يتشكل الماء حيث يكون الإناء أو الحاوية، فقد يأخذ شكل الكأس أو شكل الحوض وصولا إلى البركة أو السد، وبالمثل عندما يتأمل المرء في شيء ما فإن العقل يأخذ شكل ذلك الشيء، وعندما يتفكر العقل في كل أشكال الآلهة التي تتخلل العبادات فإنه في نهاية المطاف وعلى المدى الطويل ومن خلال التكريس العباداتي المتواصل يأخذ الشكل العام لانماط تلك الآلهة، وهذا ما حدا ببعض اليوغيين إلى القول أن الآلة (تصور عقلي) وعللوا ذلك بأن أسماء الآلهة اشتقت من بعض صفات البشر، أو من الطبيعة كإله النار وإله الريح وغيرها وبهذه الطريقة رسم في ذهن العباد شكل الإله أو تصوره على النحو الذي يوافق مفهومهم ويحدد حاجتهم بين رادع عن الكبائر إلى المعين في الشدائد والنكبات والمحن، وهكذا يأخذ العقل الشكل العام للإله كما يأخذ الماء الشكل العام للوعاء.

وعندما نسكب الزيت من وعاء لآخر نلاحظ بوضوح سلاسة وثبات التدفق وبالمثل عندما يكون التركيز من الثبات والسلاسة بحيث يتخطى كل المعوقات فإننا نكون قد وصلنا إلى المرحلة السابعة فى اليوغا (الديانا) التركيز وأقرب شبه لهذه الحالة هو تحول (الشعيرة) في المصباح الكهربائي إلى ضوء متوهج عند وصول تيار كهربائي ثابت وغير متقطع، وعليه عندما يضاء عقل اليوغي بنور التأمل فإن (اليوغي) يصل إلى حال تكون فيه حواسه وجسده وتنفسه وعقله وميزان السببيه عنده كلها تندمج وتتوحد في هدف واحد وهو موضوع التأمل، ويبقي في حال من اليقظة وشعور بالغبطة العالية يتخطى كل الوصف، وكشعاع من النور يرى اليوغي الضوء يغمر قلبه وعقله نور يتخطى الأرض والجنة المعنية وصولا إلى حال عصية على الوصف.

تندرج المراحل الثلاث الدرانا والديانا والسمادي تحت باب واحد في اليوغا تحت مسمى السامياما لسبب شدة الصلة بينها، ففي حين تعتبر الدرانا تطوير لملكة الانتباه عبر المراقبة للذات وانتهاج التركيز على بعض الأمور نجد أن الديانا هي عبارة عن تطوير ملكة التركيز للسيطرة على الفكر وتتوج السمادي الاثنتين نحو بحر التأمل والغوص في ملكوت النفس.

يعتبر التركيز مدخل للسيطرة على الذات وسبر أغوار العالم الداخلي الوعي الباطني والوعي النقي، ولكن لا سبيل للسيطرة على الذات بدون السيطرة على النفس والسيطرة على الحركة والسيطرة على الفكر والأخير(السيطرة على الفكر) يقود في نهاية المطاف للسيطرة على النفس إنها مفتاح اليوغا والدخول إلى عالم الصحة والعافية والتى تفضي في نهاية المطاف الى تغيير حياة الانسان وقدرته، لذا كلما توغلنا في اليوغا نجد أننا أمام علم متشعب يتناول حياة الإنسان من جميع الجوانب.

في هذا الباب سوف نقف على بعض التمارين التي تشحذ التركيز كتمارين العين، الغريب أن أكثر محبي اليوغا يميلون الى الاستزادة منها نظريا بل أن البعض يميل إلى القفز إلى التمارين المتقدمة كاللوتس والرأس للركبتين وغيرها وينسون أن هناك تمارين بسيطة وعظيمة الفائدة، فتمارين العينين تحقق فائدتين كتصحيح مشاكل البصر ولكن الأهم من ذلك التركيز والعين مرآة النفس والنافذة على عالم السماء والنور فهي لا تعمل إلا في النور عكس باقي أعضاء الحواس وهي رديفة للكف فهي تدور وتراقب وتسجل المتغيرات والجسد ثابت في حين أن الكف يمثل العطاء والحركة وهناك عدة تمارين للعين منها:

