العدد 4014 - الإثنين 02 سبتمبر 2013م الموافق 26 شوال 1434هـ

نتوسل إليهم ليقتلونا!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لازلت أتذكر أبيات الشاعر فخري البارودي التي حفظتها في المدرسة الابتدائية وهي: «بلاد العرب أوطاني... من الشام لبغدان، ومن نجدٍ إلى يمن... إلى مصر فتطوان. فلا حد يباعدنا... ولا دين يفرقنا. لسان الضاد يجمعنا... بغسان وعدنان». كما لازلت أتذكر كيف كان المواطنون العرب يتلقفون خطابات جمال عبدالناصر بالرضا والتأييد باعتباره زعيم العرب وزعيم قوميتهم المنتظرة التي ستحقق لهم العزة والكرامة والانتصار على «إسرائيل»، ألد خصوم العرب وأميركا التي تقف وراءها!

وقد كتب القوميون العرب بكل تنوعاتهم الفكرية، مئات الكتب حول أهمية الوحدة العربية، وكذلك أهمية الحرية والتعبير والديمقراطية في أنظمة الحكم لأن ذلك يصب في مصلحة الأمة العربية ويسهل لها استعادة وعيها القومي!

تلك الأبجديات التي سادت زمناً طويلاً تبخرت أو كادت، عندما بدأت بعض الشعوب العربية تحاول التخلص من حكامها الظلمة، فرأينا أن قصة الأمة العربية الواحدة لم يعد لها وجود في أبجديات معظم القوميين العرب؛ وعلى العكس من ذلك بدأت هذه الأمة بقومييها تحارب بعضها بعضاً، كما بدأت تستعين بألدّ أعدائها -كما كان يقال سابقاً- لكي يقتل بعضها وتدفع له بعد ذلك مقابل أتعابه مع الامتنان والشكر!

صحيح أن الاطمئنان إلى «إسرائيل» (العدو الأول) بدأ قبل ذلك بكثير؛ فكل الاتفاقات مع «إسرائيل» كانت جزءًا من ذلك، كما أن الصمت على جرائمها ضد الفلسطينيين وضد بعض الدول العربية كان أيضاً جزءًا من الخروج على ثوابت القوميين العرب، بل والأدهى من كلّ ذلك أن كثيراً من دعاة القومية العربية وقفوا مدافعين عمن صمت عن كل تلك الجرائم وبرروا فعله وجعلوه من وسائل قوة العرب ووحدتهم!

والسؤال: من الذي أوصلنا إلى هذه الحالة المزرية التي جعلتنا نتوسل إلى أميركا والغرب لكي يحتلوا بعض بلادنا ويهاجموا أخرى، متناسين كل الروابط الدينية والعرقية والمصالح المشتركة التي تجمع العرب؟ لا أجد إلا إجابة واحدة وهي: الظلم والاستبداد الذي مارسه بعض الحكام العرب، ثم القتل والتدمير الذي فعلوه ضد المواطنين الذين طالبوهم بالعدالة وإعطائهم بعض حقوقهم.

بشار الأسد قتل حتى الآن ما يقارب مئة ألف سوري ولم يتورع عن استخدام كل الوسائل المحرمة في القتل والتدمير، كما شرد حوالي أربعة ملايين مواطن عاشوا في أوضاع مزرية ولا زالوا! فهل نلوم هؤلاء إذا لم يجدوا أمامهم إلا أميركا وبعض دول الغرب لكي تنقذهم من الموت الذي يتعرضون له كل دقيقة؟ لا يمكن أن نفعل ذلك لاسيما وأن العرب لم يستطيعوا إنقاذهم من الموت الذي يتعرضون له باستمرار.

