قبل أيام خلت، مرت علينا ذكرى رحيل شخصية علمية بحرينية فذة، كان لها دور علمي بارز في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. ففي الحادي والعشرين من شوّال 1216 هـ (1801م) رحل الشيخ حسين بن الشيخ محمّد آل عصفور الدرازي عن دنيانا بقرية الشاخورة التي دُفن فيها، مخلّفاً مصنفات علمية كثيرة في علوم الفقه والأصول والحديث... وبعد حياة علمية مليئة حافلة بالانجازات.
لقد مثل مؤتمر العلامة الشيخ حسين آل عصفور: «الرسالة والموقف» المنعقد في الفترة من 14 – 16 مارس/ آذار 2010، نقطة مضيئة في طريق إحياء ذكر هذه الشخصيات التي لاتزال مساهماتها العلمية في تاريخ البلاد مجهولةً، ومحطة مهمة من محطات إحياء التراث العلمي البحريني، لولا ما شابه من قصور تمثل الأول في غياب أغلب تراثه العلمي الذي لازال مخطوطاً؛ والثاني في مرور أكثر من ثلاث سنوات ولم تطبع بعد أوراق المؤتمر في كتاب وإتاحتها للباحثين كما وعد منظمو المؤتمر؛ والثالث في الانقطاع الذي تلا المؤتمر دون أية برامج علمية وثقافية كفيلة بإدامة الرسالة التي أقيم من أجلها المؤتمر، الذي نظم من قبل مجلس الحاج منصور بن إبراهيم آل عصفور، بعيداً عن صخب الإعلام وضجيج المظاهر، والوقت لم يفت بعد، والرسالة والمسئولية يجب أن يستشعرها الجميع.
وحسناً فعل الشيخ فاضل الزاكي الذي كان أحد المشاركين في المؤتمر المذكور، حينما بادر بطباعة ورقة العمل التي قدّمها للمؤتمر، وصدر الكتاب مستقلاً بعنوان «تلامذة العلامة الشيخ حسين آل عصفور»، عن المجلس الإسلامي العلمائي (2010)، والأمل لا يزال يحدونا في رؤية كتاب يضم بين دفتيه أوراق المؤتمر الآنف الذكر، وإخراج كل تراث الشيخ العلمي إلى النور.
ولد الشيخ حسين في القرن الثاني عشر الهجري في قرية الدراز، وانتقلت بيوتات متعددة من أفراد آل عصفور بانتقاله الشيخ منها إلى قرية الشاخورة، بسبب الكوارث والغارات الخارجية التي وقعت على البلاد، بينما بقيت أسر أخرى في الدراز للحفاظ على ممتلكات الأسرة ومنازلهم وأملاكهم الأخرى.
وبعد أن حطّ رحاله في الشاخورة، قام بشراء بعض المنازل لسكناه ولسكنى أفراد أسرته، كما قام ببناء مجلسٍ لبحثه ودرسه، ظلّ على امتداد سنوات مهوى لرواد العلم والفضيلة واستقطاب الكفاءات العلمية، بما كان يعد أعظم حوزةٍ علميةٍ شهدها تاريخ البحرين في حينه.
الروايات المتداولة في كتب التاريخ تشير إلى أن سبب وفاة الشيخ حسين كان تعرّضه لطعنة حربة أودت بحياته في إحدى هجمات الغزاة العمانيين التي تعرّضت لها البلاد وقتئذ، لكن بعض الباحثين يشكّك في قصة المقتل هذه، غير أن الأكيد أن هجرةً جماعيةً واسعة لأسرة آل عصفور أعقبت وفاة الشيخ حسين إلى البلاد والنواحي المحيطة كالمنطقة الشرقية لشبه الجزيرة العربية والبصرة وكربلاء وخوزستان (الدورق والفلاحية وغيرها) وبوشهر وشيراز وكازرون وجهرم واصطبانات ويزد وطهران، ومن دجل السياسة ومضحكاتها أن يتم اتهام البحرينيين اليوم بأنهم من أصول ايرانية! والحال أن البحرينيين طوّحت بهم ظروفهم الصعبة في دروب المهاجر القريبة والبعيدة حتى وصلوا إلى قلب الهند وأطراف القارة السمراء في أفريقيا، طلباً للأمن والسلامة.
تتلمذ الشيخ حسين على أبيه الشيخ محمّد، ثمّ سافر إلى العتبات المقدّسة بمعية ابن عمّه الشيخ خلف، ولازما درس عمّهما الشيخ يوسف البحراني (ت 1186هـ/ 1772م) في النجف الأشرف، حتّى منحهما إجازته المبسوطة المسمّاة بـ «لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين خلف وحسين» كما أخذ عن عمه الشيخ عبدعلي بعض الدروس. وكان يجيد الحفظ بشكل عجيب، ويُروى أنه كان يحفظ اثني عشر ألفاً من الأحاديث المعنعنة، وقد تخرج على يده الكثير من العلماء. وقد تأثّر الشيخ حسين كثيراً بعمّه الشيخ يوسف منهجاً وأُسلوباً وصياغةً وتحقيقاً، كما تشهد به كتبه ومصنّفاته.
