يفتتح صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الدور الثاني للمجلس الوطني اليوم السبت، في ظل توقعات بأن تشهد جلسات النواب المقبلة نقاشات ساخنة بشأن الأمور ذاتها التي «وترت» أجواء المجلس في دوره الأول، فيما يرى متابعون أن المناقشات «الساخنة» لا تعني مطلقا أن المجلس فاعل، إذ ينتظر الناس (الذين قاطعوا وشاركوا) «إنجازات» على الأرض، وليس مجرد تقديم مقترحات برغبة ومقترحات مشروعات تضعها الحكومة في أدراجها.
في هذا الوقت، لم يفقد الدّاعمون للتشكيلة الحالية للبرلمان الأمل بأن يتمكن النواب من اثبات أنهم ليسوا «ظاهرة صوتية»، بحسب ما حاول معارضون (مقاطعون للدقة) لصقها بالمجلس المنتخب.
الخطاب الملكي
وتتباين الرؤى بشأن إمكان أن يتضمن الخطاب الملكي الذي سيلقى اليوم خارج القاعة الرئيسية، (أي في الهواء الطلق)، مبادرات جديدة يمكن أن تشكل استجابة لبعض مطالب المعارضة «الثانوية»، فيما يرجح على نطاق واسع ألا يعلن اتخاذ أي إجراء يستجيب لمطلب المعارضة الرئيسي، المتمثل في إجراء تغيير دستوري يمنح المجلس المنتخب الكلمة الفصل في التشريع. إذ يبدو الحكم مقتنعا بأن التشكيلة الحالية للبرلمان، التي يتساوى فيها المعينون والمنتخبون في الصلاحيات التشريعية، لم تختبر بما فيه الكفاية، ولابد من الانتظار ثلاث سنوات أخرى على الأقل، وربما أكثر من ذلك قد تصل إلى العام 2010، ليتسنى تقييم التجربة، ودراسة نتائجها. فيما يرى معارضون بأن مرحلة «الحسم» لن تتعدى انتخابات 2006، فالمقدمات الحالية، بحسب رأيهم، مثل صدور الدستور وفق رؤية حكومية، ومقاطعة المعارضة للبرلمان، يستلزم الوصول إلى «حل». يبدو أنه مازال عصيا.
مبررات الحكومة
وبحسب مراقبون محايدون، فإنه لا يمكن للحكومة أن تسلم «رقبتها» للمعارضة، التي يمكن لها بشيء من التنسيق، أن تفوز بغالبية المقاعد في المجلس المنتخب، إذا ما اعتمد توزيع «غير سياسي» للدوائر الانتخابية. الأمر الذي يعزز من الفكرة السائدة داخل الأروقة الحكومية في عدم إجراء تغييرات دستوية تزيد من حجم المعارضة في البرلمان، وصلاحياتها. وهو السبب ذاته الذي يجعل القوى السياسية المناصرة للتوجه الرسمي في القضية الدستورية، وعلى رأسها «المنبر الإسلامي» لا تؤيد الانضمام إلى ركب «المؤتمر الدستوري الوطني» الذي يعد له التحالف السداسي، ذلك أن مشاركة «المنبر»، و«الأصالة» في المؤتمر يعني قبولهما بالتقليل من تأثيرهما في القرار داخل المجلس وخارجه، ما ينعكس سلبا على قاعدتهما الانتخابية التي تستأثر في الوقت الراهن بحصة لا يستهان بها من نسب التوظيف والترقي في الدوائر والأجهزة الحكومية، ولن تقبلا أن تتخليا عن هذه «المكتسبات».
نكسة للمعارضة
على صعيد آخر، ينطلق المجلس اليوم، في ظل شعور إيجابي ينتاب البرلمانيين البحرينيين إثر الموافقة على انضمام المجلس الوطني (بغرفتيه) إلى عضوية الاتحاد البرلماني الدولي، بإجماع أعضائه البالغ نحو 145 دولة، بعد أن رفض البرلمان الدولي طلبات سابقة للبحرين في تسعينات القرن الماضي، لأن مجلس الشورى حينها لا يمثل البعد الشعبي.
وتعد الموافقة على العضوية انتصارا للمشروع الحكومي وللنواب، وفي الوقت نفسه فإنها تعد نكسة للمعارضة، التي أرسلت رسالتين إلى البرلمان الدولي تحثه على عدم قبول عضوية البحرين، لأن التعديلات الدستورية التي صدرت في 14 فبراير/ شباط 2002، أخلّت بحسب ما تقول المعارضة بمجموعة مبادئ كان متفقا عليها عند التصويت على ميثاق العمل الوطني.
