يجمع التربويُّون على ضرورة تجاوز الأساليب والطرائق التقليدية في التدريس، ومنشأ هذه القناعة هو أن التعليم لابدَّ أن يلبي طموحات المتعلمين واهتماماتهم ورغباتهم، بحيث يتفاعلون معه بروح إيجابية ووعي ومسئولية.
وتمثّل حقوق الإنسان واحدة من أبرز القضايا العالمية التي لاقت مؤخراً اهتماماً محلياً واسعاً، فهناك العديد من الجمعيات والهيئات والمؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بهذا المجال، والحق يُقال بأننا لم نجد لحد هذه اللحظة أية مبادرة تربوية أو مقاربة تعليمية جادة، تهدف إلى نشر هذه الثقافة الأممية في الفضائين المدرسي والجامعي، بما يتناسب مع المعايير والممارسات العالمية.
نتفق مع ما ذهب إليه محمد عابد الجابري في مقال له بعنوان «تأصيل قيم الحداثة» بأن حقوق الإنسان مسألة ثقافية قبل كل شيء، وأن ما حصل في أوروبا ذاتها على مستوى الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية والروح العقلانية والنزعة النقدية وغيرها لم تكن لتترسخ اليوم إلا بعد أن تمّ تأصيلها في مفاصل المجتمع الغربي، ومن ثم نُقلت إلى المدرسة عن طريق المعلّم والكتاب لتصبح جزءاً من نظام التعليم بما فيه الامتحانات.
يشتكي كثير من أولياء أمور الطلبة، بأن المدارس تلزم أبناءها بعمل بحوث ووسائل وأنشطة وغير ذلك، وفي المقابل يستعين الطلبة ببحوث جاهزة من شبكة الإنترنت (Copy & Paste) من غير أية فائدة علمية تعود عليهم.
لذا، فإن علينا البحث عن استراتيجيات فعالة تنمّي لدى الطلبة التفكير التحليلي والناقد في فهم وتفسير أبعاد وغايات حقوق الإنسان، مثل «استراتيجية المشروع» ليكون الطالب هو المحور في تلقي هذه الثقافة الأممية وممارستها في حياته اليومية.
تعرّف المعاجم التربوية «استراتيجية المشروع» على أنها «طريقة (استراتيجية) تقوم على تقديم مشروعات للتلاميذ في صيغة وضعيات تعلّمية تعليمية تدور حول مشكلة اجتماعية واضحة، تجعل التلاميذ يشعرون بميل حقيقي لبحثها وحلها حسب قدرات كل منهم، وبتوجيه وإشراف المدرس، وذلك اعتماداً على ممارسة أنشطة ذاتية متعددة في مجالات شتى، وتنطلق هذه الطريقة (الاستراتيجية) من تجاوز الحدود الفاصلة بين المواد الدراسية، حيث تتداخل هذه المواد لكي تتمحور حول مجموعة من الأنشطة الهادفة، وبهذا تصبح المعلومات والمعارف مجرد وسيلة لا غاية في ذاتها. (راجع: المنهل التربوي، معجم موسوعي في المصطلحات والمفاهيم البيداغوجية والديداكتيكية والسيكولوجية، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، الجزء الثاني، ص 610ـ611).
وبما أن فكرة «استراتيجية المشروع» قائمة على أساس تقديم مشروعات للتلاميذ تتناول مشكلة اجتماعية واضحة، فإن مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان كالحق في العمل والحق في التعليم والحقوق الثقافية للأقليات والسكان الأصليين والحق في الحصول على أعلى مستوى يمكن بلوغه للصحة البدنية والعقلية، والحق في الحصول على مأوىً ملائم، والحق في الحصول على الغذاء والحق في الحصول على المياه، وما إلى ذلك من الحقوق المشار إليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 يصلح ليكون المرجع الأساس الذي ينبغي الاستناد إليه في تدريس الطلبة لحقوق الإنسان وفق «استراتيجية المشروع».
من مزايا «استراتيجية المشروع» في تدريس حقوق الإنسان أنها تلامس اهتمامات الطلبة وتجعلهم أكثر تفاعلاً وحيوية مع قضايا مجتمعهم وأمتهم، خصوصاً إذا أشرف على إدارة المشروعات معلّم مثقف ومنفتح خضع لدورات تخصصية في مجال التربية على حقوق الإنسان، كما تمتاز أيضاً بالمرونة في تجاوزها للأطر والحدود الفاصلة بين المواد الدراسية المستقلة، وبالتالي تكون أقرب إلى المنهج التكاملي الذي يحتضن جميع المواد الدراسية لتخدم بعضها البعض.
تبدأ خطوات «استراتيجية المشروع» في تدريس حقوق الإنسان باختيار المعلم للمشروع وتحديد أهدافه وغاياته، وذلك بإشراك الطلبة ومناقشتهم حول «حق التعليم» مثلاً، ونوعيته وجودته ومجانيته وإلزاميته للأفراد ومسئولية الدولة تجاه هذا الحق وتوفيره لجميع المواطنين على قدم المساواة ومن دون أي تمييز بينهم.
تتمثل الخطوة الثانية في التخطيط للمشروع القائم على تنمية الوعي بثقافة حقوق الإنسان والتنظيم له بالاتفاق بين المعلم والطلبة، في تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها من خلال هذا المشروع، ومن ثم تقسيمه على مراحل وخطوات محددة، والأخذ بعين الاعتبار العمل الطلابي ضمن مجموعات «التعلم التعاوني»، والذين سيقومون بتنفيذ المشروع، وكذا تحديد آليات ووسائل التنفيذ والمعلومات والبيانات اللازمة وأنواع الأنشطة المطلوبة حسب المدة الزمنية المقررة للتنفيذ.
في الخطوة الثالثة، تبدأ مجموعات الطلبة في تنفيذ جوانب المشروع بإشراف المعلم وتوجيهاته ومساعدته. أما الخطوة الرابعة والأخيرة، فهي تتعلق بتقييم المشروع والحكم على جدواه وفاعليته وأثره على سلوكيات الطلبة وتوجهاتهم في فهم وتعزيز مضامين حقوق الإنسان، عندما يقدّم المعلّم تغذية راجعة (Feedback) مع الطلبة، بقصد عرض كل ما تمّ إنجازه، والوقوف على مواطن القوة والضعف.
من أكثر الإيجابيات لـ «استراتيجية المشروع» في تدريس حقوق الإنسان هو الإعداد الأكاديمي الجيد للطلبة وتهيئتهم لفهم منظومة حقوق الإنسان وممارستها عملياً، سواءً داخل المجتمع المدرسي أم خارجه.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3977 - السبت 27 يوليو 2013م الموافق 18 رمضان 1434هـ
كلام جميل ولكن..
الواقع ان ما يجري في وزارة التربية من تخبط ومشاريع تحسين وتطوير ووو .. مشاريع ومشاريع ومشاريع .. كلها دون نتيجة لافتقادها الى اهم قاعدة وهي التنسيق.. اذا اردت تطبيق استراتيجية المشاريع بطريقة صحيحة يجب اولا تعديل المنهج وتقليل الكمية وايضا تعديل آلية التقييم المتبعة حاليا والمعتمدة على قياس حفظ الطالب في معظم المواد ..واخيرا توفير الدعم للمعلم بتوفير الادوات والوقت والاهم الدعم المعنوي والمساندة بدلا من الزامه بأن يكون صورة كربونية تطبق الاستراتيجيات المطلوبة لمجرد التطبيق حتى لا يتعرض للمساءلة