ الإستراتيجية للبيئة في مملكة البحرين 2020.
نظام التعرفة البيئية أحد الثوابت المهمة في مجموعة قرارات المجلس الأعلى للبيئة الموجهة لتحديث أسس ومناهج العمل البيئي في البحرين، ويمثل أداة قانونية ورقابية مهمة ضمن منظومة الخطوات والتوجهات المنهجية للارتقاء بآلية الإدارة البيئية وتسهم في تعضيد المقومات الرئيسة للبناء المؤسسي في الشأن البيئي.
المجلس الأعلى للبيئة أخذا في الاعتبار لأهمية ذلك المبدأ القانوني والإداري في الارتقاء بفاعلية الإدارة البيئية، أوصى ضمن خطة عمله الحديثة «بدراسة إمكانية تطبيق نظام التعرفة البيئية على مشاريع التطوير والتنمية في البلاد، وبالأخص المشاريع الصناعية، بالتنسيق مع وزارة المالية. ويشير المجلس إلى أن نظام التعرفة البيئية المقترح لتحفيز وإلزام تلك المشاريع بالقوانين والمعايير والمواصفات البيئية المعتمدة في مملكة البحرين، وأيضاً لدعم مسيرة العمل على حماية البيئة وصيانتها من تبعات الأنشطة التي تؤثر سلباً على البيئة، وتفعيل الرقابة الشعبية وتوفير الموارد المالية لإعادة تأهيل البيئة وتحسينها».
نظام التعرفة البيئية منهج قانوني يحدد بموجبه أسس ومعايير استغلال الموارد البيئية، ونظراً لما يمثله من أهمية في صون الموارد الطبيعية وحقوق الأجيال المقبلة، جرى الأخذ به ضمن منظومة مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية- ستكهولوم-1972، حيث يجري التأكيد في المبدأ (5) من الوثيقة على أنه «يتعين استغلال الموارد غير المتجددة للأرض على نحو يصونها من النفاذ في المستقبل ويكفل إشراك البشرية قاطبة في الاستفادة من هذا الاستغلال».
كما أن مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية-1992 تؤكد في المبدأ (16) على أنه «ينبغي أن تسعى السلطات الوطنية إلى تشجيع استيعاب التكاليف البيئية داخلياً، واستخدام الأدوات الاقتصادية، آخذة في الحسبان النهج القاضي بأن يكون المسئول عن التلوث هو الذي يتحمل من حيث المبدأ تكلفة التلوث مع إيلاء المراعاة الواجبة للصالح العام».
ونظام التعرفة البيئية بالإضافة إلى كونه مبدأ قانونياً للرقابة البيئية، هو أيضاً مبدأ قانوني للمسئولية والتعويض عن الأضرار البيئية. وفي هذا الشأن يجري التأكيد عليه في المبدأ (22) في وثيقة ستكهولم الذي يشير إلى أنه «على الدول أن تتعاون في زيادة تطوير القانون الدولي فيما يتعلق بالمسئولية وبتعويض ضحايا التلوث والأضرار الأخرى، التي تتسبب فيها أنشطة يضطلع بها داخل حدود سلطة هذه الدول أو تحت رقابتها، لمناطق واقعة خارج حدود سلطتها».
ويشكل نظام التعرفة البيئية ركيزة محورية في آلية المسئولية القانونية عن الأضرار البيئية وأخذت به معظم التشريعات البيئية في الدول المشاطئة لحوض الخليج العربي، ونظراً لما يمثله من أهمية في الحد من ظاهرة المخالفات البيئية وضعه المشرع الإماراتي ضمن منظومة القواعد القانونية للقانون الاتحادي رقم (24) لسنة 1999م، في شأن حماية البيئة وتنميتها ويجري التنصيص عليه في الفصل الثاني من القانون «المسئولية والتعويض عن الأضرار البيئية»، ويؤكد في المادة (71) على أنه «كل من تسبب بفعله أو إهماله في إحداث ضرر للبيئة أو للغير نتيجة مخالفة الأحكام الواردة بهذا القانون أو اللوائح أو القرارات الصادرة تنفيذاً له يكون مسئولاً عن جميع التكاليف اللازمة لمعالجة أو إزالة هذه الأضرار، كما يلزم بأي تعويضات قد تترتب عليها».
ويوضح القانون في المادة (72) بأنه «يشمل التعويض عن الضرر البيئي المشار إليه في المادة (71) من هذا القانون الأضرار التي تصيب البيئة ذاتها وتمنع أو تقلل من الاستخدام المشروع لها، سواءً كان ذلك بصفة مؤقتة أو دائمة أو تضر بقيمتها الاقتصادية والجمالية، وكذلك تكلفة إعادة تأهيل البيئة».
ويشكل اعتماد نظام التعرفة البيئية إضافة مهمة في منظومة آلية العمل الموجهة لتعزيز نهج الانتاج والاستهلاك المستدام، ويمثل ذلك التوجه استجابة عملية للمشروع الدولي البيئي الذي جرى التأكيد على ضروراته في الوثيقة الختامية لمؤتمر الامم المتحدة للتنمية المستدامة- ريو+20 عام 2012 والتي تشدد في المبدأ (61) على أن المجتمع الدولي «يدرك أن اتخاذ إجراءات عاجلة حيال أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة حيثما كانت يظل عنصراً أساسياً لمعالجة قضية الاستدامة البيئية، وتعزيز حفظ التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية واستغلالهما استغلالاً مستداماً، وتجدّد الموارد الطبيعية، وتعزيز النمو العالمي المطرد والمنصف والشامل للجميع».
ومن الطبيعي أن يكون لنظام التعرفة البيئية نتائجه الملموسة في تعضيد مقومات الرقابة البيئية ومنظومة المسئولية عن الاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية وصون معالم النظام البيئي وتحقيق نهج الإنتاج الأنظف والاستهلاك المستدام ويضمن إنجاز أهداف التنمية المستدامة، إذا ما جرى وضع الأسس القانونية والرقابية التي يمكن أن تؤسّس لبناء نظام قانوني ورقابي فاعل للإدارة البيئية.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4017 - الخميس 05 سبتمبر 2013م الموافق 29 شوال 1434هـ