ما أشبه اليوم بالبارحة، فعندما قتل الرُّعاعُ الخليفةَ الراشدي الثالث عثمان بن عفًان رفع كُلُّ من هبً ودبَّ من الطامعين والفاسدين والانتهازيين قميصه الملطخ بالدم في وجه خصومهم أو منافسيهم. لقد كانت صرخة حق أريد بها باطل.
في أيامنا التي نعيش الآن، في الأقطار العربية التي شملتها ثورات وحراكات الربيع العربي، أصبحت أخطاء وخطايا أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد الثورات التي نجحت في إسقاط الأنظمة الاستبدادية الفاسدة السابقة، وأخطاء وخطايا القوى السياسية التي لاتزال تناضل ضدَّ الاستبداد والفساد، أصبحت تلك الأخطاء والخطايا قميص عثمان جديداً يرفعه كلُّ من هبَّ ودبً من قادة وأعوان الثورات المضادة في وجه مسيرة وأهداف الربيع العربي.
في الصحف نقرأ وعلى شاشات التليفزيونات نشاهد ونسمع الصرخات وأقوال الحق نفسها التي يراد بها الباطل، باطل الرجوع إلى الوراء، إلى النًّكوص نحو الفساد والاستبداد والظلم، إلى اللاديمقراطية. على قميص عثمان الجديد يعلن هؤلاء أن الاستقرار وقبضة الأمن الحديدية أهم وأولى من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والنهوض من ركام التخلف التاريخي.
على قميص عثمان الجديد يكتب هؤلاء، من اللاطمين المأجورين، وذارفي دموع التماسيح، ورافعي ألوية الزبونية في كل عهد، أن الإصلاحات الكبرى يجب ألا تصاحبها أخطاء أو آلام أو تضحيات، وأن العرب، من دون خلق الله جميعاً وبعكس كل قوانين التاريخ والاجتماع، يجب أن يظلوا إلى الأبد ممدودي اليد لمن يتصدًّق عليهم بهذا الفتات أو تلك المكرمات إن سمح له كرمه بذلك.
لا توجد مبالغة في رسم الصورة، فالأحداث اليومية تؤكدها، وما يهمنا هو ألا يتأثر شباب الثورات ببؤسها، ففي أعماق تلك الصورة يكمن الآتي:
أولاً: منذ أكثر من ستين سنة كتب الكاتب الجزائري مالك بن نبي أنه «لكيلا نكون مُستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار»، وقد أوضح الكاتب في كتابه الشهير (شروط النهضة) الكثير من علل ونواقص المجتمعات العربية، التاريخية والاجتماعية والنفسية والروحية منها، التي أدًت إلى تلك القابلية في بلاد العرب.
وإذا قرأ شباب الثورات ذلك الكتاب والكتب المماثلة التشخيصية فسيجدون أن العلل نفسها كانت ولاتزال هي السبب للقابلية لقبول الاستبداد والقهر والظلم الداخلي. ولذلك فإن الخروج من تلك القابلية سيكون عملية عسيرة ومؤلمة وطويلة الأمد، وستكون الخروج من القابلية للاستعمارين الخارجي والداخلي على السواء.
ثانياً: بسبب تلك القابلية للاستعمار والاستبداد، والتي كانت حصيلة تاريخ طويل من التخلف الحضاري، بعد التراجع المعروف للحضارة العربية الإسلامية المبهرة، فإنه من الضروري الإدراك أنه حتى لو نجحت ثورات وحراكات الربيع العربي في تحقيق الأهداف السياسية وانتقلت المجتمعات إلى نظام ديمقراطي معقول؛ فإن ذلك لن يكفي. فالربيع العربي، إذا أريد له أن يكون نهوضاً حضاريّاً، لن يكتمل ولن يستمِر في أفق المستقبل البعيد إلا إذا ترافق مع الثورة السياسية قيام ثورات فكرية وثقافية، وروحية، وأخلاقية.
إن ذلك يتطلب من شباب الثورات أن يعملوا على تواجد المثقفين والمفكرين وعلماء الدين المستنيرين في مقدمة الصفوف ليحموا ثوراتهم من هرطقات بعض الإعلاميين، وعلماء الدين المتزمتين، وكتاب السلاطين. ذلك أن أحد أهم أسباب الفشل في أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي هو غياب الفكر والثقافة والروح السامية والقيم الضَّابطة للسياسة وجموحاتها.
ثالثاً: للمرة الألف نقولها مع القائلين إنه ما لم ينتقل شباب الثورات من صنع الثورات إلى ممارسة العمل السياسي المنظم، على مستوى أقطارهم وعلى مستوى وطنهم العربي الكبير ـ فإنهم سيقضون أعمارهم في إصلاح ما يفعله الآخرون بهذه الثورات، أحياناً باسمهم وأحياناً بادعائهم بأنهم صانعو ومفجرو الثورات.
إن ظهورهم على شاشات التليفزيون أو كتابة الكتب باللغة العربية أو اللغات الأجنبية، أو تلبية دعوات مؤسسات العلاقات العامة في الداخل والخارج لم يُنجح ثورة، ومن المؤكد لن يجعلها مستمرة بعد نجاحها، إن ذلك لم يحل محلَّ إقدامهم على تكوين الكتلة التاريخية المنظمة الحاملة لواء الثورة السياسية - الاقتصادية - الثقافية المطلوبة، الكتلة القادرة على تحقيق الانتصارات اليومية التراكمية المفجرة للأمل، والطموح، والجهد في صفوف الجماهير.