الرسالة الأولى بعث بها تحالف الجمعيات الأربع (الوفاق، العمل الديمقراطي، العمل الإسلامي، التجمع القومي)، الذي قاطع الانتخابات النيابية لأسباب «سياسية». وتؤكد المصادر أن البرلمان الدولي لم يتسلم هذه الرسالة «ما يعكس طبيعة الأداء المرتجل لهذه الجمعيات، وعدم متابعتها لخطواتها» بحسب تعبير معارضين مستقلين.
أما الرسالة الثانية التي وصلت فعلا إلى البرلمان الدولي وتم توزيعها هناك، وحصل الوفد البحريني على نسخة منها، فأرسلها «لوبي الدستوريين» الذي يضم سبعة ناشطين (عبدالعزيز أبل، عبدالوهاب حسين، علي ربيعة، حسن مشيمع، سعيد العسبول، هشام الشهابي، عيسى الجودر)، الذي قاطع الانتخابات النيابية لأسباب «دستورية»، لكن هذه الرسالة التوضيحية لم تجد أذنا صاغية من المجتمعين في جنيف، إذ تم التصويت بالإجماع على قبول عضوية البحرين.
لا عقبات في القبول
وقالت مصادر موثوق بها إن إشكال صلاحيات المجلسين، وتساوي عدد أعضائه، لم تكن عقبة أمام قبول العضوية، ذلك أن «البحرينيين أقروا ذلك في استفتاء عام على ميثاق العمل الوطني»، بحسب الرؤية الحكومية التي وصلت إلى البرلمان الدولي، إضافة إلى الخطوات الإصلاحية الاستثنائية التي اتخذت على مدى السنوات القليلة الماضية في المضمار على الصعيدين السياسي والحقوقي، وعلى صعيد حق المرأة في الترشح والانتخاب، الأمر الذي اعتبره المجتمعون في جنيف علامة جدا إيجابية، وإن لم تصل المرأة إلا إلى الغرفة المعينة.
ويرى نواب أن ذلك ينبغي أن يكون نداء إلى «المزايدين» على موقف المنظمات الدولية في قبولها بنصوص الدستور وصلاحيات المجلسين، ينما يرى معارضون أن القبول لا يشكل انتكاسة لها، ولا تقوية للموقف الرسمي، ذلك لأن الاتحاد الدولي سبق له أن قبل عضوية مجالس معينة لدول أخرى مجاورة.
كما لا تعتبر المعارضة في قبول العضوية عاملا مساعدا على إحداث مزيد من الإصلاحات في الواقع البرلماني البحريني، ذلك لأن الاتحاد الدولي، بحسب المعارضة، لا يمارس ضغوطا على أعضائه.
ويختلف مراقبون مع هذه النظرة، ويرى هؤلاء، ويؤيدهم في ذلك أعضاء في المجلس النيابي، أن العضوية ستفرض استحقاقات ما، أو ثقافة على الأقل، يمكن إذا تعاطت معها المعارضة في داخل البرلمان وخارجه على نحو جيد أن تستخدمها كورقة ضد الحكومة. بينما يرى متشائمون أن القبول قد يزيد من تصلب الموقف الحكومي في رفض إحداث إصلاحات دستورية، ذلك لأن الإصلاحات الحالية مقبولة على الصعيد البرلماني الدولي.
يذكر أن السلطات البحرينية اعتادت انتقاد النشاط المعارض في الخارج، ذلك لأن«المنابر الداخلية كفيلة بإيصال وجهات النظر المختلفة إلى الرأي العام»، بينما ترى المعارضة أن حق الكلام مكفول في الداخل والخارج، وهو ما تؤمنه القوانين المحلية والدولية.
كما يذكر أن الخلاف بين لوبي الدستوريين والجمعيات الأربع واضح للمتابع في مسألة توقيت التعاطي مع الخارج كما حدث في ندوة لندن الذي نظمه الدستوريون، ولم تتعاطف معه الجمعيات الأربع. ويصف بعض منتسبي التحالف الرباعي خطاب الدستوريين بـ «التشدد»، بينما يرى الدستوريون أن موقف التحالف الرباعي «رجراج».
الغرفة المعينة
في جانب آخر من المشهد، فإن افتتاح المجلس الوطني اليوم وفق الصيغة التي انطلق بها قبل نحو عام، يعني تبخر مبادرات أطلقت من قبل أطراف «مستقلة» تنادي بتطوير التجربة من بوابة مجلس الشورى، باستبدال أسماء غير فاعلة في المجلس المعين بأخرى أكثر فعالية ونشاطا على صعيد المجتمع المدني.