القذافي فعل الشيء نفسه، فقتل عشرات الآلاف ودمّر العديد من المدن، وكان يتصرّف وكأنه إلهٌ مع عبيده! ولعلنا نتذكر قوله لليبيين: من أنتم؟ باحتقار لا حدود له، وأعتقد أن التدخل الأميركي والغربي كان سبباً في تقليل عدد القتلى والخسائر الأخرى، ومرةً أخرى هل نلوم الليبيين عندما فرحوا ومعهم معظم الشعوب العربية بهذا التدخل؟ لا يمكن أن نفعل ذلك لأنه لم تكن هناك وسيلة أخرى أقل ضرراً من تلك الوسيلة.

وقبلهما صدام حسين -وهو ينتمي لحزب البعث العربي الاشتراكي- فقد نسي عروبته واحتل دولة عربية مجاورة وهي الكويت وشرّد أهلها، ولأن العرب كانوا أعجز من أن يفعلوا شيئاً، فقد استعانوا بالأميركان ودفعوا لهم الثمن لكي يخرجوا العراقيين من الكويت، ثم فعلوها مرةً أخرى - ولكن هذه المرة لأسباب أخرى- فوقفوا مع الأميركان في احتلال العراق وقتل عشرات الآلاف من أبنائه!

إن تسوّل التدخل الأجنبي من جزء من العرب وضد بلد عربي آخر، ومثله تسوّل بعض المواطنين هذا التدخل ضد ما يحصل لهم من مآسٍ في بلادهم، لا يمكن أن يحصل إلا إذا شعر هؤلاء بأن كل الطرق الأخرى أصبحت مسدودةً، وأن الحياة أصبحت غير ممكنة في ظل الأوضاع المتردية التي تسبب فيها حكامهم المستبدون! هم الآن أمام خيارين أحلاهما مر؛ فإما موتٌ محقّقٌ يقوم به حاكم مستبد ويريد الاستمرار على استبداده، وإما الاستعانة بالأجنبي لعل تدخله ينقذ حياتهم ويخلّصهم من الاستبداد، وهذا أخف الضررين كما قال كل الذين رأوا أهمية التدخل الأجنبي!

كم كنا نتمنى أن يكون لدى العرب من القوة والأنظمة ما يحقق لهم الأمن والاستقرار، فالحديث عن أهمية الوحدة العربية من دون وجود آليات لتحقيق هذه الوحدة لا قيمة له، كما أن الحديث عن مخاطر التدخل الأجنبي من دون أن يكون هناك آلية لمنع الظلم ووقف الاستبداد الذي يمارسه البعض لا قيمة له أيضاً.

لقد تحدّث العرب كثيراً عن الدفاع العربي المشترك كما تحدّثوا عن محاكم عربية بديلة عن المحاكم الأجنبية، كما تحدّثوا عن الاقتصاد والتعليم والسياسة وأشياء أخرى كثيرة، ولكن لم ينفذ شيء من ذلك على الإطلاق، وهذا ما سمح بالتدخل الأجنبي في كثير من الأوضاع العربية، وفي أحيان كثيرة بمباركة القوميين العرب وهذا ما يندى له الجبين!

من أسوأ الأشياء أن نكون سعداء بالتدخل الأجنبي في بلادنا العربية، ولكن أسوأ من ذلك انتظار الموت كل دقيقة من حاكم مستبد لا يرى أية قيمة لمواطنيه!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4014 - الإثنين 02 سبتمبر 2013م الموافق 26 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 8:19 ص

      كاتبنا

      كاتبنا تشبه عادل امام

    • زائر 19 | 7:07 ص

      بشار .والكيماوي !!

      أبدأ كلامي ب حدث العاقل بما يليق . العالم أتهمت الرئيس بشار بشن الكيماوي في منطقة في العاصمة دمشق . كيف يضرب الكيماوي في المناطق التابعة له وهي المنطقة التي يسيطر عليها .؟!! لو كان فعلا قد ضرب الكيماوي لضرب في معقل المسلحين !! كيف يضرب الأهالي العزل ويترك المسلحين ؟ واذا فرضنا فعلا قد ضرب العزل فلن يضرب الا في مناطق بعيده عن العاصمة .! أيضا كيف يضرب في الوقت الحالي والمراقبين يراقبون سوريا أول بأول . ! على فكرة لست مع بشار ولا مع مسلحين انا مع عقلي والمنطق . أش رايك ...