من دون ذلك ستكون الثورات ثورات عاقرة غير قادرة على ولادة أية حضارة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3996 - الخميس 15 أغسطس 2013م الموافق 08 شوال 1434هـ
ابو حسين
يا سعادة الدكتور الفاضل كنا في زمن الشباب نتساءل ما اسباب التقدم والتطور في
الغرب في جميع المجالات العلمية والثقافية والسياسي وحقوق الانسان والمساواة
مقابل التخلف وكنا خارج الزمن لا توجد لدينا اي انجازات مجرد مستهلكين غير منتجين
من حسنات الغرب تكاتف المثقف والعالم والسياسي النطيف من اجل الجميع لكن
مواقف المثقف والعالم والسياسي لدينا فوجدنا بعد الكفاح والنضال في اول تجربة
حقيقية نجده يصرخ ابطش اي ذهبت الحرية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية
والمساواة في الاشعارة الجميل فقط هذا هوسبب تخلفنا
الغرب ايضا
لاشك ان الوطن العربي يمر بمرحلةخطيرة من اجل التحول الديمقراطي وهدا ليس بجديد فجميع الثورات في العالم مرت بهدا الشكل من الظروف الثورة الفرنسية مثلا الظروف التي مرت بها اوربااثناء العصور الوسطي وبالتالي نحتاج الي الوقت لكي يعرف كل انسا ن نثقافة الاخر ويحترم ارواؤة واعتقادة ان الاسلام السياسي لايمكن ان يقود الثورات لان الوطن العربي ليس مدهب واحد اوقومية واحدة وبالتالي لايمكن تطبيق وجهة نظر علي الجميع تحيات الي الكاتب الكبير د علي فخرو
ثوره من داخل الناس وليس من خارجهم
ليس بسر أن زيادة الظلم السائد والعائد النفطي ...وعدم سيادة قانون وإقطاع والعودة الى الجاهليه قد لا يراها البعض أنها أسباب كافيه ومن أشراط الساعة للقيان ثورة داخل كل إنسان حر أو يعرف بأنه حر وليس عبد. فعبادة المال أو تتويع الناس بالمناصب والمال وتحريك الشارع بدون مشاعر ولا إحساس بأن من إستشهدوا ومن هجروا ومن قتلوا حديثا أو قديما على هذه الجزيره ليس لشيء لكن قالوا لا للظلم ولم يقولوا لا للعدل. أليسا كذلك؟
قالوا يحكمون كما قالوا يسيطرون على..
قالوا يعبدون ويسجدون لكنه يتنابزون ويتلامزون وحتى سلبوا النوم كما نهبوا الكحل من عيون الناس مثل ما قال كو كو دجاجه أو زيادة منكر أو قلت إيمان حتى التربيه إستحوذ عليهم الشيطان ونهبواها أو سلبوها وصاروا في مناصب - وين العلم وطلب العلم؟ بس عاد مساجد زايده من زود الهدايه ولا تابعه الى مدرسه من مدارس المحرق؟ يمكن متبعين خطوات شيطان ويدعون ويدعون أنهم واتح من أتباع عبد الناصر اأو قصه من قصص التاريخ المؤلف.. اوواليس من الناس يسطرون ويؤلفون ويروون روايات ويقولون يمكن قالوا زور...؟
مقال جميل ومفيد من الشباب
يعتبر هو الديمنو والمحرّك لكل وهذا المحرّك قوي جدا ويحتاج الى كوابح ومقود يتناسب طرديا مع قوة هذا المحرّك فأي سيارة تكون قوة محرّكها
اقوى من سيطرة كوابحها او مقودها تودي به الى الهلاك والاصطدام بأي شيء يقع قبالتها.
لذلك على شبابنا الاستنارة بعقول المفكرين مثل الدكتور وغيره من اصحاب الخبرات
فالعمل لا بد ان يتوج بقيادة سياسية حكيمة وغير ذلك لا ينفع
واذا كان المثقفين في السجون !!!!
لا تعليق
مخلفات الاستعمار تعاسه أو سياسه أو مستلزمات حقيبه مدرسيه؟
تبا أو سحقا ما قدر يحلها جحا.. فلم يعرف للسياسة أخلاق ولا أدب ولا تحترم أحد – قيادة المجتمعات الى الهاويه أو تسايس ولا تعايش.ربما يقال أو يقولون عندها فن الممكن. أيعني الذي تتمكن منه وتسايسه وتقص عليه ويتابع ويسمع قولك ويتناصح على أن لا يخالف لك أمر مثل ما فعل معاويه بن أبي سفيان وشعرة معاويه .. الترهيب والترغيب؟ .. أو كما يعرفها البعض بالعصى والجزره.. أو يقلون العصى لمن عصا.. لكن الأمر لله ويش العمل مو في وزارة العمل ولا في يد ديوان الخدمه المدنيه بس بلوائح داخليه يتحكمون في ويش ما تدري؟
ذهب في مهب الريح ورياح التغيير
من الأقوال دوام الحال من المحال.. ولا تأمن الدهر .. إلا أن مفخخات ومفجرات ومفرقعات القرن العشرين غير نافعه ولا صلح فيها للحادي والعشرين من القرون. هذا قد لا يكون متفق عليه ولا موقعين إتفاقيات منتهية صلاحيتها، لكن جاري العمل بها عرفا وكأنما الماضي يكرر نفط ويباع في الأسواق العالميه وأرصدة في بنوك سويسريه تمتليء ليس ذهبا، وإنما تحول ذهب الأسود من معدن سائل الى أرصده وأرقام. بعضهم الحكم على الكرسي للأبد ويضن أن ثبات الكرسي ليس لمرسي.
شكرا يا دكتور
موضوع قيّم جدا وبحاجه لتمعن محتواه
كلام يحفر بالذهب دكتورنا الفاضل
اتمنى ان تتلقاه قلوباً واعية