وفي الواقع تشعر كثير من القوى السياسية، بما فيها بعض الأطراف الحكومية، أن مجلس الشورى الحالي لا يقوم بالدور المناط به والمتوقع منه. ليس على مستوى التشريع فحسب، وإنما - وهذا هو الأخطر - من وجهة نظر جهات حكومية على المستوى السياسي، وذلك بتخلي أعضائه المعينين عن الدفاع عن تجربة تشكيل مؤسسة تشريعية نصفها معين، على الرغم من كونهم جزءا منها، الأمر الذي يزيد من إحراج الحكومة في مواجهة أصوات معارضة تعتبر حصول مجلس معين يساوي عدد أعضائه مجلس منتخب على صلاحيات تشريعية أمرا مخالفا للمنطق.
ويلاحظ أنه باستثناء عدد محدود من أعضاء الشورى، إن العدد الأكبر من الأعضاء لا يشارك في النقاشات البرلمانية، ولم يقدم مقترحات بقانون، ولا أسئلة إلى الحكومة، أي أنهم لا يستفيدون من الصلاحيات المعطاة لها، ما يجعلهم غير متفاعلين مع الطروحات المطالبة بزيادة صلاحيات البرلمان الرقابية والتشريعية. (أحد الأعضاء وهو مصرفي معروف لم يحضر إلا جلسة القسم الدستوري في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2002، وتغيب عن الغالبية العظمى حتى لا أقول كل الجلسات).
المعارضة: افتعال اللامبالاة
على الصعيد نفسه، يلاحظ أن المعارضة تجاهد للظهور بمظهر غير المبالي بانطلاق الدور الثاني، إذ وصف الرجل الأول في جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان حدث الافتتاح بأنه لا يستحق التعليق، وبحسب المعلومات فإن تعليمات أعطيت للقائمين على منتدى الحوار في الوفاق لتجاهل افتتاح في البرلمان، وعدم عقد ندوة تناقش موضوعه.
اعتادت المعارضة الهجوم على مجلس النواب، وكذلك مجلس الشورى الذي تراه أنه معيق للتجربة، وهو كذلك فعلا في نظر كثيرين. لكن الواقع الراهن يوضح أن الحكومة ربما لأن وقت الشورى لم يحن للعرقلة هي التي تعيق نشاط المنتخبين، بعدم تعاونها معهم. إذ قدم النواب 51 اقتراحا برغبة، لم تجب الحكومة عليها، ولا يتوقع أن تستجب الحكومة لكثير من هذه الرغبات، وخصوصا أن الدستور لا يلزمها بمدة معينة للرد على النواب، ما يرجح أن تكون كثير من الرغبات مسكوت عنها حكوميا.
وكانت الحكومة قد رفضت تضمين اللائحة الداخلية أي نص يحدد مدة لردها على الرغبات، متعذرة بالنص الدستوري في المادة 68 الذي جاء من دون تحديد، إذ لا اجتهاد في مقابل النص بحسب الفهم الحكومي. وهو أمر لا يتفق بشأنه مستشار النواب عمرو بركات الذي يرى أن عدم تحديد الدستور لتوقيت معين للرد، لا يعني عدم امكان التحديد ذلك أن الدستور يعطي للمجلس الحق في إصدار قوانين تكميلية.
كما قدم النواب 19 اقتراحا بقانون، من بينها اقتراح بقانون بتعديل اللائحة الداخلية، وهذه الاقتراحات أيضا موجودة في أدراج الحكومة، ولا يعرف متى ستفرج عنها. إذ يفسح الدستور للحكومة المجال بأن تعيد صوغ القانون وتقدمه للمجلس في الدورة نفسها التي اقترح فيها القانون، (وهو ما لم يحدث في الدور السابق)، أو في الدورة التي تليها. أي أن الحكومة ملزمة بحسب الدستور أن تعيد إلى المجلس مقترحات القوانين الـ 19 التي قدمت في الدورة السابقة، لكن لا يعرف متى ستقدمها، هل في شهر أكتوبر الجاري أم في شهر مايو/ أيار المقبل.
وعلى الأرجح فإن النواب سيقعون في حرج شديد... فانتظار المواطنين للنتائج، وضعف الدعم الشعبي من طرف فئات مؤثرة، والتعاطي الحكومي الحالي الذي «لا يرحم»، لا يجعل البرلمان يستفيد من انتصاره جنيف
العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