    • زائر 16 | 5:45 ص

      عزيزنا الكاتب المحترم

      حتى نحن وانت والكتاب نحن جميعا فطاحل ومحللين وسياسين اكابر ننصح ونوجه وووو ، ولكننا ( عميان ) عما يحدث في دولنا ، ننتقد هذا الحاكم وذاك الحاكم ولكننا نبجل حاكمنا الذي نحن تحت سلطته المباشرة ، نحقر ذاك الحاكم ونجل ما عندنا اليس نحن شركاء وخاصة المثقفين والعلماء والنخبة هم ايضا يستحقون ما يستحقه الحاكم من صفة الأجرام والنعوت التي ننعته بها ؟؟ عزيزي الكاتب نرمي الناس بالحصى وبيوتنا اوهن من بيوت العنكبوت .

    • زائر 15 | 4:45 ص

      امريكا ضعيفة

      امريكا اضعف من خيط العنكبوت الان الان

    • زائر 14 | 4:39 ص

      الكل رابح أو الكل خاسر عد ما تندلع الحروب؟

      يقال الحرب خدعة بينما الفتاوي بدعه. فقد عرف الناس من أسلحة أو أدوات تستخدم في الحروب منها ما يطلق عليها حرب نفسية وحرب اعلامية التي تستخدم للتشويش والتضليل لكي لا يعرف الناس الحقيقة. مثال ماجرى في الجزائر ولبيا والسودان والعراق ويوغسلافيا سابقا... من المعلوم أن الحرب ليست من المخلوقات لكن لخلق حرب بين الناس الغير الأسوياء- يعني نقص عقل صادهم فلا تحتاج الى غير فتيله ونار لتوقدها. مال يعمي به عيون البعض وسلاح وفتنه وسرقة النفط يأخذه ليس من يتحارب وإنما من صنع الفوضى وأسس لها. اليس الكل خاسر؟

    • زائر 13 | 4:35 ص

      كيل بمكيالين

      مشكلة بشار أنه قتل شعبه، أما مشكلة صدام حسين فأنه غزا دولة مجاورة!!!
      ما هذا الكيل بمكيالين، فصدام لو لم يحتل الكويت لما استحق القتل!!؟؟
      مشكلتنا هم أنتم!!

    • زائر 17 زائر 13 | 5:52 ص

      صدام بس غزا الكويت فقط !!!!

      شكلك بتحب صدام وايد.. من ضرب الكيماوي في حلبجة . ومن يعذب الناس على هويتهم . يا أخي شوف فيديو عن صدام لكي تعرف كيف كان قاتل درجة أولى . اللي يبي يعرف يبحث ويشوف تالي يعلق .

    • زائر 11 | 3:33 ص

      الحرب الضرورية

      إذا كانت الضربة العسكرية لسورية ضرورية لوضع النقاط على الحروف فأهلاً بها ، لأن الدول التي لم ترهن نفسها بالأمريكي قادرة على التصدي له و الصمود أمامه ، ربما تكون الحرب كارثة على من ظل سنين طويلة و هو لا يعرف غير الأمريكي و لا يتعاون إلا مع الأمريكي و مع أصدقائه ، و لكن دائماً من يرهن نفسه بالأمريكي يكون خاسراً ، فإذاً نكرر لو كانت الضربة العسكرية لسورية ضرورية لوضع النقاط على الحروف فأهلاً بها .