وقد قال عنه السيّد محسن الأمين (ت 1951): «كان شيخ الأخبارية في عصره وعلاّمتهم، متبحّراً في الفقه والحديث، طويل الباع، كثير الاطّلاع». ووصفه الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت 1970) بأنه «من المصنّفين المكثرين المتبحّرين في الفقه والأُصول والحديث وغيرها»، وقد ذكره في مواطن كثيرة جداً في موسوعته «الذريعة».
تتلمذ عليه الكثيرون، منهم الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي (ت 1241 هـ/ 1826م)، والشيخ عبدالله بن علي الجدحفصي، والشيخ محمد بن خلف الستري، والشيخ محمد علي القطري البلادي والشيخ مرزوق بن محمد البحراني وغيرهم.
ولقد ثنيت له وسادة المرجعية العليا، ودانت له بالمرجعية الكثير من شعوب الخليج في جنوب العراق وخوزستان وبوشهر ولنجة وسلطنة عمان وقطر ومدن محافظة القطيف وخراسان وقبائل الهزارة في كابل عاصمة أفغانستان. ولا يزال الكثيرون في البحرين متمسكين بتقليده فقهياً رغم مضي أكثر من قرنين من الزمان على رحيله.
ومن أبرز مؤلّفات الشيخ حسين «رواشح العناية الربّانية في شرح الكفاية الخراسانية»، «عيون الحقائق الفاخرة في تتمّة الحدائق الناضرة»، «مفاتيح الغيب والتبيان في تفسير غريب القرآن»، «الأنوار الوضية في شرح العقائد الرضوية»، «الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع» (طبع منه أجزاء، وخضع للتحقيق من قبل المرحوم الشيخ علي العصفور، كما أن هناك جهداً آخر للشيخ محسن العصفور في إخراج هذا الموسوعة التي قد تبلغ في حال صدورها بالكامل نحو 20 مجلداً، وجهود أخرى لمؤسسة طيبة لإحياء التراث في إخراج هذا العمل)، «كشف اللثام في شرح أعلام الأنام بعلم الكلام» (للشيخ سليمان الماحوزي)، «شارحة الصدور ورافعة المحذور»، «القول الشارح في التوحيد»، «سداد العباد ورشاد العبّاد». و»الفوادح الحسينية» الذي قام بتحقيقه الشاب النابه السيد حسن علوي الموسوي، وكتب أخرى في وفيات أئمة أهل البيت النبوي الشريف.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4014 - الإثنين 02 سبتمبر 2013م الموافق 26 شوال 1434هـ
شكرا على المقال
أستاذ وسام، المعروف أن الشيخ يوسف عاش في كربلاء ودفن فيها وليس في النجف.
الشيخ الفقيه
نتمنى احياء تراث هؤلاء الأعلام الذين نفخر بهم وابراز فكرهم النير لجميع الناس حتى نرتوي من معين ما تركوه لنا من مؤلفات تبهر العقول. ان عدم حفاظنا على هذا التراث يعد اعمال وعدم اكتراث بهم شخصيا, لنعمل جميعا يدا بيد من أجل الحفاظ على هذا التراث القيم والسير على نهجهم. وفق الله الجميع لما فيه الخير. (محرقي/حايكي)
الشيخ حسين العصفور
السلام عليكم ، وشكرا لك يا استاذ على هذا الجهد النافع وجزاك الله خيرا ووفقك لمراضيه في الدنيا والآخرة. (. بحريني أصيل )
شكرا
شكرا لمتابعتك
تصحيح2
الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي لم يكن من تلامذة الشيخ حسين. بل كان ممن استجاز منه للرواية فقط. وبين الأمرين فرق.
الفرق معلوم
شكرا للمرور الجميل.. الفرق معلوم ياصديقي .. ورد في اكثر من مصدر رجالي أن الشيخ الاحسائي من تلامذة الشيخ حسين وليس مجازاً عنه فحسب.. دمت موفق
تصحيح1
الشيخ حسين لازم عمه الشيخ عبدعلي حتى وفاة الأخير عام1177، وتأثر به أكثر من عمه الشيخ يوسف، وكان يرى بأن زعامة المذهب كانت عند عمه الشيخ عبدعلي.
يحتاج الى دليل
ملاحظة رائعة .. ولكن تحتاج لقرينة .. فالمعروف في كتب الرجال تأثره بعمه الشيخ يوسف الذي كان زعيماً للمذهب لايبارى .. حبذا لو تفضلت بالدليل لتعم الفائدة
الله يرحمه
دعهم يشككون في أصولنا وستثبت لهم الأيام من نحن
شكرا
احسنت استاذ بارك الله فيك
شكرا
شكرا لمرورك الجميل
الشيخ بأهل زمانه عالم فاضل جليل .. ولكن
بمقارنة الأنتاج الفكري بين فقهاء هذا العصر والشيخ نتج الفارق كبير "كان شيخ الأخبارية في عصره وعلاّمتهم، متبحّراً في الفقه والحديث، طويل الباع، كثير الاطّلاع»
ولكن مع الأسف الشديد يصر البحرينيون على البقاء على تقليده ! ومع توسع العلوم وووووظهر من هم أكثر علما منه وتفكيرا وتنظيرا ووووو فلا يمكن أن يقارك بالشيهد الصدر مثلا أو ووووووو
رغم أن 50%من المسائل قد دخلت في شؤون الناس بسبب التطور الملحوظ
رحمك الله
يا ولي الله ايها العالم الجليل