التحديق في أرنبة الأنف

اجلس جلسة اللوتس أو أي جلسة مريحة بحيث يكون العمود الفقرى متعامداً مع الجزء السفلي، والآن إجعل رأسك مستقيما وابدأ بالتحديق في أرنبة الأنف(رأس الانف) لمدة نصف دقيقة ولكن حاول طوال هذه المدة الاّ يشت بصرك بعيداً لذلك إبعد الألوان الحادة عن محيط المكان حتى لا يشرد البصر إليها، والأفضل أن تكون الخلفية أمامك بيضاء، حاول جاهدا أن تركز في أرنبة الأنف فقط وإذا شعرت بالتعب اوقف التمرين واغلق عينيك لمدة دقيقتين ثم انتقل الى:

التحديق في المسافة ما بين العينين

حاول أن تتصور نقطة في المسافة ما بين العينين وابدأ التحديق فيها واعمل بنفس الإرشادات السابقة من إبعاد الالوان الحادة كالأحمر والبرتقالي والأسود وابق على الخلفية البيضاء ستجد صعوبة أول الامر ولكن سرعان ما تعتاد عضلات عينيك على هذا التمرين وبعد أن تأخذ كفايتك نصف دقيقة أو أكثر اغلق عينيك وأرحهما لمدة دقيقتين ثم انتقل للتمرين التالي :

التحديق في الكتف الأيمن

إجعل وجهة وجهك إلى الأمام وحاول أن تحدق ببصرك في طرف الكتف الأيمن ولكن إحرص أن يبقى رأسك مستقيما للأمام في حين عينيك تحدقان في طرف الكتف الأيمن، واذا وجدت صعوبة يمكنك في البداية وضع قطعة ممحاة أو أي شيء معدني صغير لونه أحمر فوق الكتف الأيمن فتستعين بجنوح البصر إليه ويساعدك على تثبيت بصرك، إبقى في هذا الوضع لمدة نصف دقيقة، ثم اغلق عينيك وارحها لمدة دقيقتين ثم أكمل التمرين بنفس الأسلوب للكتف الايسر بالمثل، إجعل الخلفية ما بعد الكتف الأيسر أو الأيمن بيضاء واحرص على أن يكون هذا التمرين مرة واحدة في اليوم تفاديا لإجهاد عضلات العينين.

التحديق في النقطة السوداء

اختر ورقة رسم 50 X 30 سم وارسم في وسطها نقطة سوداء ثبتها جيدا على الحائط في وضع تكون فيه في مستوى النظر والآن اجلس جلسة مريحة على أن يكون العمود الفقري متعمداً على الجزء السفلي ثم ابدأ بالتحديق في النقطة السوداء ولكن حاول جاهدا أن تركز بصرك دون أن يرف جفنك ستجد صعوبة أول الأمر ولكن مع التمرين اليومي ستتمكن من ذك بإذن الله والآن حافظ على التحديق في النقطة السوداء دون أن يرف لك جفن حتى تبدأ بالشعور بحرارة في العينين ثم تساقط الدموع اغلق عينيك وإرحهما لمدة دقيقتين.

أما فوائد هذا التمرين فيمكن إيجازها في أنها تزيد القدرة على التذكر وتحارب التشتت والسهو وبعد تمرين جاد ومثابرة يصبح المرء أكثر هدوءا واتزانا، ويصبح سيد نفسه كما أنها تقوي الشخصية وتنقذ من تأثير شخصيات الآخرين على الفرد، كما إنها تشفي بعض عيوب العين وتحارب الاضطرابات، كما تساعد على علاج بعض العادات الناجمة عن التشنج مثل التأتاة أو اللعب بالاصابع.عزيزى القارىء هاقد بلغنا نهاية الطريق ووقفنا على مشارف السمادى عالم عظيم لا يبلغة الا الواصلون.