    • زائر 10 | 2:49 ص

      كن داع للسلام

      وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وماهوعنها بألحديث المرجم 

    • زائر 9 | 2:39 ص

      كن داع للسلام

      وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما عنها بالحديث المرجم

    • زائر 8 | 2:17 ص

      بل ندفع لهم فاتورة ضخمة من اموال الشعوب لضرب الشعوب

      سمعت خبرا ولا ادري مدى صحته والعتب على الراوي ان هناك فاتورة دفعت من الدول العربية وهي قرابة 200 مليار دولار كلفة تدمير سوريا.
      200 مليار تسرق من اموال الشعوب لتدفع لتدمير الشعوب! اي شعوب نحن؟ واي حكومات تحكمنا؟
      لا اجد كلمات تستطيع توصيف واقعنا المرير

    • زائر 7 | 2:14 ص

      التدخل الغربى

      كل الدول التى تدخلة فيها أمريكا والدول الغربيه تعانى من انفلات امنى مريع وتفتت فى مفاصل الدوله وهذا ما تريده الدول الغربيه لدولنا بالتفكك على حساب تفرد الكيان الصهيونى بالغلبه والآمان وهذا من جهلنا وتصديق اعلام انظمتنا الباليه

    • زائر 5 | 2:04 ص

      قناص

      كان سابفا لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان واما اليوم فلسان الزاد أصبح يجمعنا خيث اصبح حرف الضاد لا ينطق به الا العرب الاصليون واستبدل بحرف الزاء للدخلاء من الجنسات التي لا تتكلم العربية وادمجت في هذا الوطن وخوفا على ابنائنا من نسيان حرف الضاد ويكون الشاعر فخري البارودي قد باع ذره على فحام ومن باع ذر على فحام ضيعه . الله المستعان .

    • زائر 3 | 12:19 ص

      انظر بعينك يا كاتب. لتعرف المجرم

      ياليتك نظرت بعينك حقا يا كاتب. من يقتل اللنساء من يهجرهم يحرق البيوت؟ شاهد مقاطع الفيديو لتكفيريين وجبهة النصرة لترى اي اجرام فيها؟ هل عميت عينك عن رؤية الحقيقة ام انك تريد تبرير خيانتهم ولجوئهم لللغرب لضرب ما يسمونه بوطنهم سوريا؟؟؟. انظر بعينك وقلبك الواعي ولا تخدع نفسك، فكلنا نعرف المجرم

    • زائر 4 زائر 3 | 1:28 ص

      لأنك لا تنظر إلا بما ترغب في النظر إليه ‏

      مقاطع الفيديو الذي ذكرتها لجرائم التكفيريين والإرهابيين صحيحة ولكنك لم تكلف نفسك عناء البحث عن جرائم النظام السوري وشبيحته ‏ أو أنك تنسب كل الجرائم الذي ارتكبها النظام السوري للمسلحين وهذه هي المشكلة أنك تنظر للأمور بمنظور طائفي يعني ايران تقف مع بشار يعني بشار محب آل محمد يعني بشار شيعي يعني يدخل الجنة بغير حسابه هو وشبيحته

    • زائر 21 زائر 3 | 9:57 ص

      +:)

      متأكد ان الذي رد هو نفسه الكاتب :)

    • زائر 2 | 10:06 م

      !

      مقال ابتدأ بحق وانتهى بباطل

    • زائر 6 زائر 2 | 2:10 ص

      الى الزائر رقم 2

      اني متأكد انك لم تفهم مضمون هذا المقال ولا تفهم ماذا تقرأ فلا تتدخل في شي لا تفهم معناه يا ابني روح اتعلم وتعال اكتب .

    • زائر 1 | 9:57 م

      لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا

      مشكلة العرب عصية على الحل وهذا وضعهم يكتفون أيديهم بأنفسهم ويعطون الآخرين العصي ليضربونهم يسيرون عكس اتجاه الريح يبحثون في تراثهم كل ما يبقي على حالتهم يلهثون وراء شيوخ الفتنة وفتاوى النكفير وقتل الآخرين باسم الدين تارة وباسم الإنسانية تارة أخرى رباسم القانون أحيانا كثيرة يحطمون المصابيح التي تنير طريقهم وينصبون على رقابهم من يستعبدهم يعرفون الباطل باذلا فيتبعونه والحق حق فيحاربونه ولو بعث الله عشرات الأنبياء فلن يجدي معهم فذرهم في غيهم بعمهون.

اقرأ ايضاً